الذكاء الاصطناعي ومكافحة الجريمة: تحديات وفرص

الذكاء الاصطناعي ومكافحة الجريمة: تحديات وفرص
(اخر تعديل 2023-09-20 06:36:16 )
بواسطة

مع تزايد الجرائم والتهديدات الأمنية، ظهر الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة فعالة في مكافحة الجريمة؛ هذه التقنية التي تركز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري؛ وبمعنى أدق قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتياً دون تدخُّل الإنسان، فقد وفَّرَت إمكانات متقدمة لتحليل البيانات والأنماط الجنائية، وهذا يساعد الجهات الأمنية المختصة على الكشف عن الجرائم وفهم الاتجاهات الجنائية بطريقة أكثر فاعلية.

أولاً: الذكاء الاصطناعي واستخدامه في مكافحة الجريمة

يُعرَّف الذكاء الاصطناعي بأنَّه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، فهذه الأنظمة تتمتع بالقدرة على التفكير والتعلم واتخاذ القرارات بشكل مشابه للذكاء البشري، فقد طُوِّرَت نماذج وخوارزميات تعتمد على تقنيات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية والتفكير الحاسوبي، وتعديلها بما يضمن تحسين أدائها مع مرور الوقت.

بالنسبة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الجريمة، فهو أداة فعالة ومبتكَرة تسهم في تعزيز الأمن وحماية المجتمعات، وتتمثل أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة فيما يأتي:

1. تحليل البيانات وكشف الأنماط الإجرامية:

عادةً ما تواجه الجهات الأمنية صعوبة وتحديات بالغة في معالجة الكميات الكبيرة من البيانات المتعلقة بالجرائم، وهنا يُستَخدَم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات - حتى الضخمة منها - بطريقة سريعة، مع تحديد الأنماط الإجرامية التي يصعب تحديدها يدوياً.

2. كشف التزييف ومعرفة الهوية:

من القدرات الهامة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي هي ميزة التعرف إلى الوجوه وكشف الهوية الحقيقية؛ إذ يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل الصور والفيديوهات والمستندات تحليلاً جيداً ودقيقاً، وتمييز الوجوه المختلفة، وتحديد المشتبه بهم، وتتبُّعهم، وتوقيفهم، وتوفير الأدلة القوية للتحقيقات الجنائية.

3. التنبؤ بالسلوك الإجرامي:

يتنبأ الذكاء الاصطناعي بالسلوك الإجرامي من خلال الاستفادة من البيانات التاريخية، وتحليل العوامل المشترَكة في الجرائم الماضية، واستنتاج السلوكات الإجرامية المحتمَلة؛ إذ تتنبأ هذه النظم الذكية بالمناطق والأوقات التي يحدث فيها ارتفاع في معدل الجرائم، الأمر الذي يمنح السلطات الأمنية الفرصة لاتخاذ التدابير والإجراءات الأمنية، والاستعداد جيداً لمواجهة تلك التحديات.

4. توفير الجهد والوقت:

يُعتَمَد على الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات التحقيق الجنائي بدلاً من الاعتماد على الطرائق اليدوية التي تتطلب جهداً ووقتاً طويلاً.

