حالات كثيرة كتلك الحالة قد تكون مررت بها أنت أو صادفتها في أشخاص آخرين، ولحظات غامضة اختلطت فيها الحقيقة بالوهم والرعب بالهدوء، وكثير من التشتت والتساؤلات المربكة التي أخذت تتسلل إلى عقلك ولا تجد لها إجابة فورية، فهل ما حدث واقع أم خيال؟
إنَّ ما حصل بالفعل نطلق عليه (الهلوسة)، وهو مرض؛ إذ يمكن للعقل أن يخدعنا بسهولة، وأن يبني عوالم موازية، وأن يكشف لنا أنَّ الحدود بين الواقع والخيال قد تتلاشى، فالمصاب بالهلوسة يبدأ رحلة غير مألوفة تجعله يرى ويسمع ويشعر بأشياء غير موجودة في الواقع، وبأوهام تبدو حقيقة بالنسبة إلى الشخص المتأثر بها، فما الذي يدفع العقل لإنشاء ما ليس حقيقياً؟ وهل هي مجرد صدف عابرة أم هي رسائل مُشفَّرة من دواخلنا؟
الهلوسة هي حالة نفسية تظهر فيها تجارب حسية غير حقيقية أو وهمية للشخص دون وجود أسباب خارجية تبرر ذلك، وهي حالة تتسبب في تشويش الواقع وتفاعل الفرد معه، وبشكل أبسط يعبِّر هذا الاضطراب عن نوع من انتقال الفرد إلى عالم خيالي خاص به؛ إذ يعيش تجارب حسية تتجاوز الحدود الواقعية.
تتمثل في سماع أصوات غير حقيقية أو غير موجودة في البيئة المحيطة بالشخص المصاب، مثل سماع أصوات مثل النقرات، والصراخ، والأصوات المتكررة التي تريد أن تقول أشياء للشخص دون وجود أي مصدر ظاهر لها، وهذا النوع هو الأكثر شيوعاً.
يُمثَّل هذا النوع من الهلوسة في الشعور بتغيرات جسدية غير حقيقية أو غير موجودة فعلاً، مثل شعور بتغير شكل الجسم، والشعور بحرارة أو برودة غير طبيعية دون وجود سبب ظاهر، والشعور بوجود حشرات زاحفة على الجسم.
تُمثَّل في تجارب ذوقية غير حقيقية أو غير موجودة، مثل الشعور بتذوق طعم معين دون وجود أي شيء في الفم، ومذاقات غريبة أو غير مألوفة.
حالة يشعر فيها المريض بتحسس أو لمس غير حقيقي من قِبل شخص آخر موجود بجواره أو يشعر بوجود شيء يتحرك تحت جلده، فهي حالة تشمل الشعور بتحسس أو لمس غير حقيقي لأشياء غير موجودة فعلاً.
يشم المريض روائح لا وجود لها قادمة من محيطه الخارجي أو من جسمه نفسه، مثل شم روائح كيميائية، أو رائحة الدخان، أو عطور، أو أطعمة، وغيرها دون وجود أي مصدر محدد لها.
يرى المريض هنا صوراً وكائنات وأموراً غير حقيقية، وهذه الهلوسات البصرية قد تكون متعلقة بأشكال هندسية، أو رؤية أشخاص غير حقيقيين، أو مشاهد غير واقعية، مثل شخص قد يرى حيوانات أو كائنات غريبة، أو يشهد مواقف غير ممكنة في الحياة اليومية، وكل ذلك دون وجود أي مصدر حقيقي لتلك الرؤى.
الهلوسة ظاهرة معقدة وغامضة، وتتراوح تأثيراتها بين تشويش الحواس إلى إحداث تحولات غير واقعية في الواقع المحيط، فكيف يؤثر هذا الاضطراب النفسي في حياة الإنسان؟ وما هي التحديات التي يواجهها الأفراد المصابون بالهلوسة في التفاعل مع الواقع وتحقيق التوازن في حياتهم اليومية؟
قد تؤدي الهلوسة إلى عدم الثقة في الواقع وتشويش في الفهم والتفاعل مع الأحداث اليومية، على سبيل المثال، الشخص المصاب بالهلوسة قد يسمع أصواتاً غير حقيقية ويعتقد بوجود أشخاص يتحدثون معه دون وجود أي شخص حوله، وهذا يؤدي إلى شكوكه في صحة جميع الأحداث التي يشهدها.
