3 مصادر تشتيت فكرية تسلبنا سعادتنا دون وعي

3 مصادر تشتيت فكرية تسلبنا سعادتنا دون وعي
(اخر تعديل 2024-05-10 05:49:18 )
بواسطة

ما نحتاج إليه حتى ننجز عملنا بكفاءةٍ وبوقتٍ أقل هو التركيز؛ إذ تحتاج إلى التركيز باستمرار وبانتظام في حياتك، وإذا كنت تشعر بالسأم والاستياء بسبب عدم تحقيق قَدر جيد من التقدُّم في حياتك، فإنَّ أفضل ما يمكن أن تقوم به هو إعادة التفكير في الأشياء التي تستثمر بها وقتك، واستبدال النشاطات غير الهادفة بأخرى هادفة؛ أي الاستغناء عن مصادر التشتيت، واستبدالها بنشاطات يكون التركيز عليها مفيداً.

ستكون قادراً على التحكُّم المطلق في حياتك عندما تتعلم التركيز، فتوجه طاقتك في الاتجاه الصحيح وتستغل وقتك بما يهم فعلاً، لذا قيِّم الأشياء التي تمنحها وقتك، وتجنَّب إهدار وقتك على الأشياء التافهة الجذابة، وافهم أين يتجه تركيزك، وتخلَّص تدريجياً من مصادر التشتيت، وتذكَّر أنَّ الإرهاق نتيجة العمل على نشاطات مفيدة أفضل من الشعور بالراحة بسبب الانشغال بنشاطات تافهة.

3 مصادر تشتيت فكرية تسلبنا سعادتنا:

الحياة أقصر من أن نضيِّعها على توافه الأمور، لذا سنناقش في هذا المقال 3 من مصادر التشتيت الشائعة التي تسلب الكثيرين سعادتهم، وتُعدُّ مصادر التشتيت هذه شائعة جداً، وننشغل بها جميعنا تقريباً عن قصد أو دون قصد؛ إذ تكمن الخطورة في مصادر التشتت هذه في أنَّنا نعتقد بأنَّنا بحاجة إليها، وهي:

1. الركون إلى منطقة الراحة:

يبدو الأمر ممتعاً عندما تشعر بأنَّك تعيش يوماً خالياً من المسؤوليات والمتاعب، وقد يكون الأمر ممتعاً لبعض الوقت، ولكنَّ ما يحدث في المستقبل أنَّك لن تشعر بالامتنان لهذه الأيام السهلة الممتعة؛ لأنَّك لم تحقق خلالها أي شيء، لذا لا يجب حتى خلال هذه الأيام أن تشتت تركيزك لوقت طويل عن مهامك الأساسية.

الحقيقة أنَّ الأيام الجميلة هي التي تبذُل خلالها قُصارى جهدك لتحقيق تقدُّم في الحياة، لذا يجب أن تحاول تقديم أفضل ما لديك على الأقل لعدة أيام خلال الأسبوع، وكي تشعر بمتعة الإنجاز فعلاً، فيجب أن تكون خلال هذه الأيام أمام مهام صعبة، ومُتعِبة نوعاً ما، ويحتاج إنجازها إلى فترات زمنية طويلة نسبياً.

لا يرغب معظمنا بالتجارب غير المريحة على الإطلاق؛ لذلك نحاول تجنُّبها دون وعي وبأي طريقة على الرغم مما تقدِّمه لنا من فرص لتطوير الذات، فالمشكلة في هذا النمط من السلوك أنَّنا نفوِّت على أنفسنا عندما نتجَنَّب التجارب غير المريحة، الفرص الكامنة في هذه التجارب، ولا نغتنم نتيجةً لذلك سوى الفرص الواقعة في منطقة الراحة الخاصة بنا.

لأنَّ منطقة الراحة الخاصة بنا صغيرة نسبياً؛ فإنَّنا نفوِّت أهم التجارب وأكثرها فائدة، ونصبح حبيسي عادات مريحة ورتيبة تؤدي في النهاية إلى إنهاكنا نفسياً، ونواظب في هذه الحالة على نفس النمط من السلوك والعادات، ومن ثم نحصل على نفس النتائج دائماً، ولكن تكمن إمكاناتك الحقيقية في خارج منطقة الراحة الخاصة بك، لذا إليك بعض الأسئلة التي تساعدك على اكتشاف ما إذا كنت تفضِّل عيش الأيام الممتعة المريحة بدلاً من الإقدام على التجارب المُتعبة التي تطلق العنان لإمكاناتك الحقيقية.

