تلك كانت نبذة عن أقوال "كارل ماركس"، فمن هو كارل ماركس؟ وكيف بدأ حياته؟ وما هي أهم أفكاره ونظرياته وإسهاماته في البشرية؟ المقال الآتي سوف يجيبك عن تلك الأسئلة.
درس "كارل ماركس" الثانوية في مدينة "ترير"، وأنهى حياته الجامعية في جامعتي "بون" و"برلين"؛ إذ درس الفلسفة، وقدَّم أطروحته الجامعية عن (المقارنة بين فلسفة أبيقور وفلسفة ديمقريطس)، وبعد تخرجه استقر في مدينة "بون"، فقد كان يطمح للحصول على منصب أُستاذ جامعي، لكن لم يتحقَّق ذلك بسبب السياسة الرجعية التي كانت تسلكها حكومة "بون"، ومن ثمَّ توجَّه إلى العمل في الصحافة، ودخل في صلب المشكلات السياسية والاجتماعية.
وأصبح في عام 1842م محرِّراً في جريدة (الجريدة الرينانية)، المعارضة في مدينة "كولونيا"، التي أسَّسها البرجوازيون الراديكاليون؛ ولذلك انتقل للإقامة في مدينة "كولونيا"، وقد أخضعت الحكومة الجريدة للرقابة في البداية، وما لبثت أن أمرت بإيقافها في آذار 1843.
تزوج "كارل ماركس" من صديقة طفولته "جيني فون ويستفالن" التي خطبها منذ كان طالباً، وكان شقيقها الأكبر "فون ويستفالن" وزيراً للداخلية في "روسيا"، وفي ذات العام انتقل "ماركس" للإقامة في مدينة "باريس"؛ إذ تعاون مع "أرنولد روغه" وأصدرا معاً مجلة "راديكالية" تحت اسم (الحولية الألمانية الفرنسية)، انتقد من خلالها ماركس كل ما هو كائن، ووجَّه نداء إلى كل من الجماهير والبروليتاريا، لكنَّ هذه المجلة لم يصدر منها إلا العدد الأول، وتوقفت بعد ذلك بسبب خلافات نشبت بين "ماركس" و"روغه".
وصل "فريدريك إنجلز" في عام 1844م إلى "باريس"، وأصبح صديق "كارل ماركس" المقرَّب؛ إذ دخلا في الحياة الثورية للجماعات في باريس، وهذه الجماعات كانت تؤمن بمذهب "برودون" خاصة، وقد تحدَّث ماركس عن هذا المذهب في كتابه "بؤس الفلسفة" في عام 1847م، وناضل كل من "ماركس" وصديقه "إنجلز" ضد نظريات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة، وصاغا معاً نظرية الاشتراكية البروليتارية الثورية (الشيوعية الماركسية).
انتقل ماركس إلى "بروكسل" في عام 1845 بعد طرده من باريس بسبب مواقفه الثورية، وانتسب مع صديقه "إنجلز" إلى الجمعية السرية (عصبة الشيوعيين)، وصاغا بيان الحزب الشيوعي في عام 1848م؛ إذ يعرض المادية المتماسكة، ونظرية النضال الطبقي، ودور البروليتاريا الثورية، والمجتمع الشيوعي.
طُرِدَ ماركس من "بلجيكا" بعد قيام ثورة شباط 1848م، ثمَّ ذهب إلى باريس، ومن بعدها عاد إلى مدينة "كولونيا"؛ إذ أصدر (الجريدة الرينانية الجديدة)، ولكنَّ القوى المعادية للثورة التي انتصرت نفت ماركس مجدداً؛ إذ انتقل إلى باريس، وطُرِد منها أيضاً، ومن ثمَّ ذهب إلى لندن التي استقر فيها حتى مماته.
أنتج ماركس نحو 100 مجلداً، لكن ثمَّة مجموعة من الأعمال الرئيسة مثَّلت نقطة تحوُّل هامَّة في حياته أولاً وفي العالم ثانياً، ومن أشهر أعماله:
صاغه "كارل ماركس" مع صديقه المقرب "فردريك إنجلز"، وهو كُتيِّب يُحلِّلا فيه صراع الطبقات ومشكلات الرأسمالية، وقالا في بدايته: (إنَّ الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم كله طرائق تفكيرهم، وأهدافهم، واتجاهاتهم، وأن يواجهوا خرافة شبح الشيوعية ببيان من الحزب نفسه).