ثانياً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة وبرامجه

  • رادار قياس الأرض: يُستَخدَم في قضايا الإرهاب، والتفجيرات، والمخدرات، والبحث عن الجثث المدفونة؛ إذ يقيس التغيرات في طبقات الأرض لما يصل إلى 2.5 متر من سطح الأرض، ويكشف عن الأشياء المدفونة تحت الأرض، كما تستعين السلطات الأمنية وفِرق التحري والطب الشرعي وغيرهم من المختصين به دون الحاجة إلى الحفر والتنقيب، ويتميز هذا النظام بدقته وسرعته في الكشف عن الأدلة، ونقلها بسرعة إلى الأنظمة الحاسوبية، ودمجها في التقارير، إضافة إلى استخدامه في الأماكن التي يصعب حفرها أو التنقيب فيها.
  • الرادار المحمول لكشف ما وراء الجدران: يُستَخدَم في مجموعة كبيرة من الدول للكشف عن الحركة من خلال الجدران الصلبة بشكل سري؛ إذ يكشف هذا الجهاز التنفس البشري عن بعد 50 قدماً، وغالباً ما تُرَكَّب هذه الأجهزة على الطائرات دون طيار للكشف عن أماكن اختباء الأعداء في أماكن محددة.
  • نقار الخشب: جهاز تنصُّت لا سلكي، وصغير الحجم؛ إذ يعمل الجهاز مدة 24 ساعة متواصلة على نقل الصوت، وعلى مدى يصل إلى 50 متراً.
  • الروبوت الأخطبوط: صُمِّم ليكون بديلاً عن دوريات الشرطة؛ إذ يجمع بين دور مركبة الشرطة وضباط الشرطة في تصميم واحد، ويوجد اتجاه كبير في الشركات الكبرى لاعتماد هذه التقنية في حراسة المنشآت والحراسة الشخصية أيضاً، وكذلك في عمليات نقل الأموال.
  • الخنفساء السوداء: هي سيارة كهربائية ذاتية القيادة صممها "كارل أرتشامبولت"، وهدفها هو الحد من عدد رجال الشرطة في المطاردات؛ إذ تشارك هذه السيارة في المطاردات، وتنظيم حركة المرور للمساعدة على الحفاظ على سلامة رجال الأمن والشرطة.
  • أنظمة الكاميرات الذكية: توضع الكاميرات الذكية في الشوارع والأبنية؛ إذ تمثل هذه الكاميرات عاملاً من عوامل منع وقوع الجرائم، فبمجرد معرفة المجرم أنَّ المكان مغطى بكاميرات المراقبة يتراجع عن القيام بجريمته، وتُستَخدَم الكاميرات في مجالات مختلفة، منها:
  • تنظيم حركة المرور، وفك الاختناقات المرورية، ورصد المخالفات وإثباتها.
  • تأمين المنشآت الهامة، مثل الأبنية الحكومية، والمستشفيات، وأقسام الشرطة.
  • رصد أعمال الشغب في الأماكن الهامة، مثل الجامعات.
  • تأمين الحدود البرية والبحرية للدولة.
    • الكاميرات الحرارية للرؤية الليلية: تُستَخدَم في الأماكن المظلمة، ولها القدرة على تحديد الأشخاص والسيارات والحيوانات.
    • كاميرات فلير: يستخدمها رجال الإطفاء لتصوير الأحداث بدقة عالية؛ إذ تعمل بنظام التطوير الحراري، وتتميز بالصلابة والتصوير الديناميكي متعدد الأطراف، وتتميز هذه الكاميرا بوزنها الخفيف ومقاومتها للماء والحرارة.
    • جهاز (BRICKSTREAM 3D): من أجهزة الاستشعار التحليلية؛ إذ يحلل البيانات التي جُمِعَت في الوقت الحقيقي وتحليلات السلوك في وقت واحد.
    • برنامج (Palantir gotham): برنامج لتحليل البيانات والاستخبارات، يسمح للمحققين بتجميع وتحليل البيانات من مصادر مختلفة، واكتشاف العلاقات بينها.
    • برنامج (IBM i2 analysts notebook): يساعد المحققين على تحليل البيانات المترابطة، وإنشاء رسوم بيانية، والوصول إلى معلومات أكثر فائدة.
    • برنامج (predpol): برنامج للتحليل الاحتمالي وتقنيات التعلم الآلي للتنبؤ بمواقع وتوقيت وأنواع الجرائم المحتمَلة في مناطق معينة؛ إذ يسهم في توجيه الموارد الأمنية، وإطلاق النار، وتحديد موقع الإطلاق عبر شبكة من الاستشعار الصوتي، وتزويد الشرطة بمعلومات دقيقة عن الموضوع.
    • برنامج (Geo time): يُستَخدَم لتحليل البيانات الزمانية والمكانية المرتبطة بالجرائم.
    • برنامج (Cellerite UFED): برنامج لاسترجاع البيانات الرقمية؛ إذ يُستَخدَم لاسترجاع البيانات من الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى لجمع الأدلة والحقائق.

