يضاف إلى واقع الحال التطور الذي يشهده العصر الحالي في شتى مجالات الحياة، والتغيير الواسع والمستمر في العلوم والمعارف الإنسانية والتكنولوجيا وما أحدثه هذا التطور من أزمات، سواء على مستوى الدول عامة أم على مستوى ومنظماتها ومؤسساتها خاصة؛ إذ أثرت هذه الأزمات في الحياة سلباً وزادت من تعقدها وزاد حجم المشكلات التي يصعب على المنظمات حلها من خلال التفكير النمطي القديم أو التغلب عليها باستخدام الأساليب التقليدية، الأمر الذي دفع بعضهم إلى البحث عن منهج جديد لمعالجة تلك الأزمات فكان أسلوب (إدارة الأزمات)، الذي يُعدُّ أحدث الاتجاهات الإدارية التي يستطيع اتباعه في هذا المجال.
إدارة الأزمات هي أسلوب معرفي هام تتطور تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وتوسع ليشمل مفاهيم جديدة مثل (تخطيط الأزمات) و(التنبؤ بالأزمات)؛ فإدارة الأزمات فرع هام ومتميز من فروع علم الإدارة، وأصبح له أصوله المنهجية وقواعده التي يسير وفقها.
نحن نعيش في عالم الأزمات، ومواجهتها تتطلب إدارة واعية، بعيدة عن الارتجال، تعتمد على الطرائق العلمية والمنهجية في مواجهتها.
مفهوم (الأزمة) مفهوم شامل لشتى مجالات الحياة الإنسانية بدءاً من الحديث عن حدوث أزمة ثقة في العلاقة بين شخصين وصولاً إلى القول بحدوث أزمة بين الدول، ولا ننسى حدوث أزمات نفسية خاصة بالفرد بعينه؛ فمفهوم الأزمة لا يعرف حدوداً فاصلة فقد تبدأ من فرد واحد وتمتد لتشمل المنظمة أو المجتمع بأكمله.
الأزمة تنطوي على عنصر المفاجئة والتحول، وتؤدي إلى أوضاع غير مستقرة في وقت قصير، وتنتح عنها غالباً آثاراً سلبية تستلزم اتخاذ قرار للمواجهة.
من التفسيرات لمفهوم الأزمة:
الأزمة حالة تفكك تؤثِّر في النظام ككل وتهدد افتراضاته الأساسية وجوهر وجوده.
نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات، أو حدوث خلل مفاجئ يؤثِّر في المقومات الرئيسة للنظام، ويشكِّل تهديداً واضحاً لبقاء المنظمة أو النظام نفسه.
نقطة تحول أساسية في أحداث متتابعة ومتصارعة تسبب صدمة وتوتراً وضغطاً، مما يضعف من إمكان الفصل السريع والمؤثِّر، وقد تقود إلى نتائج غير مرغوبة خاصة في حالة عدم وجود استعداد أو قدرة على مواجهتها.
إذاً الأزمة هي أحداث تتلاحق بسرعة، ونتائجها تتراكم بقوة؛ لذا فهي تتطلب إعمال الفكر والتمعن وتقييم الذات لمواجهة الأحداث الطارئة، والتغلب عليها أو على الأقل الحد من خطورتها؛ فهي تنطوي على تهديد للقيم أو للأهداف أو لإحداث ضرر في المصالح؛ وذلك خلال وقت قصير قد لا يسمح بدراسة المشكلة كما يجب؛ ومن ثَمَّ اتخاذ القرار بسرعة؛ فالأزمة يمكن أن يتعرض لها فرد أو جماعة أو منظمة، ولا نستطيع مواجهتها بالأساليب الروتينية التي اعتادوا عليها، فهي تهدِّد النظام بأكمله بالزوال والانهيار، وتتطلب إدارة واعية قادرة على المواجهة وتحقيق الانتصار.
