الفارابي

الفارابي
(اخر تعديل 2023-06-08 00:35:43 )
بواسطة

ولد أبو نصر محمد بن محمد بن ترهان بن أوزلاغ الفارابي التركي في عام 870 ميلاديًّا في مدينة فراب، والتي تُعرف الآن باسم أوترار، وتقع مكان نهر أريس الذي يتدفق إلى نهر سير داريا الذي يقابله الآن منطقة أوتارارسكي في شرق كازخستان، وتبوأت مدينة فراب مكانة متميزة خلال القرنين التاسع والعاشر؛ فقد كانت مركزًا سياسيًّا وثقافيًّا وتجاريًّا كبيرًا، كما شكلت نقطة التقاء طرق قوافل طريق الحرير التي ربطت أوروبا بآسيا.


ويعدّ الفارابي واحدًا من أبرز الفلاسفة المسلمين، وكان يُنظر إليه على أنه أعظم سلطة فلسفية بعد أرسطو، ويُذكر أنه عاش شبابه في بغداد، ثم عرج على مصر، ثم انتقل إلى سوريا عام 943 م، واستقر في دمشق وتوفي فيها عام 950 م، ولكن اختلفت المصادر في تحديد مسقط رأسه بين تركمنستان وكازخستان؛ ويعود سبب الاختلاف إلى وجود أكثر من مكان يحمل اسم فراب في آسيا الوسطى، مثل خراسان، وكازخستان الحديثة، وتركمنستان، وأفغانستان المعروفة باسم خراسان الكبرى؛ إذ يعدّ المصطلح الفارسي باراب أو فاراب شائعًا لوصف الأراضي المروية عن طريق تحويل مياه النهر.


ولد أبو نصر الفارابي عام 870 م في مدينة فراب المعروفة الآن باسم أوترار، واختلف الباحثون في تحديد عرقه الأصلي، كما اختلفوا في تحديد مسقط رأسه، ويرجع هذا الاختلاف إلى وجود أكثر من مكان في آسيا الصغرى يُطلق عليه اسم فراب.


نهل الفارابي علمه ومعرفته في مدينة أوترار حتى سن العشرين من عمره، فقد شرع في قراءة الأعمال الفلسفية والعلمية في مكتبة أوترار التي كانت واحدة من أغنى المكتبات في العالم بعد مكتبة الإسكندرية الأسطورية من حيث عدد الكتب والنسخ والكتابة اليدوية، ثم درس وعمل في بخارى بسمرقند، قبل أن ينتقل بعدها إلى بغداد حاضنة الخلافة العربية والمركز الثقافي والسياسي لها، ويجدر الذكر أنّ التراث الفلسفي الأرسطي غذى فكر الفارابي الفلسفي أثناء إقامته في بغداد في القرن العاشر.


إنّ ما يُعرف عن حياة الفارابي يعدّ قليلًا بالنظر إلى الشهرة الواسعة التي حظي بها على مدار التاريخ، كما أنّ أصله العرقي موضع خِلاف بين المؤرخين، لكنه من المؤكد أنه انتقل من آسيا الوسطى إلى بغداد حيث قضى بها معظم حياته وكتب فيها جُلّ أعماله، بالإضافة إلى أنه لم يتقلد وظائف إدارية أو قضائية، وفي عام 942 م انتقل إلى بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وأقام فيها، ويُروى أنه درس في بيزنطة لاهتمامه باللغة والفكر اليوناني، وكرّس حياته المهنية إلى حد كبير في التدريس والكتابة ودراساته في بغداد التي غادرها بسبب الاضطرابات السياسية.


وجاء في سيرته الذاتية أنه درس الطب والمنطق وعلم الاجتماع ليحلل كتابات أرسطو، كما درس أيضًا في تطوان بالمغرب، ومن أساتذته ابن حيلان النسطوري الذي كان من رجال الدين في بغداد.


قضى الفارابي السنوات الثمانية الأخيرة من عمره مُتنقلًا بين القاهرة وحلب ودمشق حيث كان يحظى بالكثير من التقدير؛ وخاصة من سيف الدولة الحمداني الذي كان داعمًا له، وتوفي في ديسمبر من عام 950 م في دمشق، أو في يناير من عام 951 م.


أُطلق على الفارابي لقب المعلم الثاني بعد أرسطو، واكتسب ذلك اللقب كونه أحد مؤسسي الفلسفة المشائية في الشرق، وساعده في ذلك اطلاعه على كتب أرسطو وأفلاطون وغيرهم من الفلاسفة القدماء بلغتهم الأصلية، فقد كان مهتمًا بكلًا من الفلسفة والمنطق، كما أنه كان يُنظر إليه على أنه مؤسس الفلسفة في الإسلام على الرغم من وجود أسلافه البارزين مثل الرازي والكندي، فقد أصبح أول فيلسوف في عصره يحظى باحترام غير مشروط، مما جعل ابن سينا وابن ميمون وابن رشد يطلعون على مؤلفاته ويثنون عليه في كتبهم، ويجدر الذكر أنه ترك العديد من المقالات في كل من: الفلسفة، والطب، والرياضيات، والمنطق، والسياسة، والموسيقى، وبذلك استحق لقب المعلم الثاني من خلال إسهاماته الفلسفية والعلمية.