    ثالثاً: التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة

    على الرغم من جميع الفوائد المتحققة والمتوقَّعة في المستقبل من استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة، إلا أنَّ استخدامه يواجه مجموعة من التحديات تتمثل فيما يأتي:

    • تهديدات اقتصادية: زيادة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ستؤثر في نوعية وحجم فرص العمل المتاحة للعمل؛ إذ ستُستَبدَل الكثير من الوظائف التي كان يقوم بها الإنسان بروبوتات الذكاء الاصطناعي.
    • جودة البيانات وموثوقيتها: يعتمد أداء تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي والنظم الذكية على جودة البيانات المستخدَمة في التحليل، فقد يصعب الحصول على بيانات موثوقة وكافية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
    • التحيز: تكون نماذج الذكاء الاصطناعي متحيزة إذا ما دُرِّبَت باستخدام نماذج ذات تحيز، أو تطبيقها في بيئة تحتوي على تحيزات.
    • الخصوصية: يجب على تطبيقات الذكاء الاصطناعي وضع إجراءات قوية لحماية بيانات ومعلومات الأشخاص المستخدَمة في التحقيق.
    • الشفافية: قد يصعب فهم الكيفية التي اتُّخِذَت فيها النماذج الذكية للقرارات وتوصُّلها إلى استنتاجات، فضمان الشفافية هو أمر حاسم لقبول قراراتها.

    رابعاً: الفرص المستقبلية المثيرة للاهتمام أمام استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الجريمة والتنبؤ بها

    يُعَدُّ مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الجريمة واعداً ومثيراً للاهتمام؛ إذ توجد فرصة لتطوير تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها في مجالات مختلفة تسهم في مكافحة الجريمة وحماية المجتمع، ومنها:

  • تحسين الكشف عن الجرائم: يحسِّن الذكاء الاصطناعي قدرة الأنظمة على الكشف عن الجرائم من خلال تحليل البيانات بدقة، ومن ثم رصد الجرائم بشكل أكثر فاعلية.
  • المساعدة على توجيه الموارد الأمنية: يسهم الذكاء الاصطناعي إسهاماً فعالاً في توجيه الموارد الأمنية من خلال تحديد المناطق التي يُحتَمَل أن تَحدُث بها جرائم.
  • تحليل البيانات الضخمة: يُستَخدَم الذكاء الاصطناعي في استخلاص المعرفة الهامة من كمية ضخمة من البيانات، ومن ثم تحقيق فهم أفضل للجرائم وكيفية حدوثها.
  • تحقيق الاستجابة السريعة: باستخدام الذكاء الاصطناعي فإنَّ الفرصة كبيرة جداً للحصول على استجابة سريعة من خلال تحليل البيانات، وتحديد الحوادث الطارئة، وتوجيه الاستجابة الأمنية بشكل سريع.
  • خامساً: هل يُتَنَبَّأ بالجرائم باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

    نعم، في الحقيقة يُتَنَبَّأ بالجرائم قبل حدوثها بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد تنبأت مجموعة من الدراسات - بهدف معرفة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنياته - بالجريمة، ومن هذه الدراسات:

  • دراسة بعنوان (توقعات الجريمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي): قام بها فريق من جامعة "شيكاغو"؛ إذ طوَّر نموذجاً للتنبؤ بالاعتماد على بيانات الجرائم السابقة، والطقس، والوقت، والموقع؛ وذلك لتوقُّع أماكن ووقت حدوث الجرائم المستقبلية.
  • دراسة بعنوان (تحليل الشبكات الاجتماعية للكشف عن النشاطات الإجرامية): قام بها فريق من جامعة "ستانفورد"؛ إذ طوَّر نموذجاً لتحليل الشبكات الاجتماعية، وتوقُّع الجرائم المحتمَلة من خلالها.
  • في الختام:

    يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي أداة قوية تُستَخدَم في تحليل البيانات وتقديم توجهات دقيقة حول الجريمة؛ إذ تُوفِّر القدرة على تحليل وفهم كميات ضخمة وهائلة من البيانات، واستخلاص الأنماط والتقارير المفيدة، وهذا يسهم في تحسين جودة الأدلة، وتسريع عملية التحقيق، وتوجيه الجهود الأمنية بشكل صحيح وفعال، ومن المتوقَّع في المستقبل أن يزداد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة؛ إذ يُتَوقع أن تستمر التطورات التكنولوجية في تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.