الركون إلى منطقة الراحة

كيف تعرف ما إذا كان روتينك اليومي يمنعك من تقديم أفضل أداء لديك؟

  • كم مرةً خلال العام الماضي أضرَّ اختيارك للراحة النفسية بمصلحتك؟
  • كم مرة أضعت ممارسة التمرينات الرياضية متذرعاً بالتعب الجسدي على الرغم من أنَّك لم تكن تعاني فعلياً من التعب؟
  • كم عدد التمرينات الرياضية التي تجاوزتها في أثناء جلسة تدريب كاملة لأنَّك شعرت بالملل أو الرغبة في الانتهاء سريعاً على الرغم من امتلاكك للطاقة والقوة؟

غالباً ما ستكون إجابتك عن هذه الأسئلة الثلاثة "نعم، فعلتُ ذلك عدداً لا يُحصى من المرات"، وذلك خلال العام الفائت فحسب، لذا يمكن أن تنطبق هذه الإجابة على كثير من مجالات الحياة الأخرى.

ما يجب عليك القيام به:

  • تجنَّب عدم استثمار إمكاناتك القصوى.
  • غيِّر خياراتك، واسعَ للتكون في بيئات تجبرك على استخدام كل طاقتك.
  • اقضِ الوقت مع أشخاص مُلهِمين يشجعونك على استثمار إمكاناتك.
  • اقرأ الكتب، وطوِّر نفسك.
  • اعمل بجد، وعزز مهاراتك، ففي النهاية أنت تعيش الحياة التي تختارها.

2. السعي إلى المثالية بشكل مبالغ فيه:

حان الوقت لنفهم الأمر على الشكل الآتي: السعي إلى المثالية نوع من أنواع تشتيت التركيز، ومع ذلك يعتقد الكثيرون منا أنَّ عدم وصولنا إلى نتائج مثالية سيؤدي إلى إعاقتنا عن تحقيق النجاح، ولكن غالباً ما يكون نقيض ذلك هو الصحيح تماماً، فتقبُّل حقيقة أنَّنا غير معصومين عن الخطأ هو ما يُطلق العنان لطاقاتنا، وفي نهاية المطاف من الهام جداً أن تفهم الفرق بين السعي إلى تقديم أفضل النتائج، وبين الهوس بالمثالية إذا أردتَ أن تتخلص من مصادر التشتيت، وتحقق الحياة التي تحلم بها.

شاهد بالفيديو: ما هي سمات الشخصية المثالية؟

لا يقتصر تأثير السعي إلى المثالية على اختلاف درجاتها على المعاناة من مستويات إضافية من التوتر، والشعور بالتعاسة (ذلك بسبب الرغبة الشديدة بالحصول على نتائج مثالية) إلا أنَّه يمنعك من تحقيق أي شيء قيِّم على الإطلاق؛ لذلك فكِّر في تحقيق التقدُّم، وليس الحصول على نتائج مثالية، ولا يكافئك العالم على المثالية إذا كنت تتخيل ذلك؛ بل يكافئك على ما تُنجزه بإتقان، والطريقة الوحيدة لكي تُنجز أعمالك بإتقان هي أن تتقبَّل حقيقة أنَّك غير مثالي في معظم الحالات.

ينتهي الأمر في معظمنا في نهاية المطاف بتقبُّل الحياة كما هي على عيوبها، فنتخلى عن معاييرنا الصارمة، ونبدأ بالتنازل تدريجياً عن أفكارنا المثالية، ونتقبَّل تدريجياً أنَّه من غير الممكن الحصول على كل ما نرغب به، فيتطلب تحقيق أي شيء التنازل عن شيء آخر بطريقة أو بأخرى، ولا يمكن الحصول على نتائج مثالية بالمطلق في هذه الحياة، ولكنَّنا نتعلَّم أيضاً أنَّنا نستطيع تحقيق أقصى فائدة ممكنة من هذه النتائج غير المثالية، ونحصل في نفس الوقت على كثير من الأشياء التي نحلم بها إذا تعلَّمنا استثمار إمكاناتنا بكفاءة، ويصبح السؤال الهام هنا: متى يجب عليك المساومة على معاييرك الصارمة؟ ومتى يجب عليك التشبث بها مهما كلَّفك الأمر؟

