تعدُّ ظاهرة عمالة الأطفال من أكثر الظواهر تهديداً لاستقرار المجتمع؛ نظراً لما ينجم عنها من استغلال وانتهاك للأطفال، وهذا ما تنعكس آثاره على المجتمع ككل، وتجتاحنا العديد من الأسئلة عن الأسباب التي تدفعهم إلى العمل، كما تراودنا كثير من مشاعر التعاطف تجاههم، فهؤلاء الأطفال قبل كل شيء يبيعون طفولتهم وحياتهم، ولكنَّنا في نهاية المطاف لا نملك إلا التعاطف وقليلاً من المساعدة الآنية التي لن تخفف شيئاً من وطأة وحجم الظلم الذي تخلفه ظاهرة عمالة الأطفال.
هنا نجد أنَّ السؤال الأهم الذي يطرح نفسه "هل حماية هؤلاء الأطفال مسؤولية فردية أم أنَّها مسؤولية المجتمع ككل ومسؤولية الحكومات والمنظمات؟"، إذا أردت معرفة الإجابة عن السؤال السابق وغيره من الأسئلة، فتابع القراءة.
تعرف ظاهرة عمالة الأطفال (Child Labour) بأنَّها أي شكل من أشكال استغلال الأطفال في العمل، وحرمانهم من ممارسة طفولتهم وحياتهم الطبيعية وممارسة حقوقهم، وهذا ينتج عنه كثير من الآثار النفسية والاجتماعية والانفعالية السيئة.
تعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنَّها "كل جهد جسدي يقوم به الطفل يؤثر في صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية، ويتعارض مع تعليمه الأساسي"، وقد أشار تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونيسيف صدر عام 2021م إلى أنَّ نحو 160 مليون طفل حول العالم عاملون، بزيادة قدرها 8.5 مليون طفل خلال السنوات الأربع السابقة لكتابة التقرير، كما أشار التقرير إلى أنَّ الجهود الحقيقية لإنهاء عمالة الأطفال توقفت منذ 20 عاماً، والتقديرات الجديدة التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في ظاهرة عمالة الأطفال ليست إلا جرس إنذار للعالم.
من الجدير بالذكر أنَّه يتم في اليوم 12 من شهر حزيران/ مايو من كل عام في أنحاء العالم إحياء اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، في حين أشار بعض الباحثين إلى انقسام مفهوم العمالة إلى قسمين:
هو "عمالة الأطفال السلبية"؛ أي الاستغلال الواضح والصريح للأطفال، من خلال تكليفهم بأعمال مؤذية وغير مناسبة لأعمارهم، وتحمِّلهم أعباء جسدية ونفسية تفوق قدرتهم على الاحتمال دون إعطائهم حقهم أو تبخيس أجورهم.
هو "عمالة الأطفال الإيجابية" التي تشمل الأعمال التي يقوم بها الأطفال بملء إرادتهم؛ أي الأعمال التطوعية، كما تتضمن الأعمال المأجورة التي يقوم بها الأطفال في فترات العطل المدرسية، والتي تكون متناسبة مع أعمارهم وقدراتهم، ولا يتم استغلالهم مادياً فيها، وتتم بإشراف الأهل، وغالباً ما يكون الهدف منها هو تعويد الأطفال على تحمل المسؤولية وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الجسدية والعقلية وتقوية شخصيتهم.
بذلك يمكن القول إنَّ عمالة الأطفال بوصفها ظاهرة مؤذية ومتعارضة مع حقوق الطفل، وذلك فيما يأتي:
تمنع العديد من الدول عمالة الأطفال؛ إذ تنص في قوانينها بشكل واضح وصريح على معاقبة الأهل الذين يستغلون أطفالهم، ومعاقبة أرباب العمل الذين يقبلون بتشغيل الأطفال دون السن القانوني.
شاهد بالفيديو: علاج ظاهرة أطفال الشوارع
قامت منظمة الصحة العالمية بتقسيم أنواع الأطفال العاملين إلى ثلاث فئات وهي:
تضم هذه الفئة الأطفال العاملين في مجال النشاطات الاجتماعية المدفوعة وبعض النشاطات غير الإنتاجية، وأيضاً تضم الأطفال العاملين في خدمة المنازل، وتعد هذه الفئة الأكثر انتشاراً في العالم.
