في هذا العالم الذي يتطلب منا ليس فقط أن نكون ذكيين؛ بل أيضاً نقيي القلوب، يبرز دور الذكاء العاطفي بوصفه جسراً حيوياً يربط بين عقول أطفالنا وقلوبهم، ويوثق علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي، فالذكاء العاطفي مفتاح النجاح وتحقيق التوازن في الحياة وتنميته لدى الأطفال تُعَدُّ استثماراً ثميناً يحمل ثماراً طويلة الأمد.
في هذا المقال نرشدك إلى خطوات فعالة لتنمية مهارات الذكاء العاطفي لدى طفلك، ونكشف عن أسرار تحويل تفاعلاته العاطفية إلى أدوات تعليمية تُحدِث تأثيراً إيجابياً في حياته وعلاقاته المستقبلية.
الذكاء العاطفي هو القدرة على استكشاف عوالمنا الداخلية، والتعرف إلى مشاعرنا الخاصة، وفهمها بعمق، وتنظيمها والتحكم بها، وتوجيهها نحو هدف محدد، وتحقيق التأثير الإيجابي في حياتنا، كما يعني الذكاء العاطفي النظر إلى الآخرين بعيون الفهم والتعاطف، فهو القدرة على التفاعل مع مشاعرهم، وتقديم الدعم والتشجيع في لحظاتهم الصعبة.
بفضل هذه القدرات، يصبح التواصل العاطفي سلاحاً فعالاً لبناء جسور الثقة والتعاون، وترسيخ العلاقات الإيجابية التي تنمو وتزدهر لتحقيق النجاح والسعادة في كل جانب من جوانب حياة الفرد والآخرين.
هو القدرة على فهم الذات ومشاعرها وقدراتها ونقاط القوة والضعف؛ لذا يحتاج الأطفال إلى تعلُّم المفردات الدالة على المشاعر المختلفة.
القدرة على التحكم في ردود الفعل العاطفية وتوجيهها بشكل إيجابي، مثل القدرة على التحكم في الغضب والتعبير عنه بشكل ملائم وبنَّاء.
القدرة على تحفيز النفس والعمل نحو الأهداف بشغف وإصرار، فالأمل والتفاؤل من مكونات الدافعية الأساسية، وتعليمها للطفل من شأنه تخليصه من الاكتئاب والخوف، ويجعله أكثر نجاحاً في المدرسة.
القدرة على فهم مشاعر الآخرين ورؤية الأمور من منظوراتهم والتصرف وفقاً لذلك، فمهارات التواصل هي ما تعلِّم الطفل متى يستطيع فهم مشاعر الآخرين من إنسان يبكي أو من صديق يكتنفه الغضب.
القدرة على بناء وصيانة العلاقات الإيجابية وفهم كيفية التفاعل مع الآخرين، فعندما يتعلق الأمر بالأطفال، يكتسبون هذه المهارات من خلال تجاربهم ومحاولاتهم؛ إذ يختبرون أنواعاً مختلفة من التفاعلات الاجتماعية، ويكتشفون الاستراتيجيات التي تجلب لهم النجاح والفاعلية.
عندما يستخدم الطفل التعبير اللفظي والانفعالي بشكل يلائم السياق الاجتماعي، أو يؤدي دوره بمهارة وفاعلية، يصبح هذا دليلاً على استيعابه للأساليب التي تسهم في نجاحه الاجتماعي، ويمكن لهذه التجارب المستمرة أن تعزز تطوُّره وتعلُّمه في بناء علاقات إيجابية وفعالة مع من حوله.
شاهد بالفديو: أركان الذكاء العاطفي الستة (طرق رفع الذكاء العاطفي)
من الأساليب الفعالة لتنمية الذكاء العاطفي للأطفال هي المناقشة الفعالة في مشاعرهم وكيفية التعبير عنها، خاصةً العواطف الصعبة مثل الغضب؛ لذا يمكنك القيام بما يأتي لجعل هذه المناقشة ناجحة:
يجب عليك تقبُّل جميع مشاعر الطفل وعدم التقليل من أي منها، فقد يشعر الطفل بالراحة والثقة عندما يشعر بأنَّ مشاعره محترَمة ومقبولة، فعندما يشعر الطفل بالحزن أو الغضب أو الخوف، من الهام البحث عن فهم لما يشعر بذلك دون إلقاء اللوم أو تقليل من مشاعره، مثل "أعرف أنَّك غاضب الآن، هل تريد أن تحكي لي لماذا؟"، كما ينبغي تجنب تقديم تقييمات سلبية للطفل عن مشاعره، مثل "الحزن طبيعي، لنبحث معاً كيف يمكننا مساعدتك".
إقامة علاقات اجتماعية مع الأقران هي إحدى الطرائق الرئيسة لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال، فادعم الطفل في المشاركة في النشاطات الاجتماعية مثل اللعب والألعاب الجماعية؛ وذلك لتعزيز مهارات التعاون والتفاعل مع الآخرين، وكذلك حثه على الانضمام إلى نشاطات مدرسية أو مجتمعية مختلفة، مثل الأندية أو النشاطات الرياضية التي تعزز العلاقات مع أقرانه.
