هناك قصص ونماذج عديدة تتكلم عن الرحمة، نذكر منها:
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ).
(فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً)،في هذا الحديث النبوي طُلِبَ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم بالدعاء على المشركين؛ فقال -عليه السلام-: لم أُبعث لعَّانا؛ أي لو كنت أدعو عليهم لطردوا من رحمة الله -تعالى-، وأصبحت من القاطعين عنهم الخير، وأكَّد على أنه قد بُعثَ رحمة للعالمين.
كان الشيخ -رحمه الله- يمشي في طريق ما، وكان يجلس فيه بعض الفقراء، فقاموا بالدعاء له فعرف -رضي الله عنه- حاجتهم ومطلبهم، ولكن لم يجد شيخ الإسلام معه شيئاً ليعطيه لهم، فقام بخلع ثوبه أعطاه لهم؛ لبيعه وإنفاق ثمنه على ما يحتاجونه.
سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذات ليلة بكاء صبي، فأتى إلى أمه، فقال لها: "ويحك، إنكِ أمُّ سوء، ما لي أرى ابنَك لا يقَرُّ منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبدالله، إني أشغله عن الطعام، فيأبى ذلك".
"قال: ولِمَ؟، قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم، قال: وكم عمر ابنك هذا؟، قالت: كذا وكذا شهرًا؛ فقال: ويحك، لا تُعجليه عن الفطام، فلما صلَّى الصبح، وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء، قال: بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين!، ثم أمر مناديَه فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام؛ فإنا نفرض لكلِّ مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق".
الرحمة في اللغة تعني طلب المغفرة من الله -تعالى-، وجاء ذلك في قوله -تعالى-: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، وهو مصدر رحم وتعني رقة القلب، جمعها رحَمات بفتح الحاء أو رحْمات بتسكين الحاء، نقول في قلبه رحمة؛ أي فيه رقة وشفقة والرحمة هي خير ونعمة من الله -تعالى-.
قام العلماء بتقسيم الرحمة إلى نوعين وهما:
تشمل الخلق جميعاً سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين، صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو غير عاقل، فكل من يعيش على هذا الكون يكون تحت رحمة الله -تعالى- في هذا النوع من الرحمة.
وهي الرحمة التي خصصها الله -تعالى- لعباده المؤمنين فقط.
والفرق بين النوعين هو أن الرحمة العامة لا تكون إلا في الحياة الدنيا، أما الرحمة الخاصة فهي شاملة الدنيا والآخرة، والدليل على الرحمة العامة في قوله -تعالى-: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)، والدليل على الرحمة الخاصة قوله -تعالى-: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
للرحمة فوائد عديدة وعظيمة، نذكر منها: