إنَّ هذا الصد والرد يسمى التفاوض، وهو طريقة مسالمة في حسم الأمور العالقة وحل النزاعات والصراعات، فإذا لم تنجح في حلحلة الأمور العالقة يشهر كل من الخصمين النار مجازاً في وجه الآخر، وتنشأ بينهما حرب لا تنتهي إلا على حساب أحدهما، بعد أن تستنزف كلا الطرفين حتى الرمق الأخير.
لأنَّ الحروب ليست خياراً مفضلاً بالنسبة إلى أحد؛ تعدُّ مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات المهنية والاجتماعية والشخصية أمراً لا بد من تعلمه؛ لأنَّ تطبيقها في الحياة اليومية سبب كاف ليعيش الإنسان في حالة من السلام والرضى؛ لذا فنحن نرحب بكل قارئ يبحث عن معرفة مهارات التفاوض والحل السلمي من أجل تطبيقها في الحياة اليومية.
قبل الدخول في صلب مهارات التفاوض، لا بد لنا من تعريف التفاوض؛ لأنَّ قسماً كبيراً من الناس يخلطون بين مفهومي النقاش والتفاوض، وفي تعريف التفاوض يمكن القول إنَّه حوار قائم على وجود تباين بين طرفيه، يسعى كل منهما إلى حسمه لمصلحته على حساب الطرف الآخر، ونحن كثيراً ما نقوم بالتفاوض في حياتنا اليومية؛ وهذا لا يعني أنَّ جميع الأمور التي نتفاوض عليها ذات أهمية بالغة.
يعدُّ التفاوض مهارة لا يمتلكها الجميع، رغم كونها من المفاتيح الأساسية للنجاح في الحياة العملية والمهنية، فمن خلالها نستطيع تحقيق أهدافنا التي يحول الآخرون بيننا وبينها، النجاة من منزلقات الحياة ومنعطفاتها الحادة والتي تفضي عادة إلى الخسارة والتراجع.
إذاً فالتفاوض هو النقاش المتعلق بنزاع قائم بين طرفين يفضي في نهاية المطاف إلى الاتفاق الذي يُرضي كلاً منهما، وقد يحدث التفاوض بين أكثر من طرفين متنازعين، والهام في الأمر أن يحدث اتفاق يُرضي الأطراف جميعاً.
لكي تتم المفاوضات لا بد أن يقدم كل طرف من الأطراف المتنازعة تنازلاً يتناسب مع متطلبات الأطراف الأخرى، ويحدث التفاوض في معظم البيئات والتجمعات الإنسانية، كالأسرة وبيئة العمل، ولكنَّه في الحالة المهنية يأخذ طابعاً رسمياً يدور بين الموظفين بعضهم بعضاً، أو بين الموظفين والإدارات، وغالباً ما تتناول في موضوعاتها البنود المدونة في العقود، ومواعيد تسليم المشاريع المجدولة زمنياً، والأجور والتعويضات والأتعاب التي يلتزم طرف بتسديدها للآخر.
تسمى مهارات التفاوض Negotiation Skills، وهي مجموعة الصفات التي تمكِّن طرفين متنازعين من الوصول إلى تسوية تتعلق بالنزاع الحاصل لترضي كلاً منهما، وتندرج مهارات التفاوض ضمن المهارات الناعمة التي من المفضل وجودها في الموظفين، وهي تكون إلى جانب مهارات التواصل والإقناع والتخطيط والتفكير الاستراتيجي والعمل بروح الفريق والتعاون مع الآخرين؛ لذا إنَّ فهم هذه المهارات هو الخطوة الأولى على صعيد تنمية مهارة التفاوض لديك.
يجب التنويه إلى كون مهارات التفاوض التي تحتاجها متغيرة باختلاف المواقف والأطراف المتنازعة والبيئة المحيطة، ولكن أشهر مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات التي من الممكن أن تستخدمها في معظم المواقف هي:
تعدُّ القدرة على التواصل الفعال من أهم مهارات التفاوض والحل السلمي للنزاعات، فعن طريق التواصل الفعال يستطيع الإنسان التعبير عن نفسه بأسلوب جذاب بالنسبة إلى الآخرين يجعله مقبولاً من قبلهم، كما أنَّه يساعد الإنسان على فهم تعبيرات الآخرين غير اللفظية، ومن الضروري امتلاك القدرة والبديهة في سرد الحوارات العفوية المنطقية، إلى جانب الاستماع الجيد الذي يوصل للآخر مدى اهتمامك حقاً بمعرفة ما يريد بعيداً عن سوء الفهم، ومن ثم بلوغ التسوية المنشودة.
أما القدرة على الإقناع فهي النقطة الهامة الثانية ضمن مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات؛ وتعني البراعة في استحضار الحجج والدلائل التي يجدها الطرف الآخر منطقية، فتساهم في عدوله عن موقفه وتقديم بعض التنازلات، كما تفيد مهارة الإقناع في توضيح وجهة نظرك للآخرين والأسباب التي تجعلها الحل الأمثل فتنال تأييدهم.
شاهد بالفيديو: كيف تمتلك مهارة الإقناع والتأثير في الآخرين
يندرج التخطيط أيضاً ضمن مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات؛ ويعني رسم المسار الذي ستسير عليه الأمور في أثناء النقاش مع الأطراف المتنازعة وبعد إقناع الأطراف الأخرى بوجهة نظرك، وهذا ما يبرز أهميتها فهي العنصر الأساسي في تحديد بنود الاتفاقات والعقود الجديدة.
لنفترض أنَّك ترى الراتب الذي تمنحك إياه شركتك قليلاً مقابل الجهد الذي تبذله، ورغبت بالتفاوض بشأن تعديل الأجر، ما هي نسبة الزيادة التي ستطلبها؟ ماذا ستفعل في حال رفضت الإدارة هذه النسبة؟ التخطيط يجيبك عن هذه التساؤلات.
هو من مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات، إنَّه ما يسمونه في اللغة الدارجة "التفكير أبعد من الأنف"؛ ويعني التفكير الاستراتيجي حسب حساب جميع الاحتمالات التي يمكن أن ترد، وإعداد خطة احتياطية لكل من هذه الاحتمالات، وهذا ما يتيح دراسة جميع السيناريوهات المحتملة وأخذ مخرجاتها في الحسبان.
بعد الاطلاع على مهارات التفاوض والحل السلمي للصراعات لا بد من ذكر مجموعة نصائح لتطبيقها في الحياة اليومية، ومن أهم هذه النصائح:
حاول الدخول في مفاوضات وهمية مع رفاقك وأفراد أسرتك، جرب المساومة على أشياء حقيقية في محيطك كالمساومة مع المتاجر، واحرص في مفاوضاتك التجريبية على عدم وجود شيء تخسره، فالغاية منها هي التمرين واكتساب الخبرة، لا تحقيق مكاسب فعلية.
اعلم أنَّ الخسارة في المفاوضات بادئ الأمر شيء عادي وطبيعي؛ لذا ضع ذلك في حسبانك وادخل المفاوضات التي تخرج منها بأقل الخسائر الممكنة.
إنَّ مهارات التفاوض والوصول إلى الحل السلمي هي جزء من المهارات الناعمة التي يحتاج إلى أن يمتلكها الإنسان بوصفها ميزة في شخصيته، فهي الطريق نحو حل الأمور العالقة بأكثر الطرائق سلمية ومنطقية؛ لذا لا بد من الحرص على اكتسابها وتنميتها، وذلك عبر التخطيط لها والتدرب عليها والتدرج في دخولها بدءاً من الأقل خطورة نحو الأعقد.