هذا المجلد يحتوي على أشهر أقوال ماركس؛ (الدين أفيون الشعب)، وقد فسَّر ماركس الدين على أنَّه رد فعل على الاغتراب في الحياة المادية، ومن ثمَّ لا يمكن إزالته حتى تُحرَّر الحياة المادية للإنسان، وعندها سيتلاشى الدين.
يبدو أنَّ ثمَّة شيئين من الاغتراب يُنشِئان هذا الدين، مع أنَّ ماركس لم يحدِّد ذلك بدقة، الأول هو العمل المغترب، والثاني الحاجة البشرية إلى تأكيد جوهرها الطائفي، وبنظر "ماركس" البشر موجودون بوصفهم مجتمعاً تربطه بغيره مجموعة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، ويرى أنَّ الخداع في البداية كان باسم الدين عندما ابتكر صورة مزيَّفة للمجتمع نتساوى فيها أمام الإله، وبعد تشكيل الدين من جديد بعد حركة الإصلاح أصبح من المستحيل أن يؤدي الدين نفس الدور، فجاءت الدولة لتملأ هذا الفراغ باسم القانون الذي يتساوى الجميع أمامه باسم مجتمع المواطنة.
لكن يرى "كارل ماركس" أنَّ كلاً من الدين والدولة يمكن تجاوزها عندما يستطيع الإنسان إقامة مجتمع حقيقي يقوم على أساس المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
وضَّح ماركس هنا موقفه من الليبراليين الراديكاليين، لا سيَّما "برونو باور"، الذي كتب ضد التحرر اليهودي، من خلال نظرة لا دينية، والذي وجد أنَّ الديانتين اليهودية والمسيحية تمثِّلان عائقاً أمام التحرر، وجاء رد ماركس على تلك النظرة لـ "برونو" بأنَّ التحرر السياسي يتناسب تماماً مع استمرار وجود الدين، والمثال المعاصر الذي يبرهن على ذلك هو الولايات المتحدة، فكارل ماركس لم يعار التحرر السياسي؛ بل رأى أيضاً أنَّه يجب تجاوز التحرر السياسي إلى تحرر بشري حقيقي، لكن لم يقل ماركس ما الذي يقصده بالتحرر البشري.
تناولت هذه المخطوطات نقاطاً هامة متعددة، مثل: النقود، والملكية العامة، والملكية الشيوعية، وتطوير نقد هيجل، وتفسير نظرية الاغتراب، وتخلَّل هذه المخطوطات شرح ماركس للمعاناة الموجودة في النظام الرأسمالي؛ إذ يعاني من أربع أنواع من الاغتراب، وهي:
لقد حاول ماركس في هذه المخطوطات الاقتصادية والفلسفية إثبات أنَّ المفاهيم الاقتصادية البرجوازية (الأجور، الربح، التبادل)، وسواها من المفاهيم مستمدة من مفهوم الاغتراب.
هذه الأطروحات هي إحدى عشر أطروحة، واحتوت على واحد من أشهر أقوال ماركس، وهي (فسَّر الفلاسفة العالم فقط، لكنَّ الهام هو تغييره)، وتناولت هذه الأطروحات رد ماركس على الفلسفة التي كانت قائمة في عصره، فكانت الأطروحة الأولى وهي الأكثر شهرة رداً على كل ما هو مادي ومثالي، وتناولت الأطروحة الثالثة الثورة، فيما تناولت الأطروحات الرابعة والسادسة والسابعة المشكلات الدينية.
عمل كل من "ماركس" و"إنجلز" في الأيديولوجيا الألمانية على توضيح المقدمات المنطقية للفكر المادي، فقد أكدوا أنَّ البشر هم كائنات منتجة يجب عليهم إنتاج سُبل عيشهم لتلبية حاجاتهم المادية، ومن ثمَّ تلبية هذه الحاجات سوف تولِّد حاجات جديدة مادية واجتماعية، وتنشأ أشكال جديدة من المجتمع تقابل حالة تطور القوى البشرية المنتجة.
هو العمل الرئيس لـ "ماركس" والأكثر شهرة وقراءة، يبدأ الجزء الأول منه بتحليل فكرة (الإنتاج السلعي)؛ إذ عرَّف السلعة بأنَّها شيء خارجي مفيد قابل للتبادل في السوق، واشترط لإنتاج السلعة وجود السوق والتقسيم الاجتماعي للعمل، فلكي يتم التبادل يجب أن يُوجد أناس مختلفون ينتجون سلع مختلفة.