لا تجد إجابة واحدة تناسب الجميع، ولكن قد يكون من المفيد عندما تواجه موقفاً في الحياة يفرض عليك الاختيار بين المساومة على معاييرك، وبين التشبث بها؛ أن تسأل نفسك السؤال الآتي:

هل أحتاج إلى هذا الشيء حقاً؟ أم أنَّني أرغب به فقط؟

من الضروري جداً أن تتعلم التمييز بين رغباتك واحتياجاتك في جميع جوانب الحياة، بمعنى أنَّه لا يجب تحت أي ظرف أن تتخلى عما تحتاج إليه لتحقيق هدفك، في حين لا بأس في بعض المرونة بالنسبة إلى الأشياء التي ترغب بها، ولكن يمكنك العيش دونها.

اختر "معاركك" بحكمة، ولا تسمح للسعي إلى المثالية بأن يفسد عليك متعة الحياة، وتذكَّر أنَّ ما تهتم به يتعزز وجوده في حياتك؛ لذلك ركِّز على ما يهمك فعلاً، وتخلَّ عن الأشياء غير الهامة، فلا تُضحِّ بحياتك من أجل العمل في وظيفة لا تحقق لك السعادة، ولا بصحتك النفسية لأسباب تافهة، ولا تتخلَّ عن الأهداف والأحلام التي ما تزال تثير لديك الشغف وتمنحك الشعور بالمغزى من الحياة.

ابذل قُصارى جهدك عندما يتعلق الأمر بأحلامك وأهدافك، ولكن كُن مرناً بعض الشيء فيما يتعلق بالأشياء الأخرى، وتمتَّع بالمرونة فيما يتعلق بالأشياء غير الضرورية، وذلك حتى تتمكن من تحقيق أحلامك.

3. الاهتمام بما يعتقده عنك الآخرون:

نحن نقلق بشأن ما يعتقده الآخرون عنا بدءاً من مظهرنا، أو مشاعرهم تجاهنا، ورد فعلهم على فشلنا المُحتمل، ونقلق من كل شيء لشعورنا بأنَّنا غير جيدين بما يكفي في نظر الآخرين؛ إذ تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي بما فرضته من ثقافات الإعجابات، والتفاعل على المنشورات إلى تفاقم المشكلة أكثر فأكثر، فيتعزز هوسنا بنيل إعجاب الآخرين، والسعي إلى المثالية.

توقف عن ذلك، فأنت لا تحتاج إلى استحسان الآخرين ورضاهم حتى تعيش حياةً سعيدة، وكل ذلك ما هو إلا أحد مصادر التشتيت؛ لأنَّك تجد نفسك تائهاً بين ما تراه مناسباً لك، وما يراه الآخرون مناسباً لك، أصغِ إلى حدسك؛ لأنَّك ستقابل دائماً ذلك النوع من الأشخاص الذي يعتقد أنَّه يعرف ما هو مناسب لك، وستقابل دائماً وفي كل مكان ذلك النوع من الأشخاص الذي يعتقد أنَّه أفضل منك، وهم أشخاص يعتقدون أنَّ معيار السعادة والنجاح هو واحد بالنسبة إلى الجميع.

يحاول هذا النوع من الأشخاص تقييمك بناءً على ما تملك بدلاً من تقييمك بناءً على هويتك المجردة، ولكنَّك تعرف ما هو الهام فعلاً، وبالطبع ليست المظاهر الجذابة والممتلكات باهظة الثمن من ضمن هذه الأشياء الهامة، فلا تسعَ للمال واقتناء المزيد فقط، فيوجد ما هو أكثر أهمية، مثل هواياتك والنشاطات التي تمنحك الشعور بالشغف، لذا ابحث عن الأشياء القيِّمة فعلاً؛ أي الأشياء التي لا يمكن شراؤها بالمال، ولا يمكن الحصول عليها من خلال الشهرة، وهي أشياء من قبيل قوة الشخصية، والوجدان السليم، واحترامك لذاتك على الأمد الطويل.