تضم هذه الفئة الأطفال أكبر من 11 إلى 14 عاماً، ويقوم هؤلاء الأطفال بممارسة أعمال لا تؤثر في سير حياتهم الطبيعية؛ إذ يمكنهم الذهاب إلى المدرسة والقيام بالنشاطات التي يحبونها.
تضم هذه الفئة الأطفال الذين يمارسون أعمالاً تفوق طاقتهم وقدرتهم، وتؤثر في صحتهم النفسية والجسدية.
ترجع أسباب عمالة الأطفال إلى كثير من العوامل والظروف، فهنا وقبل البدء بتعداد هذه الأسباب، لا بد من الإشارة إلى أنَّ الأسباب أحياناً تكون خارجة عن إرادة الأسرة ورغبتها، وهذا ما يحدث في أثناء الحروب والكوارث الطبيعية، فكثير من الأطفال يجدون أنفسهم دون معيل أو يضطرون إلى العمل بأنفسهم لإعالة أسرهم، وخارج هذا وضمن الظروف الطبيعية يمكن أن نقسم أسباب عمالة الأطفال إلى ما يأتي:
الظروف المادية والاقتصادية الصعبة، إضافةً إلى الفقر وتردي الأوضاع المعيشية، يدفع كثيراً من الأسر إلى البحث عن مصدر جديد للدخل، فيجد هؤلاء في أطفالهم طريقة لكسب المال وتحسين الوضع الاقتصادي من خلال تشغيلهم، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة التي ترجع إلى العديد من الأسباب منها ما يتعلق بالوضع الاقتصادي للبلد عموماً.
ينعكس الوضع الاجتماعي للأسرة مباشرة على أوضاعها الاقتصادية، فعندما يتدنى المستوى الثقافي للأسرة يزداد عدد أفراده دون وعي، وهذا ما يؤدي إلى تراجع وضعها المعيشي، ومن ثم البحث عن طرائق لتحسينه من خلال عمالة الأطفال، فضلاً عن موقف الأسرة نفسه من التعليم؛ إذ تجد بعض الأسر أنَّه لا فائدة منه وأنَّ خروج الأطفال إلى العمل أكثر جدوى وفائدة، وترجع هذه الطريقة بالتفكير إلى قلة وعي الأهل وعدم إدراكهم للآثار السيئة لعمل الأطفال.
إضافة إلى التفكك الأسري أو الطلاق الذي يباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، ويشغل الأهل عن أطفالهم، أو يجبر المرأة - وخاصة في المجتمعات المحافظة - على دفع أطفالها إلى العمل بسبب غياب الأب.
لا يفلح بعض الأطفال في الدراسة، وبسبب رسوبهم المتكرر قد يتم طردهم من المدرسة، وهذا ما يدفعهم إلى البحث عن عمل، وفي بعض الأحيان لا يكون خروج الطفل من المدرسة مرتبطاً بقصور ذهني أو فشل دراسي؛ إنَّما بسبب كره الطالب للمدرسة نتيجة الأساليب المتبعة التي تكرِّهه بالدراسة في بعض الأحيان.
تغيب في كثير من البلدان القوانين والتشريعات التي تمنع عمل الأطفال، وهذا ما يزيد من ظاهرة عمالة الأطفال بسبب غياب الرادع.
ظاهرة عمالة الأطفال من أكثر الظواهر خطراً على المجتمعات، فقد تؤدي إلى العديد من المخاطر ولها كثير من الآثار السلبية، وفيما يأتي نعدد بعضاً من مخاطر عمالة الأطفال:
كما بات واضحاً أنَّ ظاهرة عمالة الأطفال من الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمع؛ لذلك كان لا بد من العمل الحثيث لإيجاد حلول لهذه المشكلة التي يبدو أنَّها تتفاقم في العالم خلال السنوات الماضية كما أشارت العديد من التقارير، وفيما يأتي سنذكر بعضاً من الحلول المقترحة لظاهرة عمالة الأطفال:
ظاهرة عمالة الأطفال في حقيقة الأمر ليست إلا النتيجة الطبيعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية التي تعيشها الكثير من الأسر في كل بقاع العالم، وهذا إن دل على شيء فإنَّه يدل على أنَّها ظاهرة عالمية تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية للحد منها والتقليل من آثارها ومخاطرها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ هناك العديد من المنظمات على مستوى العالم مهمتها العمل على محاربة ظاهرة عمالة الأطفال، ومن هذه المنظمات "منظمة العمل الدولية، منظمة اليونيسيف، مؤسسة إنقاذ الطفل، الشبكة العالمية لحقوق الطفل".