وهنا يتبادر إلينا السؤال الآتي، كيف يمكن لنا أن نفهم الغضب؟ كيف سنحدد أسبابه؟ وما هو تأثيره في الجسم والعقل معاً؟ وهل توجد تقنيات فعَّالة لإدارة الغضب؟ وكيف بإمكاننا تجنب الانفعالات السلبية الناجمة عنه؟
كل هذه الأسئلة سنجد إجابتها عندما نخوض في غمار مقالنا هذا، فلنبدأ في:
الغضب؛ هو عاطفة وحالة إنسانية تتراوح درجاتها ما بين الانزعاج الخفيف وصولاً إلى الغيظ والسخط العارم، وبحسب عالم النفس الدكتور "تشارلز سبيلبيرغ" (Charles Spielberger)؛ فالغضب كغيره من المشاعر ترافقه تغيُّرات فيزيولوجية وبيولوجية كتسارع نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم، وزيادة هرمونات الطاقة الأدرينالين والنورادرينالين.
إضافة إلى ذلك فالغضب؛ هو عاطفة يختبرها كل الناس كون العواطف جزءاً لا يتجزأ من كيان الإنسان، ويختلف معنى الغضب من شخص إلى آخر في شكله، وحدته، وأسبابه، ومدة استمراره، وطريقة التعبير عنه.
تنشأ الأسباب الرئيسة للغضب من بيئة الإنسان المحيطة به، والأمور التي يواجهها فيها، مثل:
تشمل هذه الأوضاع الصراعات العائلية، مثل الخلافات مع الشريك أو الأطفال، أو المشكلات مع الأقارب، كما تشمل المشكلات في المدرسة أو في مكان العمل، مثل التعامل مع زملاء العمل الصعبين أو التحديات المتعلقة بالأداء والتوتر والضغط المرتبطين بهذه الأوضاع يؤدي إلى الشعور بالإحباط والغضب؛ وهذا يُشعر الأشخاص بأنَّهم عاجزون عن التحكم في هذه الأوضاع، وهذا يزيد من شعورهم بالغضب.
الشعور بالإجهاد؛ هو حالة يمتد أثرها ليشمل عدة جوانب حياتك، ويُستخدم مصطلح الإجهاد لوصف الشعور الكُلِّي بالتعب أو نقص الطاقة وعدم القدرة على أداء وظائفك وأعمالك بشكل طبيعي.
توجد عدة أسباب محتملة للإجهاد، ويُمكن تقسيمها عموماً إلى 3 فئات:
إذا كنت تعاني الإجهاد، فقد يعود ذلك إلى أسلوب حياتك وروتينك اليومي، مثلاً قد ينتج الإجهاد من المجهود البدني، أو قلة النشاط البدني، وقلة النوم، وزيادة الوزن أو السمنة، أو فترات من التوتر العاطفي، والملل، والحزن والكآبة، أو تناول أدوية معينة، مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات، وتعاطي الكحول بانتظام، أو تعاطي المخدرات غير المشروعة، مثل الكوكائين، واستهلاك كثير من الكافيين، أو عدم الالتزام بحمية غذائية سليمة.
الشعور بالإرهاق بشكل دائم؛ وهو قد يكون ناجماً عن مشكلةٍ صحية يغفل عنها الشخص.
قد تؤدي بعض الحالات الصحية العقلية أيضاً إلى الإجهاد والتعب.
قد يشمل ذلك القلق بشأن كيفية سداد الديون، أو وجود صعوبات في دفع الفواتير، أو التحديات التي تتعلق بالتخطيط المالي، وعندما يكون الأشخاص قلقين بشأن موقفهم المالي يشعرون بالإحباط أو الضغط نتيجة عدم قدرتهم على تسوية أوضاعهم أو أعبائهم المالية؛ وهذا يؤدي إلى دخولهم في حالة من الغضب.
يشمل ذلك الإساءة الجسدية أو العاطفية، أو العنف المنزلي، أو التعرض للعنف في المدرسة أو في مكان العمل، ويشعر الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة أو العنف بالغضب بوصفه رد فعل على تجاربهم، وقد يشعرون بالغضب تجاه الأشخاص الذين أساءوا إليهم، أو قد يشعرون بالغضب تجاه الأشخاص الذين لم يتمكنوا من حمايتهم.
