لكن هل تساءلت يوماً عن كيفية تشكيل الوعي البيئي لدى الأجيال الصاعدة؟ وهل يمكن للمدرسة أن تكون ورشة بناء للوعي البيئي؟ وكيف يمكن للمعلم أن يؤدي دور الوسيط بين الطلاب والبيئة المحيطة بهم؟ هل يمكن أن تكون المدرسة المحفز لتبنِّي عادات حياة تحمي الطبيعة وتحافظ على التوازن البيئي؟ تلك هي بعض الأسئلة التي تحمل معها أهمية الموضوع الذي سوف نناقشه في هذا المقال.
مفهوم التربية البيئية من المفهومات التي تبلورت بوضوح بعد مؤتمر ستوكهولم في السويد عام 1972، الذي عُقِدَ بإشراف منظمة اليونسكو، وكان من بين توصياته وضع برامج البيئة ضمن مراحل التعليم المختلفة، ويشير مفهوم التربية البيئية عموماً إلى عملية تعليمية تهدف إلى توجيه الطلاب نحو فهم أعمق للعلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وإكسابهم اتجاهات وقيم خاصة بالبيئة، وتشجيعهم على اتخاذ قرارات واعية ومسؤولة تجاه البيئة.
في تعريف اليونسكو 1987 فإنَّ التربية البيئية هي: "منهج لإكساب القيم وتوضيح المفهومات التي تهدف إلى تنمية المهارات اللازمة لفهم العلاقات التي تربط الإنسان بثقافته وبيئته الطبيعية الحيوية وتقديرها، وتُعنَى بالتمرس في عملية اتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المرتبطة بنوعية البيئة".
توالت المؤتمرات الداعمة لأفكار التربية البيئية بعد مؤتمر ستوكهولم، فأوصى مؤتمر تبليسي 1977 بضرورة التصدي للمشكلات البيئية من خلال التوجيه التربوي التعليمي، وأسهم مؤتمر موسكو 1987 في وضع استراتيجية عالمية للتربية البيئية، كما أكد مؤتمر ريو دي جانيرو 1992 على تعزيز برامج التدريب البيئي، وتجدر الإشارة إلى أنَّ التربية البيئية في المدارس ليست علماً مستقلاً بنفسه أو مادة دراسية تُدرَّس وحدها؛ بل هي مجموعة من المعارف البيئية التي تمثل عنصراً من عناصر أي مادة تعليمية يدرسها التلميذ مثل العلوم والجغرافيا.
تهدف التربية البيئية العامة إلى تنمية القيم الأخلاقية لدى الطالب تجاه البيئة، وتوعيته بأسباب المشكلات البيئية، وإكسابه السلوكات الإيجابية للحد من هذه المشكلات، وإتاحة الفرص التعليمية للطلاب لاكتساب خبرات بيئية متنوعة والمشاركة في النشاطات البيئية.
يُقصَد به إدخال موضوعات التربية البيئية في مختلف مناهج المواد الدراسية؛ فمثلاً يمكن دراسة تلوث المياه في أثناء دراسة توزع الأنهار والبحار في مادة الجغرافيا.
يُقصَد به إعداد فصل أو وحدة دراسية عن البيئة وتضمينها في أحد المناهج، وغالباً ما تُدخَل ضمن منهج العلوم أو الجغرافيا.
تُدرَّس مادة التربية البيئية على نحو مستقل ضمن المنهج الدراسي مثل أي مادة أخرى كالرياضيات والجغرافيا وغيرهما.
