علي بن أبي طالب الشك

علي بن أبي طالب الشك
حين بعث الله تعالى نبيَّه محمداً -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وأمره بالدَّعوة إلى رسالة الإسلام، وتبليغها إلى كلِّ الأنام، لم يستجب لهذه الدَّعوة إلا قلَّة قليلة، وقفت في صفِّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وآزرته ودافعت عن دعوته، وقد لقي النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصحابته صنوفاً من الأذى النَّفسي والجسدي، لعددٍ من السنوات أثناء الدَّعوة في مكَّة، حتى كان الإذن بالهجرة من مكَّة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة؛ للتَّخلُّص من أذى المشركين، وسعياً لتمكين دين الإسلام، ومحاولةً لنشر دعوته على نطاقٍ أوسع دون عرقلةٍ من كفار قريش.

هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وأخذ المسلمون يهاجرون على دفعاتٍ سرَّاً؛ كي لا تعلم قريش بهم فتمنعهم، وقد رافقت هجرة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وصحابته -رضي الله عنهم- جملة من الأحداث والمواقف التي سطَّرها التَّاريخ، ودوَّنتها الكتب وجاءت على ذكرها الآثار والمرويات، ومن أبرز هذه المواقف والأحداث ما قدَّمه علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-، أثناء هجرة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وفي هذا المقال تعريفٌ بعلي بن أبي طالب، وبيانٌ لموقفه -رضي الله عنه- في الهجرة.



بعد أن زاد إيذاء كفار قريش للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ومن معه من المسلمين، وزاد تصدِّيهم لدعوة الإسلام، وغيظهم من مبايعة الأنصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودخولهم في الإسلام، بدأ عدد من المسلمين بالهجرة إلى المدينة المنوَّرة سرَّاً، مما دفع عدداً من كفار قريش إلى الاجتماع في دار النَّدوة؛ ليتباحثوا في أمر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وما يصنعون معه، وأخذوا يقترحون ويتشاورون في ما بينهم، حتى استقرُّوا على رأيٍ واحدٍ وهو أن يأتوا من كلِّ قبيلةٍ بشابٍّ، وينتظروا خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام بيته، فإذا خرج ضربوه بسيوفهم ضربة رجلٍ واحدٍ؛ حتى يضيع دمه بين القبائل، فلا يتمكَّن بنو عبد مناف من الثأر له.

وقد ألهم الله تعالى نبيَّه محمداً -عليه الصَّلاة والسَّلام- بما تآمر عليه كفَّار قريش، فقرّر -عليه الصَّلاة والسَّلام- أن يهاجر إلى المدينة المنورة، فأخبر رفيقه أبا بكرٍ -رضي الله عنه- بذلك، واستعدَّ بجملةٍ من الاستعدادات التي تسهِّل خروجه من مكَّة المكرَّمة دون معرفة قريش أو انتباههم له، ومن هذه الاستعدادات: اختيار الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- لابن عمه علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-؛ ليبيت في فراشه في الليلة التي يغادر فيها -صلى الله عليه وسلم- مكَّة، فما كان من علي -رضي الله عنه- إلا أن استجاب لما أمره به النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، رغم ما في هذا العمل من مخاطرةٍ بالغةٍ.

استعدّ علي -رضي الله عنه- لفداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبات في فراشه ملتحفاً ببردته، وكان الشباب الذين اختارتهم قريش واقفين بالباب يترقبون وينظرون من شقوقه، وألقى الله تعالى النَّوم على أعينهم، فناموا ولم يلتفتوا لخروج النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- من بيته، ليتفاجؤوا بعد وقتٍ أنَّ من في فراش النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ومن يلتحف عباءته هو علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-، الذي افتداه بروحه.