يشمل هذا الضغوطات المرتبطة بالعمل، مثل المواعيد النهائية الصارمة، أو التوقعات العالية، أو العمل في بيئة عالية الضغط، كما يشمل الضغوطات الشخصية، مثل محاولة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، أو التعامل مع المشكلات العائلية.
الإدمان على الكحول؛ هو حالة تتميز بالرغبة البدنية أو النفسية في استهلاك الكحول، وهو أمر خارج عن قدرة الشخص؛ فلا يمكنه السيطرة عليه؛ وهذا يؤدي إلى تجاهل التزامات أخرى مثل الأسرة والعمل، إضافة إلى أنَّ الإدمان على الكحول يؤدي إلى مجموعة من الأعراض الانسحابية عند التوقف عن استهلاك الكحول، ومن ذلك ارتعاش الأطراف واللسان والجفون، أو الغثيان والقيء، والضعف العام، وسرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، أو التعرق الشديد، والعصبية الشديدة، أو الكآبة والحزن، والصداع، وجفاف الحلق، وآلام المعدة والهلاوس السمعية.
إذا كان شخص ما يعاني من إدمانٍ على الكحول، فقد يشعر بالغضب؛ بسبب التوتر والضغط المرتبطين بالإدمان، وقد يشعر بالغضب تجاه نفسه؛ بسبب قدرته المحدودة على التحكم في استهلاك الكحول.
شاهد بالفديو: 20 حكمة وقول عن الغضب وسلبياتهِ
يؤثر الغضب تأثيرات قصيرة وطويلة الأمد في عقل وجسد الإنسان:
عند الشعور بالغضب، تبدأ الغدد الكظرية في إنتاج هرمونات التوتر، مثل الأدرينالين والكورتيزول، بكميات كبيرة، وهذا هو الأمر الذي يدفع المخ إلى تقليل التروية الدموية الواصلة للجهاز الهضمي وتعزيز تدفق الدم المحمل بالأوكسجين إلى العضلات استعداداً للمجهود البدني، فعندما يغضب الشخص، ينتقل جسمه إلى حالة من التحفز الشديد، والتي تؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وتوتر العضلات وزيادة هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين.
يمتد تأثير الغضب ليشمل الأداء المعرفي وإضعاف التفكير العقلاني؛ فعند الغضب قد يواجه الأفراد صعوبةً في التركيز، ويكون تركيز الانتباه لديهم أضيق، إضافة إلى ضعف الحكم، وضعف اتخاذ القرار.
يرتبط الغضب بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتة الدماغية؛ إذ يضعف الغضب الزائد أيضاً جهاز المناعة ويضعف الرفاهية.
يعطل الغضب التوازن الدقيق في الجهاز الهضمي؛ وهذا يؤدي إلى آلام في المعدة، وعسر الهضم، وارتجاع أحماض المعدة.
الغضب المزمن أو غير المنضبط هو عامل خطر قد يؤدي إلى الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب وتعاطي المخدرات.
عند حدوث نوبة الغضب، قد يسهل عليك أن تقول شيئاً ما بفعل نوبة الغضب، ولكن المشكلة أنَّك عندما تهدأ وتراجع نفسك تندم على ما تلفظت به من كلمات جارحة بحق الشخص المقابل لك؛ لذلك يجدر بك أن تتمالك نفسك قليلاً لتستجمع أفكارك وتحدد ما تريد قوله بدقة دون تجريح وفيما يتعلق بصلب الموضوع الذي تناقشه مع من هم حولك.
عندما تستعيد هدوءك وتستجمع أفكارك تأتي الخطوة التالية، وهي أن تعبر عن مشاعر الإحباط التي تنتابك بحزمٍ دون صدام، مع التعبير عن مخاوفك بشكلٍ واضحٍ ومباشرٍ ومراعاة عدم إيذاء مشاعر الآخرين.
تساعد ممارسة الرياضة والنشاط البدني على تقليل التوتر الذي يساهم في زيادة حدة الغضب؛ لذا يمكنك ممارسة رياضة المشي السريع أو الجري أو التسجيل في النادي الرياضي في منطقتك.
تساهم فترات الاستراحة القصيرة الموزعة على مدار اليوم بشكل مدروس في التخفيف من حدة التوتر الذي تواجهه وتحسين مزاجك، والتخفيف من حدة الضغط الذي تواجهه عند ممارسة أعمالك اليومية وجعلك نشيطاً ومتحفزاً.