شاهد بالفديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة
عندما نتجه نحو فهم عميق للعالم من حولنا ونبصر العلاقة التبادلية التي نشكلها مع البيئة، ندرك أنَّه ثمَّة حاجة ملحة إلى تحقيق توازن بين احتياجاتنا واحترام النظم البيئية التي نعتمدها، وهنا تأتي أهمية تدريس التربية البيئية؛ فهي تهدف لبناء جيل مستدام قادر على تحقيق توازن هذه العلاقة المعقدة، حيث يستخدم المعلم في المدرسة استراتيجيات وأساليب متعددة لتحقيق أهداف التربية البيئية، ومن هذه الأساليب:
طريقة أساسها المناقشة والحوار بين المشاركين (المعلم والطلاب) وتبادل الآراء، ويتوقف نجاح هذه الطريقة في تعزيز التفكير النقدي وتفاعل الطلاب مع قضايا البيئة على قدرة المعلم على تحديد المشكلة بدقَّة، وأن تكون المشكلة البيئية المُختَارة من ضمن اهتمامات الطلاب ومناسبة لمستواهم العمري والثقافي، وإفساح المجال لهم لإبداء آرائهم وأفكارهم بحرية، ومحاولة دفعهم نحو التعاون لوضع حلول للمشكلة في النهاية، ويمكن للمعلم استخدام هذه الطريقة من خلال الخطوات الآتية:
مثال: مناقشة سوء استخدام المياه وهدرها: يمكن طرح مجموعة من الأسئلة والبحث عن إجابات لها وتكوين فكرة كاملة عن المشكلة والحل، ومن أمثلة ذلك:
أسلوب يمكن استخدامه في المراحل الأولى من التعليم مثل المرحلة الابتدائية، وهو وسيلة فاعلة لجذب اهتمام الطلاب وتوصيل المفهومات البيئية على نحو ملموس وممتع، ومن الأساليب التي يمكن للمعلم استخدامها في هذه الطريقة:
استخدام قصص الأطفال التي تركز على القيم البيئية مثل الاستدامة وحفظ البيئة، ويمكن للطلاب قراءة هذه القصص ومناقشة الدروس المُستفادة منها.
يمكن تقديم قصص واقعية عن أشخاص أو مجتمعات حققوا نجاحات في مجال الحفاظ على البيئة أو تطبيق مبادئ الاستدامة، وهذه القصص يمكن أن تلهم الطلاب وتشجعهم على تقليد الأفكار الإيجابية.
يمكن استخدام القصص المصورة أو مقاطع الفيديو القصيرة لتوضيح مفهومات بيئية معينة.
يمكنك تحفيز الطلاب على إنشاء قصص خاصة بهم تتعلق بالقضايا البيئية.
يمكن تنظيم مسابقات قصصية تتعلق بموضوعات بيئية محددة، فيتنافس الطلاب في كتابة قصص تسلط الضوء على تحديات بيئية وحلولها.
تجعل هذه الطريقة الطلاب يتقمَّصون شخصيات لمصالح متضاربة لمشكلة محددة، ثمَّ تقويم الأداء وتحديد الآثار المترتبة والنتائج، وتساعد هذه الطريقة على تجربة الطلاب للمفهومات والمواقف على نحو عملي، وإليك كيفية استخدام طريقة اللعب والمحاكاة في تدريس المعارف والمفهومات الخاصة بالتربية البيئية:
ابدأ باستخدام ألعاب تعليمية تركز على مفهومات بيئية محددة، مثلاً:
يمكن أن تستخدم بطاقات تحتوي على أنواع مختلفة من النفايات (ورق، بلاستيك، زجاج، عضوي) وتطلب من الطلاب تصنيفها في الحاويات المناسبة، وهذا يساعد على تعزيز الوعي المتعلق بإدارة النفايات.
يمكن للطلاب بناء مدينة باستخدام مواد مثل الكرتون والورق، وتصميم مرافق مستدامة مثل محطات للطاقة الشمسية وحدائق عضوية، وهذا يساعد على فهم مفهوم الاستدامة.
تقوم اللعبة على تقديم معلومات عنأنواع مختلفة من الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض.
تُوزَّع بطاقات تصوِّر أنواعاً مختلفة من الكائنات الحية (حيوانات، أو نباتات) ويجب على الطلاب العثور على صورها أو وصفها وتحديد الميزات التي تجعلها هامة في البيئة.
يمكن للطلاب العمل معاً على تحسين بيئتهم المدرسية من خلال إجراءات مثل زراعة النباتات وتنظيف الصف.