ترك الفارابي تراثًا علميًا ضخمًا للبشرية، متمثلًا في قرابة 200 رسالة في فروع متنوعة من المعرفة، فقد علق على العديد من مؤلفات أرسطو مثل: التأويلات، الموضوعات، التحليلات بجزأيها الأول والثاني، والتفنيد السفسطائي، والأورغانون، بالإضافة إلى أعمال أخرى لمفكرين وفلاسفة قدامى، ومن أشهر أعمال الفارابي: لآلئ الحكمة، وأفكار مواطني المدينة الفاضلة، والرسائل الفلسفية، والكتاب الكبير في الموسيقى، وتُرجمت أعماله إلى اللاتينية والعبرية في العصور الوسطى في أوروبا وتحديدًا في القرنين 12 و13 م.


ونُشرت ترجمة الجزء الأول من الكتاب الكبير في الموسيقى إلى الفرنسية من قِبل العالم الفرنسي إرلانجن في 1930-1932، الذي يعدّ أهم كتاب موسيقي من العصور الوسطى في الأراضي الإسلامية، والذي كان أيضًا يتضمن أقسامًا فلسفية متطورة، وبذلك تكون مؤلفات الفارابي قد لعبت دورًا هامًا في ربط الثقافات والفلسفات الشرقية والغربية معًا في عصر النهضة الأوروبية، ليستحق على إثر ذلك أن يُخلد اسمه في تاريخ العلوم والثقافة العالمية.


ويرى الفارابي أنّ الفيلسوف يجب أن يحكم الدولة بصفته أكمل نوع من البشر، وأنّ المرجع الأساسي للاضطرابات السياسية هو فصل الفيلسوف عن الحكومة، لذلك كان الجزء الأكبر من كتاباته موجهًا إلى مشكلة التنظيم الصحيح للدولة، بينما كان نظام الفارابي في باقي مؤلفاته في الفروع الأخرى قائمًا على:

  • المنطق: بالرغم من أنّ الفارابي كان يسير على خطى أرسطو المنطقية؛ إلا أنه أضاف بعض العناصر غير الأرسطية في أعماله، وناقش أشكال الاستدلال غير الأرسطية، وموضوعات الوحدات المستقبلية، والعلاقة بين المنطق وقواعده، كما ويُنسب إليه تصنيف المنطق إلى مجموعتين منفصلتين هما؛ الفكرة والإثبات.
  • الموسيقى: بالإضافة إلى الكتاب الكبير في الموسيقى الذي يعدّ من أبرز مؤلفاته؛ والذي عرض فيه المبادئ الفلسفية للموسيقى، وصفاتها، وتأثيراتها، فقد كتب رسالة تناولت العلاج بالموسيقى، وناقشت الآثار العلاجية للموسيقى على الروح.
  • الفيزياء: فكر الفارابي في طبيعة وجود الفراغ، وكتب أطروحة قصيرة بعنوان في الفراغ، بعد أن أجرى التجارب المتعلقة في ذلك، وكانت استنتاجه فيها أنّ حجم الهواء يمكن أن يتمدد لملء الفراغ المتاح.
  • الفلسفة: يعدّ الفارابي صاحب مدرسة فلسفية خاصة به في الفكر الإسلامي المبكر عُرفت باسم الفارابية، وهي تنفصل عن فلسفة أفلاطون وأرسطو في كونها تنتقل من الميتافيزقيا إلى المنهجية، وكانت أعماله تهدف إلى تأليف الفلسفة والتصوف، مما مهد الطريق لعمل ابن سينا، وتعدّ المدينة الفاضلة من أبرز أعماله في الفلسفة.
  • علم النفس: كتب الفارابي أطروحات في علم النفس الاجتماعي ومبادئ آراء مواطني المدينة الفاضلة، لتكون النواة الأولى للتعامل مع علم النفس الاجتماعي، وشرح أهمية مساعدة الآخرين للفرد في طريقه للكمال، فلا يمكن للإنسان الوصول إلى الكمال البشري دون مساعدة الآخرين له.


بدأ الفارابي رحلته العلمية في مدينة أوترار حيث استفاد من مكتبتها الضخمة التي جمع من خلالها جل معرفته الفلسفية والعلمية، وذلك من خلال اطلاعه على مؤلفات الفلسفة الرومانية لأرسطو وأفلاطون، وغيرهم من الفلاسفة القدماء، حتى كوّن مدرسته الفكرية الخاصة التي تُعرف باسم الفارابية، كما أُطلق عليه لقب المعلم الثاني بعد أرسطو نتيجةً لإسهاماته في المنطق، والفلسفة، وعلم النفس، والموسيقى، وقضى الفارابي معظم حياته في بغداد بعدما انتقل إليها في شبابه، ثم زار مصر وبعدها استقر في دمشق حتى مات عام 950 م.