وجِّه تركيزك على وضع الحلول لما يسبب غضبك وسخطك، وهذا يمنحك الفرصة لتلافي الدخول في نوبة الغضب والتعامل بعقلانية وواقعية مع ما يواجهك، فمثلاً لا يستدعي تأجيل موعد العمل الذي حددته مع شريك العمل لسبب طارئ أن تغضب، وبكل بساطة يمكنك الاتفاق على موعد آخر لاحق، وهذا يتيح لك التفرغ لأولويات أخرى ملحة في العمل.
قد تزيد طريقتك في توجيه النقد للطرف الآخر من حدة التوتر، كأن تستخدم ضمير المخاطب "أنت"، وتلوم الموظف لديك على تقصيره في العمل بقولك: أنت مقصر في عملك كثيراً، بدلاً من ذلك استخدم ضمير المتكلم "أنا" مع التعبير عن مشاعرك تجاه سلوك الطرف المقابل، كأن تقول: أنا أشعر بالاستياء من تقصيرك في العمل، يمكنك أيضاً استخدام النقد بشكل إيجابي كأن تستخدم طريقة "الساندوتش" في توجيه النقد.
عليك المحافظة على نقاء وصفاء القلب وعدم السماح للمشاعر السلبية بأن تعتمر في قلبك؛ لأنَّها تفتح باباً يتسلل منه الغضب إلى قلبك بكل سهولة، لذا بدلاً من ذلك سامح من أغضبك وتعامل معه بالصبر والرويَّة.
خذ الأمور بكل بساطة ولا تأخذ كل شيء يصادفك على محمل الجد؛ فلا تحتمل بعض الأشياء أن تثور وتغضب لأجلها، وخفف من توقعاتك تجاه سير الأمور، وتعامَل مع الأحداث بروح الدعابة والفكاهة مع تجنبك للسخرية حتى لا تؤذي مشاعر الآخرين.
إنَّ المواظبة على استخدام تقنيات الاسترخاء عند الدخول في حالة الغضب يساهم في التخفيف من آثاره النفسية والجسدية، والدخول في حالة من الهدوء والتعامل مع المواقف بحيادية ومنطقية، وتشمل هذه التقنيات تمرينات التنفس العميق، أو استخدام عبارات وتوكيدات إيجابية، أو الاستماع للموسيقى أو ممارسة تمرينات اليوغا.
يمكن للمختصين النفسيين مساعدتك على تعلُّم كيفية التحكم في نوبات الغضب عندما تخرج عن السيطرة، كي لا تقوم بأشياء قد تندم عليها فيما بعد وتكون مؤذية للمقربين منك.
شاهد بالفديو: كيف تجعل الغضب حليفك
يكون تجنُّب الانفعالات السلبية تحدياً بحد ذاته؛ ولكن إليك بعض الاستراتيجيات التي تساعدك:
قد يكون من الصعب التعامل مع الانفعالات السلبية إذا لم تكن تعرف ما هي؛ لذلك حاول التعرف إلى مشاعرك ومن أين تأتي بها.
يساعد التأمل على تهدئة العقل وتقليل التوتر والقلق.
تساعد التمرينات البدنية على تحسين المزاج وتقليل التوتر.
يساعد التحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به على تخفيف الضغط العاطفي.
يساعد الحصول على قسط كافٍ من النوم على التحكم في المزاج والانفعالات.
يساهم إنَّ اتباع نظام غذائي صحي في صحة الجسم والعقل؛ وهذا يؤدي إلى تحسين المزاج.
من الهام جداً تخصيص بعض الوقت للاسترخاء وممارسة النشاطات التي تستمتع بها.
إذا كانت الانفعالات السلبية تؤثر في حياتك بشكل كبير، فقد يكون من المفيد طلب المشورة من محترف في الصحة العقلية.
لا بد لنا أن نفهم أنَّ الغضب هو شعورٌ طبيعيٌ وغريزيٌ في الإنسان لا يجب إنكاره؛ بل يجب التعامل معه وفهمه وتوجيهه بالشكل الصحيح، حتى نتلافى الآثار السلبية التي تنجم عن ثورة الغضب التي قد تعصف بنا، وهذا يتطلب إدارة الغضب والتحكم به؛ وهذا بدوره يساعدنا على تجنب الانفعالات السلبية الناجمة عنه.