كيف تستخدم قانون باركنسون لزيادة إنتاجيتك؟
هذا القانون الذي صاغه مؤرِّخ بريطاني في الخمسينيات من القرن الماضي ينصُّ على أنَّ العمل يمتد طوال الفترة المتاحة لإكماله، ولقد أثبتت الدراسات العلمية هذه النظرية، وهذا يعني أنَّك إذا ارتكبت الخطأ المكلف بتخصيص كثير من الوقت لمشاريعك فلن تنجز أي شيء منها أبداً، لكنَّ الجزء الجيد هو أنَّك مع بعض التخطيط الدقيق يمكنك قلب هذا القانون رأساً على عقب والاستفادة فعلياً من مبدئه للأبد، وفي هذا المقال سنشرح القانون شرحاً مُفصَّلاً، ونبيِّن سلبياته، وستتعلَّم كيفية استخدامه لزيادة إنتاجيتك وسعادتك، ممَّا يساعدك على إنجاز المزيد وتحقيق أهدافك بسرعة.
فهم قانون باركنسون:
قبل أن تتمكَّن من البدء في استخدام قانون باركنسون بطريقة إيجابية عليك أن تفهم تماماً ماهية هذا القانون.
ما هو قانون باركنسون؟
ينصُّ قانون باركنسون على أنَّ العمل يمتد طوال الفترة المتاحة لإكماله، ويعني هذا أنَّك بصرف النظر عن مقدار الوقت الذي تخصِّصه لعملك، فإنَّك سوف تستهلكه بالكامل لإنجاز ذلك العمل.
على سبيل المثال، إذا منحت نفسك عاماً لكتابة رواية فهذه على الأرجح المدة التي ستستغرقها لكتابة الرواية كاملة، ومع ذلك فإذا منحت نفسك شهرين فقط، من المحتمل أنَّك ستنجز هذا الكتاب بصورة أسرع.
لا تصح هذه القاعدة دائماً، فأنت بالتأكيد لا تريد أن تمنح نفسك أسبوعين لكتابة رواية كاملة من 70000 كلمة وتتوقع أن تنجزها، ما تحتاج إليه هو وضع جداول زمنية واقعية لأهدافك باستخدام طريقة الأهداف الذكية (SMART Goals)، فبدلاً من ذلك يجب استخدام قانون باركنسون لمساعدتك على تحسين إنتاجيتك من خلال التفكير في أهداف واقعية، ولكنَّها تشكِّل تحدياً بالنسبة إليك؛ إذ تكمن الفكرة في تحديد مهلة زمنية، بدلاً من مجرد ترك جميع أهدافك وخططك ومهامك بلا وقت محدد، ويمكن أن يكون قانون باركنسون أداة مفيدة لإدارة الوقت للمساعدة على إكمال المهام في قائمة المهام الخاصة بك وتحسين التزامك بالمواعيد النهائية الخاصة بك.
تاريخ قانون باركنسون:
لتفهم قانون باركنسون فهماً أفضل سنستعرض كيفية ظهوره:
عُرِّف قانون باركنسون لأول مرة بواسطة مؤرِّخ بريطاني يُدعى "سيريل نورثكوت باركنسون" (Cyril Northcote Parkinson)، قضى "باركنسون" (Parkinson) وقتاً في الخدمة المدنية البريطانية وفي عام 1955 كتب مقالاً في صحيفة "ذا إيكونوميست" (The Economist) عما تعلمه، جاء في الافتتاحية للمقال المضحك: "إنَّها ملاحظة شائعة أنَّ العمل يمتد بحيث يملأ الوقت المتاح لإكماله"، وقد اعتمد "باركنسون" (Parkinson) على تجربته الشخصية بصفته مؤرِّخاً بريطانياً في كتاباته.
لقد لاحظ في الخدمة المدنية البريطانية أنَّه في حين أنَّ عدد السفن والموظفين كان يتناقص فإنَّ عدد البيروقراطيين كان يتزايد بنسبة 6% سنوياً، وذَكَر أنَّ الشركات التي توظِّف كل قوتها العاملة توظيفاً بيروقراطياً وليس لديها قوى عاملة منتجة لن تنجو.
شاهد بالفيديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية
كيف يعمل هذا القانون؟
الآن بعد أن أصبح لديك فهم أفضل لقانون باركنسون وكيف تشكَّل يمكننا التعمُّق في كيفية عمله.