قد يعاني المصاب بالهلوسة من صعوبة في التفاعل الاجتماعي والتواصل مع الآخرين نتيجة لتجاربه الوهمية التي لا يمكن للآخرين فهمها.
قد تجعل الهلوسة من الصعب على الشخص القيام بالمهام اليومية، سواء في العمل أم الدراسة.
قد تزيد الهلوسة من مستويات القلق والاكتئاب لدى الأشخاص المصابين بها؛ وذلك نتيجة لصعوبة التكيف مع التجارب الوهمية التي يمرون بها.
قد تؤدي الهلوسة إلى صعوبات في النوم، وهذا يؤثر في نوعية الراحة والاسترخاء اللازمين لصحة الجسم والعقل، كما يواجه الأفراد صعوبة في الحفاظ على نظام غذائي متوازن وصحي وصعوبات في إدارة الحياة اليومية عموماً.
شاهد بالفديو: كيف تتخلص من الأفكار السوداوية بشكل نهائي؟
قد يؤدي حدوث تغيرات في توازن المواد الكيميائية في الدماغ، مثل الدوبامين والسيروتونين دوراً في حدوث الهلوسة.
قد يثير تعاطي بعض المواد الكيميائية والمخدرات حالات هلوسة، وهذا يشمل الحشيش والليسيرجيك أسيد (LSD) والكوكايين والماريجوانا والهيروين والكحول.
هو فقدان الشخص للاتصال بالواقع وتجربته لانقسام في الهوية والتفكير، فقد يظهر الشخص المصاب بانفصام الشخصية على شكل أصوات داخلية تُحادِثه، وتعاني شخصيته من الانقسام والتفكك بين الواقع والعوالم الخيالية.
هو اضطراب عصبي مزمن يؤثر في الحركة، ويتميز بفقدان التوازن والارتجاف والصعوبات في الحركة، ويحدث نتيجة نقص في إفراز مادة الدوبامين في الدماغ، وهذا يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية التي تتحكم في الحركة والتنسيق العضلي، فقد يظهر المرض بالارتجاف في اليدين أو الرجلين، وصعوبة في الحركة والتنقل، وقد تظهر أيضاً مشكلات في الذاكرة والتفكير.
هي مجموعة من الحالات التي تسبب تدهوراً تدريجياً في القدرات العقلية والذهنية للشخص المصاب، ويشمل التدهور الذهني في الخرف الضعف في الذاكرة والتفكير والتركيز والقدرة على اتخاذ القرارات، وقد يتسبب أيضاً في تغيرات في الشخصية والسلوك، وتوجد أنواع مختلفة من أمراض الخرف، وأشهرها ألزهايمر والخرف الوعائي والخرف الجسمي الخلوي وغير ذلك.
هو حالة نفسية تتميز بتقلبات شديدة في المزاج؛ إذ يتنقل الشخص بين فترات من الهوس أو النشاط الزائد وفترات من الاكتئاب الشديد، وفي فترات الهوس، قد يكون الشخص مفعماً بالنشاط والطاقة الزائدة ويُظهِر سلوكات غير عادية، بينما في فترات الاكتئاب، يشعر بالحزن الشديد وفقدان الاهتمام والطاقة المنخفضة.
حالة نفسية تتميز بمشاعر عميقة من الحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأمور اليومية، وقد يؤثر تأثيراً كبيراً في الطاقة والنشاط اليومي للفرد.
هي حالات تشنجية تحدث نتيجة لاضطرابات في النشاط الكهربائي للدماغ، وتتميز هذه الحالات بنوبات من التشنجات العضلية والتغيرات في الوعي أو السلوك.
هي حالة نادرة وغير شائعة تحدث لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر جزئياً أو كلياً، وتتميز بظهور الرؤى أو الهلوسات البصرية في الأشخاص الذين يعانون من أمراض في العيون دون وجود أي اضطرابات عقلية أو نفسية أخرى.
هي نوع شائع من الصداع يتميز بألم شديد ومزعج في الرأس، فبعض الأشخاص المصابين بالشقيقة الشديدة قد يعانون من تجارب هلوسية في أثناء نوبات الصداع النصفي.
نتيجة لاضطرابات في درجة حرارة الجسم، فعندما تكون الحمى مرتفعة لدرجات مرتفعة، فإنَّ هذا التغير الشديد في درجة الحرارة قد يؤثر في الدماغ ويسبب تغيرات في الوعي والتفاعل الحسي، وهذا قد يسهم في ظهور الهلوسة.
لا سيما بالنسبة إلى كبار السن.