أكَّد ماركس على فكرة هامة في كتابه رأس المال، وهي أنَّ قيمة السلعة تُقاس بكمية العمل الضروري اجتماعياً اللازم لإنتاجها، كما تحدَّث خلاله عن نظرية (قيمة العمل) التي تتكوَّن من مرحلتين:
ألَّف "ماركس" نحو 100 مجلد وكتاب، تناول خلالها معظم القضايا والمفاهيم، وفيما يأتي سنلخِّص أهم القضايا التي تناولتها تلك المجلدات:
يرى ماركس أنَّ وجود الطبقات الاجتماعية هو السبب الرئيس الذي يولِّد صراعات، وقسَّم المجتمع إلى طبقتين: الأولى هي الطبقة البرجوازية المالكة، والثانية طبقة البروليتاريا غير المالكة، وبسبب وجود الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج، والطبقة التي لا تملك وسائل إنتاج، سوف يتولَّد الصراع حتمياً؛ إذ يرى "كارل ماركس" أنَّ الحياة الاجتماعية مليئة بالتناقضات، وداخل كل مجتمع تتصادم مطامح بعض الأشخاص مع مطامح بعضهم الآخر.
يقول "كارل ماركس" في البيان الشيوعي: "إنَّ تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات، فالحر والعبد، والنبيل والعامي، والسيد الإقطاعي والمعلم والصانع؛ أي باختصار المضطهدون والمضطهدين كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة، وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائماً، إمَّا بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره، أو بانهيار الطبقتين معاً.
أمَّا المجتمع البرجوازي الحديث الذي خرج من أحشاء المجتمع الإقطاعي الهالك، فإنَّه لم يقض على التناقضات بين الطبقات؛ بل أقام طبقات جديدة محل القديمة، وأوجد ظروفاً جديدة للاضطهاد، وأشكالاً جديدة للنضال بدلاً من القديمة، إلا أنَّ ما يميِّز عصرنا الحاضر، عصر البرجوازية، هو أنَّه جعل التناحر الطبقي أكثر بساطة، فإنَّ المجتمع أخذ بالانقسام أكثر فأكثر إلى معسكرين متعارضين، إلى طبقتين كبيرتين العداء بينهما مباشر: هما البرجوازية، والبروليتاريا".
القيمة هي المحرِّك الأساسي للاقتصاد، وركَّز ماركس على العمل والإنتاج بوصفه القوة الأولى المنتجة لهذه القيمة، وجعل من هذه القيمة القاعدة الصلبة لفلسفته؛ فإنَّ منفعة شيء ما تعطيه قيمة استعمالية، أمَّا القيمة التبادلية فهي مبادلة عدد من القيم الاستعمالية من نوعٍ ما بعدد من القيم الاستعمالية من نوع آخر.
الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، ونتيجة طبيعية لهذا الصراع سوف يحدث تغيير اجتماعي من خلال المرور بعدة مراحل هي: المشاعية، الرق، الإقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية، وسوف تصل المجتمعات إلى مرحلة الشيوعية حيث لا طبقات ولا دولة.
العزلة الاجتماعية والنفسية للبشر ضمن المجتمع وسط الناس، وتحدَّث عن أربع أشكال من الاغتراب، اغتراب العمال عن وسائل الإنتاج، اغتراب المنتج عن صاحبه، اغتراب جوهر العمل عن المنتج، اغتراب البشر عن بعضهم بعضاً.
الدولة هي امتداد للقوة الطبقية بعد انحيازها للطبقة القوية، وهذا يقسِّم المجتمع إلى طبقتين متصارعتين، وبزوال الصراع تزول الدولة.
وصفه بأفيون الشعوب، بمعنى أنَّه مخدر الشعوب، يمنعهم من الثورة، ويبقيهم تحت الاستغلال، ويرى بأنَّ الدين مجرد أوهام لا أساس للعلم فيه.
موجود لتوصيف الصراع الطبقي في المجتمع، والذي بُنِيَ على أساس قاعدتين: الوجود الاجتماعي، والوعي الاجتماعي؛ إذ يقول ماركس: "ليس وعي الأشخاص هو الذي يقرِّر وجودهم، لكن على العكس وجودهم الاجتماعي هو الذي يقرِّر وجودهم".
"كارل ماركس" الفيلسوف وعالِم الاجتماع والناقد السياسي، تشكَّل فكره نتيجة لمجموعة من العوامل والتيارات؛ منها الفلسفة الألمانية، والثورة الفرنسية، والاقتصاد السياسي الإنكليزي، فهذه التيارات هي التي شكَّلت منهج ماركس الذي استخدمه في دراسة تطور المجتمع ودراسة النظام الرأسمالي محاولاً من خلال كتاباته إقامة مجتمع شيوعي يتمتَّع بالمساواة والحرية.