يعتمد هذا النوع من التدريب على مساعدة الطفل على فهم مشاعره الشخصية والتفاعل بشكل صحي معها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
أداء الأدوار هو أداة قوية لتعليم الأطفال عن المشاعر والسلوكات المصاحبة لها، فمن خلال تقديم سيناريوهات مختلفة، يمكن للأطفال تجربة مشاعر مختلفة وفهم كيفية التعامل معها، وإليك كيفية تطبيق هذا الأسلوب:
يُعَدُّ استخدام القصص لتنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال أداة فعالة، فيمكن اختيار القصص التي تحمل رسائل ودروساً عن المشاعر وكيفية التعامل معها بشكل صحيح، وعبر تجارب الشخصيات في القصص، يمكن للأطفال فهم وتعلُّم مهارات الذكاء العاطفي.
شاهد بالفديو: 7 نصائح ذهبية لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال
تساعد هذه المهارة الأطفال على فهم كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة بناءً على مجموعة متنوعة من العوامل والمعلومات المتاحة، والهدف هو تمكينهم من التفكير النقدي والتحليل السليم للخيارات المختلفة قبل اتخاذ القرار النهائي عبر هذا التدريب، ويمكن للطفل تطوير القدرة على التخطيط والتفكير المستقبلي والتعامل مع مشاعره المختلفة بشكل جيد.
تعلِّم هذه المهارة الأطفال كيفية تحمُّل مسؤولية أفعالهم وقراراتهم وانعكاس النتائج على مشاعرهم، فيتعلمون كيفية تحمُّل العواقب لأفعالهم، ويتعلمون كيفية التصرف بشكل مسؤول في مختلف المواقف، مثلاً عندما ينسى الطفل مهمة مدرسية أو واجباً منزلياً، يتم توجيهه لتحمُّل المسؤولية ومعرفة كيفية التعامل مع النتائج، ويشمل ذلك مساعدته على تحديد خطوات يجب اتخاذها لتصحيح الخطأ، مثل التحدث مع المعلم أو تقديم اعتذار صادق.
تدريب الأطفال على تفريغ المشاعر السلبية يعني تعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم السلبية بطريقة صحية وبنَّاءة، والهدف هو تمكينهم من التعامل مع المشاعر السلبية بطريقة تساعدهم على تخفيف الضغط العاطفي والحفاظ على صحة عقلية إيجابية، وبعض الطرائق التي يمكن استخدامها:
تقديم نماذج إيجابية وسلوكات صحيحة للأطفال؛ إذ يكون الكبار والأشخاص المحيطون بهم نماذج مثالية يُحتذى بها، ويتعلم الأطفال من خلال الملاحظة والتقليد للأشخاص الذين يُظهِرون سلوكات عاطفية واعية وصحية، فمثلاً إذا كنت والداً تُظهِر استجابة إيجابية للمشاعر وتتعامل بلطف واحترام مع الآخرين، فإنَّ طفلك سيتعلم منك كيفية التعامل مع الآخرين بشكل مماثل.
يتعلق الأمر بالاستفادة من الأحداث اليومية والمواقف المختلفة التي تحدث في حياتهم لتعليمهم كيفية التعامل مع المشاعر والتفاعل بشكل صحيح، فمثلاً استخدام اللحظات التي يشعر فيها الطفل بمشاعر مختلفة مثل السعادة، والحزن، والغضب، والخوف لتعليمه كيفية التعبير عن تلك المشاعر بطريقة صحية وملائمة.
تعتمد هذه الطريقة على تقديم التقدير والمدح للأطفال عند قيامهم بأفعال إيجابية أو تطوير مهارات جديدة؛ إذ يعزز هذا النوع من التفاعلات الإيجابية مشاعر الثقة بالنفس لدى الأطفال، ويعزز استمرارهم في تطوير مهاراتهم.
مثلاً عندما يقوم الطفل بمجهود إضافي في إنجاز مهمة دراسية أو يُظهِر سلوكاً إيجابياً مع أحد الأصدقاء، يمكن تقديم الإشادة والتشجيع، كأن تقول: "أحسنت العمل يا طفلي، لقد قمت بجهد رائع في حل المسألة"، أو "كنت صديقاً جيداً اليوم، أنا فخور بك".
التعاون مع المدرسة لتعزيز الممارسات التعليمية التي تدعم الذكاء العاطفي في الصفوف وخارجها، من خلال التواصل المنتظم مع المدرسة، فيمكن للوالدين أن يتابعا تطورات الطفل في الفصل الدراسي ويساعدا على حل أيَّة مشكلات قد تنشأ، فمثلاً إذا كان لدى الطفل مشكلة في فهم مادة معينة، يمكن للمعلمين والوالدين العمل معاً لتقديم الدعم اللازم لتحسين فهمه وأدائه.
تُعَدُّ تنمية الذكاء العاطفي عند الطفل رحلة جميلة تحمل في طياتها كثيراً من الحب والتوجيه، فعندما ندرك أهمية بناء هذا النوع من الذكاء، نكوِّن أساساً قوياً لتطوير شخصية الطفل وتأهيله لمواجهة التحديات العاطفية في حياته، وباستخدام الأدوات المناسبة مثل الإشادة، والتواصل الدائم، واستخدام المواقف اليومية بوصفها فرصاً للتعلم، نقودهم نحو فهم عميق لمشاعرهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وهكذا يمكننا بناء أجيال متوازنة عاطفياً وجاهزة لمواجهة تحديات الحياة بثقة وحكمة.