في الواقع أضحى العنف الجنسي ضد النساء وسيلة حرب تمارس في النزاعات المسلحة خاصة لقهر الطرف الآخر وإذلاله وإجباره على الخضوع، فأصبح العنف الجنسي ضد المرأة من الخصائص المميزة للنزاعات المسلحة في العصر الحالي، نظراً لتلك الحالة التي يندى لها الجبين سعت الجهات المعنية بحقوق الإنسان إلى الدفاع عن المرأة وحقوقها وتوفير الحماية القانونية الدولية لها؛ إذ أقرت مجموعة من القوانين والتشريعات لإبعاد النساء عن الأخطار المحدقة بهنَّ وحمايتهنَّ من الأعمال العدائية، وتركِّز تلك القوانين خاصة على حمايتهم من العنف الجنسي.
العنف الجنسي هو فعل ذو طبيعة جنسية يمارس ضد شخص خاضع لظروف إجبارية وقسرية وكلمة "ذو طبيعة جنسية" تحمل دلالات متنوعة فقد يتراوح بين التلفظ بألفاظ ذات إيحاءات جنسية وإكراه إلى الإيلاج، فهو لا يقتصر على العنف الجسدي؛ بل يمكن أن يكون أيضاً عنفاً شفوياً ونفسياً؛ فالعنف الجنسي يشمل الممارسات الجنسية كلها التي تحدث ضرراً لطرف العلاقة الآخر.
ترى "منال محمود المشني" في كتابها (حقوق المرأة بين المواثيق الدولية وأصالة التشريع الإسلامي) أنَّ العنف الجنسي يُقصد به: بأنَّه أي علاقة جنسية أو محاولة للحصول على علاقة جنسية أو تمهيدات جنسية أو أية أعمال موجهة ضد جنسه باستخدام الإكراه، يقترفها شخص آخر مهما كانت العلاقة القائمة بينهما وفي أي مكان، ويشمل العنف الجنسي الاغتصاب.
في تقرير خاص عن العبودية الجنسية والاغتصاب المنهجي والممارسات الشبيهة بالرق خلال فترة النزاع المسلح 1998 عُرِّف العنف الجنسي بأنَّه (أي عنف بدني أو نفسي ينفذ بوسائل جنسية أو باستهداف الجنسانية، ويغطي العنف الجنسي الاعتداءات البدنية والنفسية الموجهة إلى الخواص الجنسية للشخص، مثل حمل الشخص على التجرد من ملابسه علناً أو تشويه الأعضاء التناسلية للشخص أو تقطيع ثدي المرأة).
جاء في الإعلان العالمي لمناهضة أشكال العنف ضد المرأة في عام 1963م بأنَّه (أي فعل أو اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي ينجم عنه أو يتسبَّب في إحداث إيذاء أو معاناة وألم جسدي أو جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء في إطار الحياة العامة أم الخاصة.
يهدف المجتمع الدولي ويسعى جاهداً إلى توفير الحماية للمرأة من أشكال العنف الممارَس ضدها؛ إذ أقرَّ المجتمع الدولي تجريم العنف الجنسي من خلال:
نصت الاتفاقية في المادة 46 على احترام شرف الأسرة، وهذا يفرض الامتناع عن عمليات العنف الجنسي بحق النساء.
تضمنت هذه الاتفاقيات حماية النساء في أوقات النزاعات المسلحة من اعتداءات محددة، فقد أرست اتفاقية جنيف الرابعة لحماية السكان المدنيين، والذي تضمن حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولا سيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن.
أكَّد البرتوكول الأول في مادتي (75 و76) على أن تكون النساء موضع رعاية واحترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية ضد الاغتصاب والإكراه والدعارة وضد أي صورة من صور خدش الحياء.
نصَّ البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف على حظر انتهاك الكرامة الإنسانية والاغتصاب والإكراه على الدعارة بصورة شاملة مكاناً وزماناً، وكل ما من شأنه خدش الحياء.
تُعدُّ هذه الاتفاقية بمنزلة إعلان عالمي لحقوق المرأة وخطوة جادة في طريق حماية المرأة من أشكال التمييز ضدها؛ إذ تضمنت موادها فرض التزامات على الدول لحماية المرأة، فقد نصت المادة السادسة من هذا الاتفاق على أن (تتخذ جميع الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، ومن ذلك التشريعية منها لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة).
دخل هذا الميثاق حيز النفاذ في عام 1986م، وقد أكَّد سلامة المرأة الجسدية والمعنوية وعُدَّ ذلك من الحقوق الثابتة لها، والتي لا يجوز الإخلال بها، ولا يجوز الاعتداء عليها بأي شكل، وإلا عُدَّ ذلك إجراء تعسفياً، وهذا يدخله في نطاق العنف الجنسي.
أكَّد هذا الإعلان حق الإنسان بالتمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز من أي نوع، كما نصت المادة الرابعة من هذا الإعلان على (أنَّه لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما).
وضع هذا الإعلان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1967م، التزاماً على الدول باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الاتجار بالمرأة واستغلال بغائها.
أكَّد هذا الإعلان في مواضع عدة أنَّ العنف الجنسي من أعمال العنف ضد المرأة، وجاء في المادة الثانية منه، يفهم بالعنف ضد المرأة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:
صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في عام 1993م، وعبَّر عن قلقه تجاه الانتهاكات بحق المدنيين، لا سيما النساء في زمن النزاعات المسلحة.
صدر إعلان بكين عن المؤتمر العالمي لحماية المرأة المنعقد في بكين عام 1995م؛ إذ ركَّز على الحقوق التي يجب أن تتمتع بها المرأة، كما أشار إلى خطر النزاعات المسلحة على حقوق المرأة.
تعاني المرأة منذ الأزل جميع أشكال العنف والسلوكات الموجَّهة ضدها، ونظراً لتلك الحالة أخذ موضوع حماية المرأة بُعداً دولياً وأصبح من الموضوعات الرائجة على المستوى العالمي؛ إذ دأبت منظمة الأمم المتحدة على محاربة العنف ضد المرأة في أوقات الحرب والسلم، إضافة إلى تعزيز حقوقها والسير بها نحو المساواة مع الرجل؛ لأنَّ العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان وجريمة تستهدف الإنسانية؛ فالعنف هو من الأفعال المشينة التي تهدد حق المرأة في الحياة وتهدد أمن المجتمع وإنسانيته.