إنشاء محاكاة لواقعة بيئية؛ مثل إدارة مصدر مائي أو مزرعة عضوية، ويتمثل الهدف في جعل الطلاب يتفاعلون مع مفهوم معين ويتعلمون من تجربة الإدارة واتخاذ القرارات.
طريقة حل المشكلات هي الطريقة العلمية للوصول إلى حلٍّ للمشكلة، وتتلخص خطوات هذه الطريقة في تحديد المشكلة، وجمع المعلومات وتصنيفها، واقتراح الحلول، ثمَّ اختيار الحل المناسب، وإليك كيفية استخدام طريقة حل المشكلات في تدريس المفهومات والمعارف المرتبطة بالتربية البيئية:
تقديم مشكلة بيئية حقيقية أو معقدة للطلاب، ويمكن أن تكون هذه المشكلة مرتبطة بقضية بيئية محلية أو عالمية مثل تغير المناخ، أو إدارة النفايات، أو حماية التنوع البيولوجي، وما إلى ذلك.
توجيه الطلاب لجمع المعلومات المتصلة بالمشكلة من خلال البحث والاستقصاء، فيمكنهم استخدام مصادر مختلفة مثل المقالات، والأبحاث، والدراسات.
بعد جمع المعلومات يجب على الطلاب تحليلها بعمق، فيمكنهم تحليل الأسباب الجذرية للمشكلة، وتحديد العوامل المؤثرة، وتقييم تأثيرها فيالبيئة والمجتمع.
دع المجموعات أو الطلاب يقترحون حلاً أو مجموعة من الحلول الممكنة للمشكلة.
إذا كان ذلك ممكناً، فيمكن للطلاب تنفيذ الحلول المقترحة؛ مثلاً إذا كانت المشكلة مرتبطة بالنفايات، فيمكنهم تنظيم حملات تنظيف، أو تطبيق طرائق جديدة لإدارة النفايات.
بعد تنفيذ الحلول يمكن للطلاب تقييم نجاحها وتأثيرها فيحل المشكلة، وهل تحقَّق التغيير المطلوب؟ وهل تحسَّن الوضع البيئي؟
تشجيع الطلاب على توجيه النقاش بشأن المشكلة والحلول إلى المجتمع المحلي، فيمكنهم تقديم عروض أو ورش عمل للتوعية بالقضية ودور الحلول المقترحة.
طريقة تعتمد قيام الطلاب بمراقبة ظاهرة بيئية ما في الطبيعة وتسجيل ملاحظاتهم والتوصل بعدها إلى نتيجة وتبادل الآراء مع زملائهم، ويمكن للمعلم اختيار حالة واقعية متصلة بقضية بيئية محددة محلية أو عالمية، أو يمكن للمعلم ترك الاختيار للطالب.
شاهد بالفديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين
هي من الطرائق التي تعلِّم الطالب تحمُّل المسؤولية، وتشجِّع الطلاب على التفاعل مع بعضهم ومع المفهومات البيئية على نحو أفضل، وفيما يأتي كيفية استخدام طريقة العمل الجماعي في تدريس المفهومات البيئية:
قسِّم الطلاب إلى مجموعات صغيرة، وقدِّم لكل مجموعة مفهوماً بيئياً معيناً، واطلب من الطلاب مناقشة المفهوم، ومشاركة المعلومات التي لديهم، وتبادل وجهات النظر.
اطلب من الطلاب القيام بأبحاث مشتركة عن مفهومات بيئية معينة.
اطلب من كل مجموعة إعداد عرض تقديمي يشرح المفهوم البيئي الذي تناولوه.
بعد تقديم العروض نظِّم جلسة نقاش بشأن المفهومات المُقدَّمة، ويمكن للطلاب طرح الأسئلة.
