للمال أيضاً وجودان يحكمانه، وله قوانين ظاهرة تحكم تحصيله وامتلاكه، وله كذلك قوانين داخلية تحكم صناعته وتحدد طريقة التمتع به، ومثلما أنَّ للنجار أدواته التي يصنع بها أثاثه، فإنَّ له أيضاً مواهبه العقلية وخياله الذي يصنع بواسطته مصنوعاته قبل أن ينفذها في الواقع.
حتى نفهم آلية عمل المال علينا أولاً أن نتعلم ونعي موقفنا منه، فإنَّ موقفنا من المال ووضعنا المالي وفقرنا أو ثرائنا تحدده طريقتنا في النظر إلى طبيعة المال، وتصنعه نوعية تفكيرنا فيه، وكيف ننظر إليه من وجهة عقلنا اللاواعي، وكيف تصنفه نفوسنا من الداخل من حيث كنا نراه شيئاً سيئاً ينبغي الحذر منه، أم أنَّنا ننظر إليه بوصفه شيئاً رائعاً ينبغي أن نمتلكه، فما يظهر على السطح وما يظهر في واقعنا، ليس سوى نتيجة لما يدور في أعماقنا.
ففقرنا صورة لفقر أعماقنا، أما ثراؤنا فهو نتيجة حتمية لثراء أفكارنا عن اكتساب المال وعن طريقتنا في إنفاقه، وإنَّ محفظتنا وحسابنا البنكي مرتبطان ارتباطاً حتمياً بما نحمله في رؤوسنا من أفكار عن المال، والمبلغ الذي نظن في داخلنا أنَّنا نستحقه لن ينقص دولاراً واحداً عما سنحصِّله ونحصل عليه.
فمعظمنا لا يملك الإيمان باستحقاقهم للثروة، ومعظمنا لا يطلب في داخله إلا كمية من المال تلبِّي حاجاته الأساسية من غذاء ولباس ومسكن إضافة إلى بعض الترفيه، والغريب أنَّهم لا يجنون فعلاً إلا ما يلبِّي هذه الحاجات تماماً.
مقارنة ببقاء الأثرياء مفلسين - فيما لو وقعوا نتيجة ظرف ما في الإفلاس - فالأثرياء الحقيقيون عادة لا يفلسون، وإذا حدث أن أفلسوا نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم، فهم غالباً ما يسترجعون ثرواتهم في وقت قياسي، وهذه حقيقة غريبة تحير الفقراء وتثير غيرتهم؛ وذلك لأنَّ ثراء الأغنياء منسوخ في عقولهم قبل أن يتجلى حقيقةً في واقعهم، وحتى إن تعرَّضوا لفقدان ثرواتهم، فسرعان ما يسترجعون ما خسروه بسبب هذه العقلية الفذة التي يملكونها.
شاهد بالفيديو: 12 حقيقة خالدة عن الحرية المالية
لكنَّهما عادا أثرى مما كانا؛ وذلك لأنَّ عقلياتهما عقلية ثرية، وميزان حرارتهما المالية حساس للمليارات ولا يتوقف إلا عندما يقرأ مؤشره الأرقام من ذوات التسعة أصفار.
كل شيء يبدأ من داخلنا ومنقوش في عقولنا الباطنية، فكما في الداخل يكون الخارج، ومثلما أنَّ الجذور هي ما تنتج نوع الفاكهة، فعقليتك المالية هي ما ستحدد نوع فاكهتك التي ستقطفها وقت القطاف، فإنَّ ما يسكن في فكرك ويقيم فيه هو الذي يحدد ثروتك وموقفك المالي.
ففي الواقع نحن نعيش في أربعة عوالم مختلفة في نفس اللحظة ولا نعيش في عالم واحد، نحن نعيش في عوالم متعددة هي العالم العقلي والعالم الوجداني والعالم الروحي ثم أخيراً نتجلى نتيجة لهذه العوالم مجتمعة في العالم المادي الذي نلمسه، فالعالم المادي المتجسد فينا وأمامنا ونعيش تفاصيله، ليس سوى نتيجة لتفاعلنا مع بقية العوالم الثلاثة.