عندما يتعلق الأمر بعلاج الهلوسة، يعتمد الخيار العلاجي على مصدر ونوع الهلوسة وحالة الفرد المصاب؛ إذ تتنوع الطرائق المستخدَمة في العلاج، وتشمل استخدام الأدوية المناسبة والتدخلات النفسية المتخصصة التي تسعى إلى تحسين الحالة الصحية وتقليل الأعراض، وإليك بعض الطرائق المستخدَمة في العلاج:
يتضمن استخدام الأدوية مثل مضادات الذهان التي تساعد على تقليل الهلوسة لدى الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية مثل فصام العقل وبعض حالات الاكتئاب الشديد، والعلاج الدوائي لأمراض العين أيضاً وأمراض الشقيقة وحالات الصرع.
يشمل العلاج النفسي تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج الحديث الذي يساعد على التعامل مع الهلوسة وتقليل الأعراض.
قد يكون الدعم الاجتماعي من خلال الدعم من الأصدقاء والعائلة والمجتمع المحلي أحد الجوانب الهامة لمساعدة الشخص المصاب بالهلوسة.
شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك
من خلال تقنيات الاسترخاء وإدارة الضغط والتأمل واليوغا وتقنيات التنفس.
قد يؤدي تحسين جودة النوم والتغذية السليمة وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام دوراً في تقليل الأعراض.
يتم تشخيص مرض الهلوسة عادةً من خلال تقييم طبيب مختص في الصحة النفسية أو الطب النفسي؛ إذ يستفسر الطبيب عن الأعراض المختلفة ومدى تأثيرها في الحياة اليومية، ويسأل عن التغيرات النفسية والسلوكية الحديثة إضافة إلى إجراء بعض الاختبارات السلوكية والعاطفية.
تشخيص الهلوسة ليس أمراً يمكن تحديده ذاتياً بدقة، فإذا كنت تشعر بأعراض غريبة أو تعاني من تغيرات في الواقعية أو تجارب حسية غير عادية، فقد تكون هذه علامات تستدعي استشارة الطبيب أو اختصاصي الصحة النفسية، وإذا كنت تشعر بوجود هلوسات أو شكوك بشأنها، فمن الأفضل التحدث مع متخصص للحصول على تقييم دقيق وتوجيهات للعلاج.
يجب عليك اللجوء إلى الطبيب المختص لتحديد أسباب الهلوسة بدقة وإعطائك العلاج الملائم.
هي تجارب أو رؤى غير حقيقية تحدث عندما تكون في حالة انتقالية بين اليقظة والنوم، وقد تتضمن رؤية صور أو سماع أصوات لا وجود لها في الواقع، ويعزى هذا النوع غالباً إلى اضطرابات النوم أو الإجهاد.
قد يسبب السهر الطويل وعدم الحصول على كمية كافية من النوم حالات من اضطرابات النوم وتغيرات في الوعي، وقد يزيد من فرص حدوث بعض الظواهر المشابهة للهلوسة، مثل الأوهام البصرية أو السمعية قصيرة الأمد، ولكنَّ الهلوسة التي تحدث نتيجة السهر عادةً ما تكون مؤقتة وتختفي مع استعادة النوم الكافي.
تختلف مدة الهلوسة حسب السياق الصحي والأسباب الكامنة ونوع الهلوسة، فقد تستمر الهلوسة لفترة قصيرة جداً مثل دقائق، أو قد تطول لفترات أطول مثل ساعات، والهلوسة المستمرة أو المتكررة تستدعي اهتماماً طبياً فورياً لتقييم الحالة وتحديد العلاج المناسب.
إقرأ أيضاً: 12 نصيحة بسيطة للحفاظ على الصحة النفسية
من الضروري أن نفهم أنَّ الهلوسة ليست مجرد حالة عابرة؛ بل قد تؤثر تأثيراً كبيراً في حياة الأفراد وفي جودة حياتهم اليومية وفي علاقاتهم الاجتماعية والعملية؛ إذ تتطلب الهلوسة فهماً عميقاً وتشخيصاً دقيقاً لمصدرها ونوعها لتقديم العلاج الفعال.
من خلال البحث المستمر والتطورات في مجال الطب والصحة النفسية، يزداد فهمنا لأسباب الهلوسة وسبل علاجها يوماً بعد يوم، وبالعمل المشترك بين الفريق الطبي والمريض ودعم الأسرة والبيئة الاجتماعية، تتحسن العلاجات المقدَّمة ويحظى كل فرد منا بصحة أفضل.