شارك "باركنسون" (Parkinson) مثالاً لما قد يبدو عليه قانون باركنسون في الممارسة العملية؛ إذ كتب عن سيدة مُسنَّة قرَّرت أنَّها تريد كتابة بطاقة بريدية لإرسالها بالبريد إلى ابنة أختها، بالنسبة إلى معظمنا من المحتمل أن تستغرق هذه المهمة 15 دقيقة، لكن لأنَّ هذه المرأة المتقاعدة لم يكن لديها شيء آخر تفعله فقد أعطت نفسها طوال اليوم لكتابتها وقد استغرقت بالفعل طوال اليوم.
لقد أثبتت الدراسات أنَّ قانون باركنسون صحيح، ففي دراسة أُجريَت عام 1996 مُنِحَ المشاركين "عن طريق الخطأ" إما 5 أو 15 دقيقة لإكمال مهمة يمكن القيام بها بسهولة في خمس دقائق، والأشخاص الذين أُعطوا وقتاً أطول أمضوا بالفعل قدراً أكبر بكثير من الوقت في العمل على المهمة.
في دراسة أخرى في عام 1999 توصَّل الباحثون إلى نتائج مماثلة؛ إذ تم إعطاء المشاركين أربع مجموعات من الصور لفحصها، وتم إخبار بعض الأشخاص بأنَّ المجموعة الرابعة من الصور قد أُلغيت قبل أن يبدؤوا في فحص المجموعة الثالثة، وقد قضى هؤلاء الأشخاص وقتاً أطول مع المجموعة الثالثة من الصور.
قانون باركنسون هو أكثر من مجرد نظرية، فالأدلَّة العلمية تدعمه وإذا كنت تجد صعوبةً في إكمال مهامك في وقت أقل فربما تكون قد وقعت ضحية الآثار السلبية لقانون باركنسون.
الآثار السلبية لقانون باركنسون:
قد يكون لقانون باركنسون تأثير إيجابي في كل من الإنتاجية الشخصية وإنتاجية المجموعة إلا أنَّ ثمَّة بعض الجوانب السلبية لقانون باركنسون يجب أن تكون على دراية بها، فإذا كنت تعلم أنَّ لديك وقتاً أطول لإكمال مهمة معينة فمن المرجَّح أن تؤجِّل هذه المهمة؛ إذ ستماطل بها أو تتركها جانباً أو تتشتت في أثناء إنجازها لملء الوقت بدلاً من الاندفاع لإنجاز العمل، ولن تشعر بالحافز للقيام بهذا العمل.
عندما يكون لديك وقت إضافي لإنهاء عمل ما، فقد تميل أيضاً إلى جعل هذا العمل أكثر تعقيداً من خلال إضافة مزيد من التفاصيل والمهام الجزئية له غير الضرورية، عندما تمتد مهمة ما فإنَّها تصبح أكثر تعقيداً ويمكن أن تتطلَّب وقتاً أكبر ممَّا كان يُعتقد في الأصل أنَّها ستستهلكه، وهذا يؤدي إلى تخبُّط الأشخاص مع اقتراب الموعد النهائي.
يمكن أن يؤدي قانون باركنسون أيضاً إلى زيادة التكاليف، فكلما طالت المدة التي تستغرقها أنت أو فريقك لإنجاز شيء ما ستدفع مقابل ذلك مزيداً من الوقت وأجور القوى العاملة وتكاليف أي مواد أو موارد مستخدمة، وفي حين أنَّ مزيداً من التسويف وصرف مزيد من الوقت والمال قد يكون ضاراً جداً بمشاريعك، فإنَّك تستطيع تجنب ذلك من خلال استثمار قانون باركنسون استثماراً إيجابياً، وهذا ما سنقرأ عنه في الجزء الثاني من المقال.
في الختام:
قانون باركنسون سيف ذو حدين؛ إذ يمكن أن يؤثر سلباً في إنتاجيتك ووقتك، لكن إذا عرفت كيف تستثمره استثماراً إيجابياً، فسيعود عليك بكثير من الفوائد وسيزيد حتى من إنتاجيتك.
ركزنا في هذا الجزء الأول من المقال على الناحية السلبية لهذا القانون، وشرحنا مفهومه وتاريخه وآلية عمله وسلبياته، وسنتناول في الجزء الثاني الناحية الإيجابية وكيفية استثمار هذا القانون لرفع الإنتاجية.