شاهد بالفيديو: السمات الثمانية للقيادة الرشيدة عند الأزمات
غالباً ما تكون الأزمة نتيجة لأسباب عدة، وليس لسبب بعينه؛ إذ تنتج الأزمة عن تفاعل مجموعة من العوامل المختلفة في الأهمية، ومن تلك الأسباب:
الإدراك هو عملية استيعاب المعلومات التي حصل عليها الفرد بنفسه، أو التي وصلت إليه وحدها دون تدخُّل مباشر منه، فإذا تمت هذه العملية على نحو غير سليم نتج عنها اتجاه أو توجُّه غير سليم أيضاً وهذا الاتجاه أو التوجه يقود إلى أزمة.
الذي ينشأ غالباً عن أسباب ذاتية متعلقة بالفرد نفسه، مثل المغالاة في الشعور بالثقة بالنفس واستصغار الآخرين والاستخفاف بهم.
قد يعمد المدير أو صاحب المنصب الإداري إلى إظهار مكانته، وإثباتها عبر استعراضٍ لقوته وتعنيف الآخرين، وهذا السبب من أكثر الأسباب المؤدية إلى حدوث أزمات.
قد يرأس المجموعة قائد يتخذ قرارات خاطئة تؤدي إلى أزمات.
هذه الإدارة التي لا تعتمد على التخطيط في عملها، ولا تبني لنفسها نظام معلومات متكاملاً ولا تحاول حل الصراعات الإدارية التي تنشأ في المؤسسة، إضافة إلى عدم اهتمامها بإيجاد نظام رقابة فاعل؛ فهي تعمل في جو من الفوضى العارمة التي تقود بالضرورة إلى حدوث أزمات.
اختلاف المصالح هو السبب الأول لنشوء الأزمات وقيام الصراعات.
الناتج عن تداخل المعلومات وتشويشها وعدم القدرة على إيجاد الرابط بينها.
مثل قلة الخبرة والتعب وعدم التركيز في العمل وتشتت الذهن.
الإحباط واليأس من حل المشكلات وعدم توافر الرغبة لدى صاحب القرار في اتخاذ قرار لمواجهة المشكلة وأسبابها.
سواء بالأشخاص أم المنظمات أم الأنظمة القائمة أم الإدارات المختلفة؛ فانعدام الثقة لأي سبب أدى إلى غياب الإيمان بما يقوله الآخر؛ ومن ثَمَّ تبدأ الأزمات بالظهور.
يوجد من يحاول التمويه أو التغطية على الأزمات الحقيقية أو محاولة تحقيق مكاسب على حساب الآخرين أو غير ذلك فيعمد إلى افتعال أزمات أخرى.
التي تشير إلى إمكان حدوث أزمة مثل كثرة الشكوى من قضية ما.
مثل تطوير تكنولوجيا معينة قد تسبب خطراً على الأمن الوطني لبعض الدول.
مثل الأعطال الفنية.
بسبب تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
سواء في المجتمع عامة أم في منظمة بعينها أم حتى أسرة أم على المستوى الشخصي؛ فالأسباب الاقتصادية هي من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى قيام الأزمات.
عندما لا يستطيع أحد التحكم بحدوثها مثل الزلازل والبراكين والأعاصير والتقلبات الجوية الحادة واندلاع الحرائق وحالات الوفاة المفاجئة.
عادة ما يسبق حدوث أزمة مؤشرات عدة تُعدُّ بمنزلة تحذير أو إنذار؛ فالمرحلة الأولى هي تحديد إشارات بداية الأزمة، ومع خلو هذه المرحلة من الأحداث، فإنَّها لا تقل أهمية عن المراحل اللاحقة للأزمة؛ إذ إنَّ نجاح حل الأزمة يرتبط بآليات الإنذار المبكر لوجود الأزمة.
