عملية التنمية الاقتصادية عملية طويلة الأجل يجب أن يسبقها رؤية طويلة الأجل يتفق عليها جميع أفراد المجتمع، وهذه الرؤية تعمل على تحديد الأهداف وترتيب الأولويات وتقرر الطرائق أو المنهج الذي ينبغي اعتماده لتحقيق تلك الرؤية؛ فالتنمية الاقتصادية بحاجة إلى عمل دؤوب وجهد دائم ومتواصل في إطار مخطط شامل تتحدد في إطاره البرامج والمشروعات، لكن هذه البرامج والمشروعات تحتاج إلى تمويل لضمان البدء فيها، واستمرارها ونجاحها فيما بعد، فماهي مصادر التمويل التي تمثل الداعم لعملية التنمية الاقتصادية في أي بلد يسعى إلى تحقيق ذلك النوع من التنمية وتحقيق العيش الرغيد لأبنائه؟
التمويل هو الوظيفة الخاصة بعملية التخطيط للأموال والحصول عليها من مصادر التمويل المناسب لتوفير الاحتياجات المالية اللازمة لأداء النشاطات المطلوبة، ويرى الاقتصادي البريطاني (موريس دوب) أنَّ التمويل في الواقع ليس إلا وسيلة لتعبئة الموارد الحقيقية القائمة.
التمويل هو الحصول على الأموال اللازمة وقت الحاجة إليها؛ أي تأمين المال اللازم لدفع وتطوير مشروع محدد، سواء أكان ذلك المشروع عاماً أم خاصاً.
في المعنى الاقتصادي للتمويل يعني مجموعة الطرائق والوسائل المالية، وكل القرارات التي تتخذها الإدارة المالية من أجل استخدام الأموال استخداماً اقتصادياً؛ فالتمويل هو عصب الحياة الاقتصادية يمدها بالتدفقات المالية والنقدية ومن الجدير بالذكر أنَّه كلما كان التمويل كافياً كانت نسبة نجاح المشروع الاقتصادي أكبر.
باختصار فإنَّ التمويل هو الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ فكرة ما من مصادر مختلفة وحسن استخدام الأفراد والمنظمات والدول للأموال.
يؤدي التمويل دوراً رئيساً في:
لقد أصبح هدف تحقيق التنمية هدفاً رئيساً لمختلف بلدان العالم المتقدمة منها والنامية؛ إذ تسعى كل دولة إلى تحسين معيشة أفرادها وتحقيق الرفاه الاجتماعي لهم قدر المستطاع والتنمية هي عملية مخططة، مقصودة وليست عفوية تحدث تلقائياً؛ فهي تحتاج إلى فترة طويلة من الزمن حتى تنجز أهدافها الموضوعة وتهدف في المجمل إلى إحداث التغيرات في بنية المجتمع من أجل توفير الحياة الكريمة لأبنائه.
التنمية كما وصفها الدكتور "عبد الهادي الجوهري" في كتابه (دراسات في التنمية الاجتماعية) هي: "التحريك العلمي المخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال إيديولوجية معينة لتحقيق التغيير المستهدف من أجل الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها.
أما التنمية الاقتصادية فهي الانتقال من حالة التخلف إلى حالة من التقدم الذي ترافقه مجموعة من التغيرات الجوهرية في النظام والهيكل الاقتصادي، والتي تهدف في مجملها إلى رفع مستوى معيشة الفرد والتقليل من درجة الفقر.
لقد جاء الاهتمام بالتنمية الاقتصادية خلال العقود الأخيرة بصفتها نتيجة طبيعية لمجموعة من الأسباب ربما أهمها حصول بعض البلدان على استقلالها السياسي، والبدء بحل المشكلات التي عانتها نتيجة الاحتلال، والتي كان من بينها التخلف الاقتصادي، إضافة إلى الرخاء الاقتصادي الذي أحرزته الدول المتقدمة، وشيوع فكرة التنمية عالمياً؛ إذ ظهرت منظمات مثل منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتعددة التي تُعنى بموضوعات التنمية بأشكالها، وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتحتاج التنمية الاقتصادية لكي تتم على خير ما يرام إلى مجموعة من المستلزمات الضرورية التي لا يجوز غياب أي منها وهي:
لا يوجد شك في اختلاف أهداف التنمية بين دولة وأخرى، ويعود السبب في ذلك إلى اختلاف أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية كلها، لكن مهما اختلفت الظروف يبقى هدف زيادة الدخل الوطني هدفاً رئيساً في أي برنامج تنموي اقتصادي، يضاف إلى ذلك التوسع في قاعدة الهيكل الإنتاجي وإحداث الصناعات الثقيلة أيضاً حتى تصل إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات ما أمكن ذلك.
شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها
يمثل التمويل العامل الأساسي والحاسم في البدء بالتنمية الاقتصادية وتحقيقها لأهدافها، وتمويل التنمية يعني توفير السيولة النقدية من أجل إنفاقها على الاستثمارات، وتتعدد مصادر تمويل التنمية الاقتصادية بين مصادر داخلية ومصادر خارجية، لكن بالنسبة إلى الدول النامية فإنَّها في الغالب تعتمد على مصادر خارجية في تمويل التنمية؛ وذلك بسبب الفجوة الموجودة بين مدخراتها واستثماراتها.
فيما يأتي نذكر مصادر تمويل التنمية:
ينقسم الادخار إلى (الادخار الخاص) الذي يقوم به الأفراد والمشروعات مثل الادخار في صناديق البريد، وشراء شهادات الاستثمار، وقيام أهل الريف بشراء الحيوانات وغير ذلك، لكن تكمن مشكلة ادخار الأفراد في أنَّها في الغالب تأخذ شكل الاكتناز مثل شراء العقارات أو الأراضي؛ ومن ثَمَّ لا يساهم في البنية الاقتصادية للدولة، والنوع الثاني من الادخار الخاص هو (ادخار قطاع الأعمال) بنوعيه القطاع الخاص والقطاع العام
الادخار العام هو ادخار إجباري تقوم به الدولة لتأمين الأموال اللازمة للتنمية، ويقسم إلى:
هو زيادة في حجم السيولة النقدية من خلال إصدار نقود جديدة، مما يؤدي إلى إيجاد الأموال اللازمة للتمويل.
شاهد بالفيديو: 7 طرق للتغلب على الظروف الاقتصادية العصيبة
للتمويل الخارجي دور بارز وأساسي في التنمية الاقتصادية؛ وذلك بسبب عدم كفاية الموارد الداخلية للتمويل، إضافة إلى الحاجة إلى المعدات والتجهيزات الأجنبية، ومن أهم مصادر التمويل الخارجي:
هي الأموال المقدَّمة من الدول الأجنبية بأشكال مختلفة، ويجب على الدولة ألا تقوم بأي إجراء مقابل ذلك.
هي أموال تقترضها الدولة من الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية لقاء التزامها بدفع الأقساط والفوائد المترتبة على ذلك.
هي الأموال الأجنبية التي تُستثمر في الدولة من خلال إقامة المشاريع الجديدة.
إقرأ أيضاً: اقتصاد السوق: مفهومه ونشأته ومبادئه
تمثل عملية التنمية الاقتصادية الجهد المنظم الذي يعمل على نفي المشاريع والبرامج الداعمة لنمو موارد المجتمع بأشكالها المختلفة لمواجهة التخلف ومواكبة التطورات على المستوى العالمي، والأهم من ذلك تأمين الحياة الكريمة لأفراد المجتمع كلهم وبجميع فئاتهم؛ إذ تعمل على استخدام الموارد المتاحة بالشكل الأمثل والمناسب لتحقيق الزيادة المناسبة في الدخل، والتي يجب أن تفوق معدل النمو السكاني.
لكن لكي تحقِّق الدول ذلك الهدف ينبغي أن تتغلَّب على كل ما يواجه عملية التنمية الاقتصادية من معوقات داخلية كانت أم خارجية، ويأتي في مقدمتها توفير الأمن والاستقرار اللازمَين، كما يجب عليها وضع السياسات الاقتصادية الملائمة وفقاً لما يتوفر لديها من بيانات حقيقية عن وضع الدولة الاقتصادي، وتنفيذ مجموعة كبيرة من القوانين والمبادئ والأسس في المجال الاقتصادي على المستوى الجزئي والكلي حتى تتيح فرصة النجاح لعملية التنمية الاقتصادية التي خُطِّط لها مسبقاً.