طريقة الرحلات التعليمية وسيلة فاعلة لتطبيق المفهومات البيئية في سياق واقعي، وتوسيع تجربة التعلم خارج الصف الدراسي، فتسمح هذه الطريقة للطلاب بالتعلم من خلال التجربة والاستكشاف والتفاعل مع البيئة المحيطة، وإليك كيفية استخدام طريقة الرحلات التعليمية والزيارات الميدانية في تدريس المفهومات البيئية في المدرسة:
هي طريقة فاعلة لتوليد أفكار جديدة ومتنوعة على نحو سريع، ويمكن استخدام هذه الطريقة في تدريس المفهومات البيئية؛ لتشجيع الطلاب على التفكير الإبداعي وتبادل الأفكار المتعلقة بقضايا البيئة، وإليك كيفية استخدام طريقة العصف الذهني في تدريس المفهومات البيئية في المدرسة:
هي أداة تعليمية تشجع على تبادل الآراء والأفكار المتعلقة بقضية محددة من خلال مناقشة متناقضة بين مجموعتين أو أكثر من الطلاب، وإليك كيفية استخدام طريقة المناظرة في تدريس المفهومات البيئية في المدرسة:
استخدام طريقة العرض لتقديم المفهومات البيئية للأطفال والطلاب من الوسائل الفاعلة، فيمكن استخدام العروض التقديمية، والصور، والشرائح، والرسوم التوضيحية لنقل المعلومات.
نجحت عدة المدارس حول العالم في تطوير بيئة تعليمية مميزة في مجال التربية البيئية، وفيما يأتي بعض النماذج الملهمة:
أُسِّسَت عام 2007 في مدينة بالوال، وهي أول مدرسة تحصل على شهادة وزارة البيئة والغابات للتربية المستدامة في الهند، فتقدم منهجاً متكاملاً يدمج المواد الدراسية التقليدية بالقضايا البيئية، كما صمَّمَت المدرسة مبنى مستداماً يستخدم التكنولوجيا الخضراء والمواد المستدامة، وقد جُهِّزت المدرسة بأنظمة توفير المياه والكهرباء وإعادة التدوير للحد من تأثيرها في البيئة، إضافة إلى تشجيع المدرسة الطلاب على المشاركة في نشاطات بيئية مثل زراعة النباتات، وتجميع النفايات، وحماية الحياة البرية.
أُسِّسَت عام 1964 وقد ركزت على تقديم تعليم يرتكز على تطبيق مبادئ الاستدامة وحماية البيئة.
مدرسة بيرجن في المملكة المتحدة: (Bergen School) تمتاز مدرسة بيرجن بالتركيز على تعليم الأطفال كل ما يتعلق بالتنوع البيولوجي والزراعة المستدامة، فتقوم المدرسة بإدراج الزراعة في المنهج الدراسي وتشجيع الطلاب على زراعة النباتات والعناية بها.
أُسِّسَت في 1989 في كوبنهاغن، وتتسم بتطبيق مبدأ "التعليم للحياة"، وتحيط المدرسة بمساحات خضراء ومساحات تعليمية طبيعية للطلاب.
لم يعد بالمستطاع حل مشكلاتنا البيئية بجهود ارتجالية؛ وإنَّما من خلال جهود علمية تقوم على الدراسة الصحيحة والتخطيط السليم؛ إذ إنَّ تكريس الوقت والجهد لتضمين التربية البيئية ضمن مناهج المدارس يعزِّز إمكانية تخريج أجيال مستدامة تلتزم الحفاظ على البيئة؛ فمن خلال الدروس المخصصة للبيئة والاستدامة يتعلم الطلاب كيفية تقليل بصمتهم البيئية، وكيفية اتخاذ قرارات مسؤولة في حياتهم اليومية.
لا يقتصر تأثير المدرسة في التلاميذ فقط؛ بل يمتد ليشمل أسرهم ومجتمعاتهم، فيصبح الشباب وسيلة لنقل المعرفة والتوجيه لمن حولهم، فالمدرسة ليست مجرد مكان لنقل المعرفة والمعلومات؛ بل هي مصدر لبناء القيم والمواقف التي تشجع على الحفاظ على البيئة والاستدامة، وإذا تعاونت المدارس مع الأسر والمجتمعات المحيطة، فيمكن أن تكون النتائج مذهلة، وينشأ جيل من التلاميذ الملتزمين بحماية البيئة والعمل نحو تحقيق تنمية مستدامة للجميع.