يعود أصل التسويق إلى العصور القديمة؛ فقد كان يعتمد على التفاوض المباشر بين البائع والمشتري، ومع تطور الحضارات الإنسانية، تطورت أساليب التسويق أيضاً، وبلغت ذروة هذا التطور في القرن التاسع عشر، فقد ظهرت في هذا القرن مصطلحات تسويقية جديدة، مثل "العلامة التجارية" و"الإعلان" و"التسعير"، وفي القرن العشرين ظهرت وسائل تسويقية جديدة، مثل التلفزيون والراديو والإنترنت، وأصبحت الشركات أكثر تركيزاً على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء.
اليوم، أصبح التسويق علماً وفناً قائماً على أسس علمية، وتعتمد الشركات والمؤسسات في تسويق منتجاتها وخدماتها على مجموعة من الأدوات والتقنيات والأساليب الحديثة، التي يندرج ضمنها مصطلح يدعى التسويق الاجتماعي، وسنتعرف إليه بشكل مفصل في هذا المقال، وكيف يمكن استخدامه في تحسين وتطوير العلامة التجارية.
التسويق الاجتماعي هو عملية استخدام تقنيات التسويق التجاري للتأثير في الرأي العام، بهدف حثِّ الأفراد على اكتساب سلوك جديد من شأنه أن يحسِّن نوعية حياتهم وصحتهم.
يختلف التسويق الاجتماعي عن التسويق التجاري في أنَّ هدفه الأساسي هو الصالح العام وليس الربح المادي، ويستخدم التسويق الاجتماعي مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات، مثل الإعلان والعلاقات العامة والحملات التوعوية، لتغيير السلوكات التي تؤثر في المجتمع تأثيراً سلبياً.
يُعَدُّ التسويق الاجتماعي أداة هامة لتحسين نوعية الحياة في المجتمعات، فهو يساعد على:
يتميز التسويق الاجتماعي بمجموعة من الخصائص التي تميِّزه عن التسويق التجاري، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:
يركز التسويق الاجتماعي على القضايا الاجتماعية، مثل الصحة العامة والتعليم والبيئة، ولا يهدف إلى الترويج لمنتجات أو خدمات؛ بل إلى تحقيق أهداف اجتماعية محددة، مثل زيادة الوعي بمخاطر التدخين أو تعزيز السلوكات الصحية.
يهدف التسويق الاجتماعي إلى تغيير سلوك الأفراد أو المجتمعات نحو تحقيق أهداف اجتماعية محددة، ولا يهدف إلى مجرد زيادة الوعي بقضايا اجتماعية معينة؛ بل إلى حث الأفراد على اتخاذ إجراءات إيجابية.
يستخدم التسويق الاجتماعي أدوات وتقنيات التسويق التجاري، مثل الإعلان والعلاقات العامة والتسويق الرقمي، ومع ذلك، فإنَّ التسويق الاجتماعي يستخدم هذه الأدوات والتقنيات لتحقيق أهداف اجتماعية محددة.
يتعاون التسويق الاجتماعي مع الجهات الفاعلة الأخرى، مثل الحكومات والشركات والأفراد، لتحقيق الأهداف الاجتماعية، ولا يعتمد التسويق الاجتماعي على جهود فردية أو منظمة واحدة؛ بل يعتمد على تعاون مختلف الجهات الفاعلة لتحقيق الأهداف الاجتماعية.
من خلال هذه الخصائص، يُعَدُّ التسويق الاجتماعي أداة فعالة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف اجتماعية إيجابية.
توجد بعض استراتيجيات التسويق الاجتماعي التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف اجتماعية محددة، وفيما يأتي أبرز هذه الاستراتيجيات:
تركز الحملات التوعوية على زيادة الوعي بقضايا اجتماعية معينة، وعادةً ما يتم استخدام هذه الاستراتيجية لزيادة الوعي بمخاطر السلوكات الاجتماعية السلبية، أو لتعزيز السلوكات الاجتماعية الإيجابية.
تركز حملات التغيير السلوكي على حث الأفراد على تغيير سلوكاتهم، وعادةً ما يتم استخدام هذه الاستراتيجية لتعزيز السلوكات الصحية أو الصديقة للبيئة أو الآمنة.