هذه المرحلة تعني مرحلة الظهور المادي الفعلي للأزمة؛ وذلك نتيجة للفشل في التعامل مع مؤشرات الأزمة والقضاء عليها قبل الاندلاع، هذا الفشل يعود إلى أسباب عدة منها: التهاون بالحل والاستهانة بتلك المؤشرات وعدم فاعلية الحل الذي اتخذه فريق إدارة الأزمة وغير ذلك.
هنا تصعب السيطرة على الأزمة نتيجة تفاعلها مع العوامل المؤثِّرة فيها الداخلية والخارجية؛ ومن ثَمَّ تغدو الأزمة أصعب وأكثر تشابكاً وتعقيداً ويزداد حجم التكلفة الناتجة عنها.
في هذه المرحلة تبدأ أسباب الأزمة بالانحسار نتيجة تأثير الحلول التي اتخذها فريق إدارة الأزمة.
تمت مواجهة الأزمة في الماضي عبر القرارات الفردية، لكن اليوم ومع تطور الحياة واختلاف القيم والمعايير والمبادئ التي تحكم الشعوب لم تعد تلك الطريقة ناجحة؛ ففي السابق كانت الأزمات أكثر بساطة، أما اليوم فقد ازدادت تشابكاً وتعقيداً؛ لذلك أصبح حل الأزمات يتم عن طريق التفكير الجماعي.
علم إدارة الأزمات هو من فروع علم الإدارة واسع الانتشار، ويُقصَد به الوسائل والأدوات والجهود كلها التي تُستخدَم لحل الأزمة، والتغلب عليها والتعلم من الجوانب الخاصة بالأزمة من أجل تفادي الأزمات في المستقبل؛ فإدارة الأزمات هي:
تهدف إدارة الأزمات إلى:
شاهد بالفيديو: 8 أساليب للقيادة الناجحة في أوقات الأزمات
تُدار الأزمة وفق خطوات متتالية؛ إذ إنَّ كل خطوة منها تنطوي على أعمال وخطوات فرعية، وهي:
تتضمن الانتباه إلى مؤشرات الأزمة ورصد الإشارات التي تنبئ بقدوم أزمة؛ ومن ثَمَّ تفسير هذه الإشارات التي رُصدت رصداً مناسباً، إضافة إلى جمع المعلومات من أجل التخطيط لتجنب الأزمة الوشيكة أو التخفيف من حدة آثارها.
تتضمن إجراء التحضيرات التي يمكن أن تسهم في التنبؤ بالأزمة ومحاولة اتخاذ الإجراءات للتخفيف من حدتها.
تتضمن الاعتراف بأسباب الأزمة واستيعاب ما وقع من نتائج وآثار وحشد الإمكانات المادية والبشرية لمعالجتها ووضع الحلول الممكنة التطبيق لإنهائها.
هي العمليات التي يقوم بها فريق إدارة الأزمة بغرض استعادة التوازن والقدرة على ممارسة النشاطات المعتادة وتطويرها.
بعد انتهاء الأزمة واستعادة العافية والنشاط لا بُدَّ من الرجوع للأزمة وتحليل أحداثها ومجرياتها بكل واقعية لاستخلاص النتائج والعِبَر وحصد الخبرة وتوظيفها عند التعرض لأزمة مشابهة في المستقبل، كما تُتخذ الإجراءات لمنع تكرار حدوثها لمعرفة كيفية التعامل معها في المستقبل.
الأزمة عبارة عن حالة حرجة تتشابك وتتعقد فيما بينها؛ إذ تختلق حالة من الخلل وعدم التوازن والضغط المزعج الذي يحتاج إلى حل؛ إذ أصبحت قضية إدارة الأزمات قضية عامة تخلو من الترف، وإدارة الأزمة تعني وجود خطة يضعها فريق إدارة الأزمات قبل حدوث الأزمة؛ فإدارة الأزمات عمل قائم على التخطيط والتدريب المستمر للتعامل مع الأزمات بمختلف أنواعها.