والتي انعكست على وجودنا في عالمنا المادي، فكل ما نحن عليه في العالم المادي مجرد صور لحقيقتنا هناك؛ وكلها نتائج، فنحن نعيش في عوالم من الأسباب والنتائج، فصحتنا ومرضنا وفقرنا وثراؤنا؛ كلها ما هي إلا انعكاسات لعالمنا الداخلي تجلَّت في عالمنا المادي، وما لم نكن بخير في داخلنا فلن نكون مطلقاً بخير في خارجنا.
فنحن لسنا سوى نتاج لما نسمعه وما نراه وما نقرأه وما نستخدمه؛ فما نسمعه قد ننساه، وما نراه قد لا نتذكره، ولكن ما نفعله هو غالباً ما يبقى في أذهاننا طويلاً، وهو ما يتجلى حقيقة في واقعنا؛ لذا علينا دائماً أن نتدرَّب على ما نودُّ أن نكونه؛ أي علينا في حال لم نكن أثرياء أن نتدرب على أن نكون أثرياء، علينا دائماً أن نقوم بفعلٍ ما وعملٍ ما، يجعلنا متفاعلين مع الكون حتى لا ينقطع اتصالنا به.
فإنَّ تأكيدنا لأنفسنا شفاهية وحركياً ما قررنا فعله، ينقل طاقتنا الداخلية عبر طاقة الكلمة المحمولة إلى الكون ويجعلنا في تفاعل دائم معه.
لذا ضع يدك على صدرك وأخبر نفسك أمام الكون بما قررت فعله، ودع الكون ينقل طاقته إليك، ولا تستهن بطاقة الكلمة، فللكلمة تردداتها واهتزازاتها التي ستعود إليك على شكل طاقة استجابة تنقلك إلى حيث قررت أن تنتقل، فتصريحاتنا وتوكيداتنا لأنفسنا ستخبرنا وتخبر الكون بأنَّنا في الطريق لفعل شيء ما مميز، وعلى عقلنا الباطن أن يستعد لهذا التحول.
فأخبِر الكون وعقلك الباطن كلما استطعت بما نويته، أخبرهما في الصباح وعند النوم أو أمام المرآة، فالتصريح الدائم يسرع عملية الاستجابة لما نويت أن تكونه.
قل لنفسك: إنَّ "عالمي الداخلي هو ما سيحدد عالمي الخارجي"، قلها وأنت تضع يدك على صدرك، ضع يدك مرة أخرى على رأسك وقل: إنَّ هذا الرأس يحمل بداخله عقلية مليونير، فعندما تؤكد لنفسك كل يوم أنَّ لك عقلية مليونير، فستمتلك عاجلاً أو آجلاً هذه العقلية؛ لذا تدرَّب على آلية عمل هذا العقل وستمتلك مثله لا محالة.
ومعظم ما يعوق اكتسابنا للمال يأتي إلينا عبر أفكارنا التي اكتسبنا معظمها في طفولتنا عن طريق والدينا أو معلمينا أو رجال ديننا، فإنَّهم وخلال بداية خلقنا لوعينا الخاص قد يوحون إلينا بأنَّ المال شيء سيئ، وأنَّ الأثرياء أشخاص أشرار باعوا مبادئهم بحفنة من الدولارات.
وإن اكتسبناه بطريقة ما، فإنَّ لاوعينا يجعلنا بطرائق غير مفهومة نتخلص منه بكل وسيلة ممكنة سواء بالتبذير، أم شراء ما لا يلزم، أم خسارته بمنحه للآخرين بطرائق ساذجة، أم خسارته في مشاريع فاشلة، فالهام للاوعينا هو ألا يتعارض موقفنا المالي مع ما هو منقوش في اللاوعي.
إنَّ أولى وسائلنا لتغيير واقعنا المالي هي مجابهة فكرتنا البدائيَّة عن المال، والاقتناع الواعي بأنَّ ما بثه الآباء والمعلمون فينا من أفكار سيئة عن المال هي أفكار خاطئة نحتاج إلى تصحيحها، وإن لم نصحح هذا الفكر فلا أمل مطلقاً في تحولنا من فئة المجالدين مالياً إلى فئة فرسان المال.