شاهد بالفديو: ما هي مراحل عملية التسويق؟
تركز مبادرات الشراكة على التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة لتعزيز قضية اجتماعية معينة، وعادةً ما يتم استخدام هذه الاستراتيجية لجمع الموارد وزيادة التأثير.
تُعَدُّ وسائل الإعلام الاجتماعية أداة قوية يمكن استخدامها للتسويق الاجتماعي، وعادةً ما يتم استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لإنشاء محتوى جذاب ومفيد يتناول القضايا الاجتماعية التي تهم الجمهور المستهدف.
يركز التسويق القائم على التأثير على بناء علاقات مع الأفراد الذين يمكنهم أن يؤثروا في الآخرين، وعادةً ما يتم استخدام هذه الاستراتيجية لتعزيز السلوكات الاجتماعية الإيجابية من خلال المؤثرين أو قادة الرأي.
يُركز التسويق القائم على السلوك على قياس السلوك الفعلي للأفراد، وعادةً ما يتم استخدام هذه الاستراتيجية لتحديد ما إذا كانت الحملات التسويقية الاجتماعية فعالة في تحقيق أهدافها.
يُعَدُّ التسويق الاجتماعي عملية منظَّمة تتكون من مراحل عدة تهدف إلى تغيير سلوك الأفراد أو المجتمعات نحو تحقيق أهداف اجتماعية محددة، وتتمثل هذه المراحل فيما يأتي:
في هذه المرحلة يتم تحديد المشكلة أو القضية الاجتماعية التي سيتم التركيز عليها في الحملة التسويقية الاجتماعية، ويجب أن تكون المشكلة أو القضية ذات أهمية اجتماعية كبيرة، وأن تكون قابلة للحل من خلال التسويق الاجتماعي.
في هذه المرحلة يتم تحديد الجمهور المستهدف بالحملة التسويقية الاجتماعية، ويجب أن يكون الجمهور المستهدف محدَّداً بدقة حتى يتم تصميم الحملة التسويقية بشكل فعال.
في هذه المرحلة يتم تحديد الرسالة التي سيتم إيصالها إلى الجمهور المستهدف، ويجب أن تكون الرسالة واضحة ومختصرة وسهلة الفهم، وأن تخاطب احتياجات ورغبات الجمهور المستهدف.
في هذه المرحلة يتم اختيار القنوات التي سيتم استخدامها للتواصل مع الجمهور المستهدف، ويجب أن تكون القنوات المختارة مناسبة للجمهور المستهدف والرسالة التي سيتم إيصالها.
في هذه المرحلة يتم تنفيذ الحملة التسويقية الاجتماعية وفقاً للخطة التي تم وضعها، ويجب أن يتم تنفيذ الحملة بدقة وفاعلية، حتى يتم تحقيق الأهداف المرجوة منها.
في هذه المرحلة يتم قياس النتائج التي تم تحقيقها من الحملة التسويقية الاجتماعية، ويجب أن يتم قياس النتائج بشكل دقيق حتى يتم تحديد مدى نجاح الحملة.
فيما يأتي بعض الخطوات لنجاح حملات التسويق الاجتماعي:
يجب أن يكون لدى كل حملة تسويق اجتماعي أهداف محددة وقابلة للقياس.
يجب أن تفهم الحملات التسويقية الاجتماعية جمهورها المستهدف جيداً حتى يتم تصميمها بشكل فعال.
يجب أن تستخدم الحملات التسويقية الاجتماعية قنوات تواصل فعالة للوصول إلى الجمهور المستهدف.
يجب أن تقيس الحملات التسويقية الاجتماعية نتائجها بدقة حتى يتم تحديد مدى نجاحها.
التسويق الاجتماعي أداة فعالة لتغيير السلوكات الاجتماعية، ومن خلال اتباع الخطوات المذكورة آنفاً، يمكن للشركات والمؤسسات إطلاق حملات تسويقية اجتماعية فعالة تساهم في تحقيق أهداف اجتماعية إيجابية.
شاهد بالفديو: 5 مهارات مهمة بالتسويق الرقمي
يُستخدَم التسويق الاجتماعي في مجموعة متنوعة من القضايا والمشكلات المجتمعية، مثل:
يُستخدَم التسويق الاجتماعي لتعزيز السلوكات الصحية، مثل التغذية السليمة وممارسة الرياضة والكشف المبكر عن الأمراض.
يُستخدَم التسويق الاجتماعي لزيادة الالتحاق بالمدارس وتحسين مخرجات التعليم.
يُستخدَم التسويق الاجتماعي لتعزيز السلوكات الصديقة للبيئة، مثل إعادة التدوير وترشيد استهلاك الطاقة.
يُستخدَم التسويق الاجتماعي لتعزيز السلوكات الآمنة، مثل ارتداء حزام الأمان والامتثال لقوانين المرور.
يُستخدَم التسويق الاجتماعي لتعزيز المساواة الاجتماعية، مثل القضاء على التمييز العنصري والجندري.
يمكن استخدام التسويق الاجتماعي في تحسين العلامة التجارية بطرائق عدة، منها:
يمكن للتسويق الاجتماعي أن يساعد على زيادة الوعي بالعلامة التجارية من خلال زيادة الوعي بقضايا اجتماعية معينة تدعم العلامة التجارية، على سبيل المثال، إذا كانت شركة تبيع ملابس صديقة للبيئة، فقد تطلق حملة تسويق اجتماعي لزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة.
يمكن للتسويق الاجتماعي أن يساعد على تحسين صورة العلامة التجارية من خلال إظهار العلامة التجارية على أنَّها شركة مسؤولة اجتماعياً، على سبيل المثال، إذا كانت شركة تدعم حملة لمساعدة الأطفال، فقد تنشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه الحملة.
يمكن للتسويق الاجتماعي أن يساعد على بناء علاقات مع العملاء من خلال إنشاء محتوى جذاب ومفيد يتناول القضايا التي تهم العملاء، على سبيل المثال، إذا كانت شركة تبيع منتجات صحية، فقد تنشر مقالات على مدونتها عن كيفية تناول الطعام الصحي.
إقرأ أيضاً: أشهر خرافتين حول التسويق عبر البريد الإلكتروني
فيما يأتي بعض الأمثلة عن التسويق الاجتماعي:
أطلقت شركة "جوجل" حملة "أنا أقرأ" لزيادة الوعي بأهمية القراءة، وقد تضمنت هذه الحملة إنشاء محتوى جذاب ومفيد عن القراءة، والتعاون مع المؤسسات التعليمية والثقافية لنشر الوعي بأهمية القراءة.
أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية حملة "كن صديقاً للبيئة" لتعزيز السلوكات الصديقة للبيئة، وقد تضمنت هذه الحملة حملات توعية في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومبادرات لتحسين البنية التحتية البيئية.
أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حملة "لا للتمييز" لتعزيز المساواة الاجتماعية، وقد تضمنت هذه الحملة حملات توعية عن مخاطر التمييز، ومبادرات لتعزيز القبول والتنوع.
تدعم شركة (Nike) عدداً من القضايا الاجتماعية، مثل المساواة بين الجنسين، والرياضة للجميع، وقد ساعدت هذه الحملة على تحسين صورة الشركة بوصفها شركة مسؤولة اجتماعياً.
أطلقت شركة (Dove) حملة (Real Beauty) لتعزيز القبول الذاتي، وقد ساعدت هذه الحملة على تحسين صورة الشركة بوصفها شركة تدعم الجمال الطبيعي.
تدعم شركة (Patagonia) الحفاظ على البيئة، وقد ساعدت هذه الحملة على تحسين صورة الشركة بوصفها شركة تهتم بالبيئة.
يُعَدُّ التسويق الاجتماعي أداة فعالة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف اجتماعية إيجابية، فمن خلال التركيز على القضايا الاجتماعية، وهدف التغيير السلوكي، واستخدام أدوات وتقنيات التسويق، والتعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى، يمكن للتسويق الاجتماعي المساهمة في بناء مجتمعات أكثر صحةً ورفاهيةً.