آثارٌ وحضاراتٌ عريقةٌ دامت آلاف السنين تاركةً خلف جدرانها ألف حكايةٍ وحكاية، لنغوص في أعماقها ونكتشف أسرارها؛ إذ تُعدُّ الأهرامات المصرية العظيمة من عجائب الدنيا السبعة، والتي تُعدُّ من أهم رموز الحضارة المصرية، التي سيركز مقالنا عليها وعلى عمرها وأشهرها والعصر الذي انحدرت منه وعددها وأسمائها وسبب بنائها في ذلك الزمان.
يقال إنَّ الأهرامات بنيت في عهد الأسرة الرابعة، ويعود ذلك إلى عامي 2500/ 2600 ما قبل الميلاد، فقد بناها المصريون القدماء منذ آلاف السنين، ويُظن أنَّ السبب وراء بناء هذه الأهرامات هو دفن ملوك الفراعنة وملكاتها فيها؛ إذ يوجد اختلاف بين طقوس دفن عامة الشعب ودفن الفرعون؛ وذلك بسبب ظنهم بوجود حياة ثانية بعد الموت، فبُنيت هذه الأهرامات للملوك والملكات فقط، وهذه الأهرامات ما تزال صامدةً قويةً إلى يومنا هذا، فقد اعتمدوا في بنائها على الحجارة الضخمة؛ إذ نقلوا هذه الحجارة عن طريق نهر النيل إلى المكان الذي بُنيت عليه من أسوان، فقد وصل نهر النيل سابقاً إلى هذه المنطقة.
اعتمد المصريون على حجر الجير في البناء كما استُخدم حجر البازلت للأرضيات والغرانيت للجدران، ويقال إنَّهم استغرقوا في بناء الهرم الواحد عشرات السنوات؛ إذ كان الاعتماد في بنائها على القوى البشرية فقط، مع استخدام بعض الأدوات لتقطيع هذه الحجارة الضخمة مثل المِعول والإزميل النحاسي والمطارق المصنوعة من الغرانيت؛ وذلك ليسهل نقلها إلى موقع البناء، ونقلوها عن طريق سحبها بوساطة الدعامات.
لقد عُرِف ذلك بسبب العثور على منحوتات تُظهر قيام رجالٍ بسحب الأحجار على دعامات، وقد ابتكروا طريقة في ذلك الزمن وهي بناء مجموعةٍ من السلالم المصنوعة من الطوب لكي يرفعوا هذه الحجارة الضخمة إلى مكانها المخصص، ثم غطوها بالشمع كي يتصلب لتسهل بذلك عليهم عملية رفع هذه الحجارة إلى مكانها المخصص، وهكذا على التوالي حتى الوصول إلى الأعلى.
في بداية الأمر بُنيت هذه الأهرامات بناء متدرجاً، وقد سُمي كل هرم باسم الملك الذي أمر ببنائه، ودُفِن فيه، وقد بدأ بحفرة تحولت فيما بعد إلى حجرة ثم إلى مصطبة إلى أن أخذت شكلها الهرمي الحالي.
يصل عدد الأهرامات في مصر من 90 إلى 100 هرم، لقد كان الدفن منذ القديم في مقابر، وقد دُفِنَ الملوك في مكان واحد في مدينة "أبيدوس" في قبور جدرانها من طوب تعلوها مصطبة، إلى أن جاء الملك "زوسر" وأمر "أمنحوتب" مهندسه ببناء هرم له فكان مدرجاً لم يأخذ الشكل الحالي للهرم، ويقع في "سقارة"، ثم جاءت من بعده فكرة لإنشاء هرمين للملك "سنفرو".
كانت المحاولة لبناء الهرم بشكله الكامل إلا أنَّ المحاولة لم تنجح، فقد كان أحدهما مفلطح القاعدة والثاني أصغر من الأول، ويقع في بلدة تسمى "دهشور"، ثم جاء مهندس الملك "خوفو" ويُدعى "هميونو" واستطاع أن ينجز الهرم بشكله المثالي "الهرم الأكبر خوفو"، ثم بعده هرم "خفرع" وهو ابن "خوفو" ليأتي بعده هرم "منقرع" وهو حفيد "خوفو"، وتقع جميعها في صحراء "الجيزة"، وفي فترة المملكة الحديثة نُقل موقع الدفن إلى "وادي الملوك" في "الأقصر".
إنَّ أغلب هذه الأهرامات بُنيت في غرب الصحراء؛ إذ تغرب الشمس من خلفها، ويعود ذلك إلى ظن المصريين القدماء بأنَّ روح ملكهم الميت تصعد كل يومٍ إلى السماء صباحاً، ثم تعود إلى جسد الملك مع غروب الشمس، كما أنَّ هذه الأهرامات بُنيت بطريقةٍ تجعل الشخص الذي يدخل إليها يتوه بسبب كثرة الممرات والحجرات، لكي لا يتمكن أحد من الوصول إلى حجرة الملك، وإلى الحجرات التي تحوي المجوهرات خوفاً عليها من السرقة، ومن الممكن للسارق أن يموت بسبب عدم قدرته على الخروج منه، وقد تألف كل هرم من حجرة يُدفن فيها الملك وتسمى "حجرة الدفن"، ثم تأتي بعد ذلك حجرات مخصصة لدفن أسرة الملك.
توجد حجرات لدفن الحاشية والخدم أيضاً، ثم تأتي ممرات كثيرة تصل إلى حجرات سرية تُدفن فيها المجوهرات وكل ما كان ثمنه باهظاً؛ إذ إنَّهم دفنوا ممتلكات الملك الثمينة معه وملابسه وطعامه وشرابه؛ لظنِّهم أنَّه سيستخدمها في حياته الآخرة، كما بُنيت معابد عديدة حول الهرم وبُنيت أيضاً بضعة أهرامات صغيرة الحجم، وقد نقش فنانون متخصصون في الرسم على جدران هذه الأهرامات من الداخل؛ إذ نقشوا بعض النصوص والتعاويذ لتحرس المومياء المدفونة في الهرم، وغالباً ما نُقشت النصوص بالهيروغليفية.
تُعدُّ الأهرامات المصرية من أعجب المعجزات الهندسية والتاريخية في العالم؛ إذ تشتهر بتصميمها الهرمي الثلاثي الشكل، والذي استغرق بناؤه قروناً من الزمن، ومع مرور آلاف السنين، فإنَّ الأهرامات ما تزال تثير فضول الباحثين والمستكشفين، وتحمل أسراراً عديدة لم يستطع العلماء حتى الآن الكشف عنها بالكامل:
ما تزال الأهرامات إلى يومنا هذا من أهم العجائب ومن أهم الصروح التي يُحاوَل اكتشافها، وما تزال الدراسات وعمليات البحث قائمة لاكتشاف السر وراء كيفية بنائها والدخول في ممراتها ومتاهاتها للوصول إلى كنوزها وإلى كل ما خفي فيها.
إنَّ هذه الأهرامات قد بُنيت بحجم كبير؛ وذلك من أجل حماية محتوياتها من السرقة، وما يدعو للتعجب هو بناء هذه الأهرامات الثلاثة بناء مستقيماً مع نجم القطب، وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على براعة المصريين القدماء في علم الفلك، كما أنَّ الشمس تدخل إلى حجرة الدفن عمودياً؛ وذلك من خلال رأس الهرم لتسقط على رأس المومياء المدفونة داخله، ومع كل التطور الذي يشهده عصرنا هذا؛ فإنَّنا لا نستطيع أن نبني هرماً مشابهاً لما بناه القدماء.