شاهد بالفيديو: حصّن عقلك من خلال التفكير الإيجابي

عليك أن تعترف أنَّك قضيتَ كثيراً من حياتك في التقليل من شأن نفسك لا شعورياً، وكنت تعتقد أنَّك غير كفؤ، وكنت تحاول أن تخفي شخصيتك الحقيقية، وأردتَ أن تنال إعجاب الآخرين، وتبدو شخصاً عقلانياً تماماً ومعصوماً عن الخطأ؛ لأنَّك شعرتَ بالضعف في مرحلة ما من حياتك، ولم ترغب بأن ينفر منك الآخرون، وأردتَ أن تلقى استحسانهم، وتترك لديهم انطباعاً جيداً.

لقد أردتَ أن يُنظر إليك على أنَّك كفؤ ومحبوب من قبَل الجميع حتى تشعر بأنَّك شخص مثالي، وما حدث أنَّك فقدتَ عفويتك لفترة طويلة جداً في محاولة لتزييف شخصيتك عن غير قصد بغرض إرضاء الجميع على الرغم مما كنت تشعر به من ألم، ولكنَّك الآن ترى الأمور بوضوح أكبر، وأصبحتَ تدرك أنَّ الأمر لا يستحق هذا الألم والعناء، ولا داعي للتقليل من شأن نفسك.

الأهم من ذلك إدراكك أنَّك ستكون دوماً عرضةً لنقد بعضهم مهما فعلتَ، وأصبحتَ تدرك الآن أنَّه ينبغي القيام بالأشياء لأسباب وجيهة، وتدرك أنَّه ينبغي القيام بما ترغب به لأنَّك تريد ذلك، وليس من أجل إرضاء الآخرين، وأصبحت تعرف أنَّ أولوياتك وقيَمك هي المعيار الصحيح لما يجب فعله؛ فلم يعد دافعك هو نيل استحسان الآخرين، وإنَّما إيمانك بما تستحق، وثقتك بنفسك، وبأفكارك، وقيمتك، وتميُّزك.

أنت شخص هام بلا شك، بأفكارك، ومشاعرك، واحتياجاتك، ولا تحتاج إلى رضى الآخرين؛ بل يجب أن تعيش كما يحلو لك، وتكون على طبيعتك دون أي تصنُّع، وذلك حتى لو لم تنل إعجاب الآخرين، وحتى لو كان ذلك يعني أن تكافح من أجل هدفك وحدك، ودون أن تحصل على دعم أي شخص.

تذكر أنَّ المعركة الحقيقية هي معركتك مع نفسك ومع أفكارك، وأنَّك أنت من يسيطر على هذه الأفكار؛ لذلك ابذل قصارى جهدك لتحويل كل خيبة أمل، وكل إحباط إلى مصدر للتحفيز بدلاً من تشتيت تركيزك، وكن على يقين بأنَّك تتحكم بالطريقة التي تستجيب بها لأحداث الحياة، وليس بأحداث الحياة بحد ذاتها.

ربما أُصبت بالإحباط بسبب الفشل أو الرفض أو التوتر، ولكنَّك لم تخسر المعركة بَعد، لذا لا تسمح لأحد بأن يقنعك بخلاف ذلك، ولا تكن ضحية أفكارك السلبية، وارفض التقليل من شأنك أياً يكن مصدر هذه الشكوك.

أحب نفسك، واهتم بمشاعرك، وعواطفك، واحتياجاتك، واجعل نشاطات الرعاية الذاتية جزءاً من روتينك اليومي، وفكِّر بنفسك بإيجابية، وعزز من احترامك لذاتك، وبذلك تشعر بالسعادة على الرغم من أي صعوبة قد تواجهها.

في الختام:

يعتقد معظمنا أنَّ مصادر التشتيت تقتصر على الهواتف الذكية، وبرامج التلفاز، وألعاب الفيديو، وغير ذلك، ولكن ما لا نعرفه هو أنَّنا نتأثر بمصادر تشتيت أكثر خبثاً، وهي أنماط التفكير، والسلوكات التي نتمثلها لا شعورياً.

قدَّمنا في هذا المقال 3 من أكثرها شيوعاً، وكل ما تحتاج إليه للتغلب عليها؛ هو الوعي بها، ومن ثم استبدالها بأنماط تفكير إيجابية.