إنكار الصدمة: كيفية التعرف إليها وسبب أهميتها

إنكار الصدمة: كيفية التعرف إليها وسبب أهميتها
(اخر تعديل 2024-05-09 06:07:14 )
بواسطة

قد تعتقد أنَّ تجنب إثارة كل تلك المشاعر هو أمر جيد، وفي الأمد القصير قد يكون ذلك صحيحاً، ففي الواقع قد يكون الإنكار مفيداً وضاراً على حد سواء، ولكن لنكن عادلين؛ إذ ليست كل صدمة تؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد، ويستطيع بعض الأشخاص التعافي والمضي قدماً، ومع ذلك بالنسبة إلى الكثير من الناس الذين تعرضوا لصدمةٍ كبيرةٍ يكون تخطيها صعباً، بَيد أنَّ التخطي يثير الرعب تماماً، كما لو كنت تبقى في المكان الذي أنت فيه، ويمكن أن تؤدي الصدمة غير المحلولة إلى مشكلات كبيرة في الوظائف والحفاظ على نوعية الحياة الصحية.

ما هي الصدمة؟

الصدمة هي استجابة عاطفية لتجربة حدث محزن أو مرعب، فعندما تفكر في الصدمة ربما تتخيل تجارب مدمرةً أو تهديداً للحياة مثل الاعتداء، أو المواجهة، أو الأحداث الكارثية، وغالباً ما ترتبط هذه التجارب باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو ما يعترف به معظم الناس عند الحديث عن الصدمة.

بعض التجارب المرتبطة بالصدمات:

  • إساءة المعاملة في الطفولة أو الإهمال الشديد.
  • الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
  • حوادث خطيرة مثل: تحطم الطائرات أو حوادث السيارات الخطيرة.
  • التعرض أو تجربة العنف الأسري.
  • الكوارث الطبيعية.
  • القتال أو العيش في منطقة تشهد حرباً.
  • التعرض لإصابة خطيرة أو شهادة حالة وفاة.
  • تجارب الاقتراب من الموت مثل: المرض الذي يهدد الحياة.

الصدمات الصغيرة:

ما قد لا تدركه هو أنَّ الصدمة قد تأتي أيضاً من تجارب ليست واضحة كصدمات، ويُشار إلى هذه التجارب أحياناً باسم "صدمات صغيرة"، ولكن ليس فيها شيء صغير، فقد تكون هذه الصدمات الصغيرة مؤثرة ومدمرة بنفس القدر، ولأنَّها لا تتناسب مع الفهم الشائع لما هي الصدمة، فيمكن أن يتم تجاهلها أو تجاوزها.

تعريف الصدمات الصغيرة:

الصدمات الصغيرة هي تلك التجارب الصغيرة والأكثر شخصية التي تؤدي إلى إجهاد كبير وتتجاوز قدرة الشخص على التعامل مع تجربته، وإنَّها الأحداث التي عادةً لا تشكل تهديداً على الحياة، ولكنَّها تعوق الحياة أو تغيرها بشكل كبير بما يكفي لتجعلك مضطرباً عاطفياً.

أمثلة عن الصدمات الصغيرة:

  • انتقالاً مفاجئاً أو مرهقاً.
  • فقدان وظيفة أو تغييراً فيها.
  • التنمر.
  • الطلاق أو الانفصال المعقد أو غير المتوقع.
  • مرضاً شديداً.

إنكار الصدمة:

إنَّ إنكار الصدمة هو وسيلة لترك مسافة بينك وبين تجربة مرهقة، وهي قد تكون من إحدى الطرائق التي يحاول بها دماغك التكيف وتخفيف انهيار الواقع أو الفوضى التي تحدث، والتي قد تحدث غالباً بعد حدث صادم، وكما قد تتخيل فربما يكون الإنكار ذا فائدة هائلة.

فوائد إنكار الصدمة وآثاره:

قد يكون إنكار الصدمة مفيداً في الأمد القصير، وإنَّه يسمح للناجين من الصدمة بالوقوف والعودة إلى وضعهم الطبيعي، ومع ذلك تبدأ بعد فترة الراحة التي نعتاد الاعتماد عليها في الانهيار، وذلك إذا أُعطيت ما يكفي من الوقت.

يتسبب إنكار الصدمة المستمر في مزيد من المعاناة، وعلى الرغم من أنَّ ناجي الصدمة قد يتعلم كيفية إخفاء هذه التجربة غير السارة من ماضيه، إلا أنَّ جسمه وعقله سيستمران في حملها حتى يواجهها.

مواجهة أعراض الصدمة ليست سهلة، ولكنَّها قد تكون مجزية، ويمكن أن تساعدك على النمو ودمج أجزاء ماضيك بحيث تشعر بالاستقرار وتحقيق الذات والكمال.

إنكار الصدمة

إنكار الصدمة بوصفه آلية دفاع:

الإنكار هو آلية دفاع، ويُعرف أيضاً بعملية عقلية فعَّالة تعمل بوصفها درعاً واقياً يساعدك على التكيف، ويمكن أن يساعدك على تقليل تأثير الحدث في حياتك.

غالباً ما يحدث إنكار الصدمة عندما يكون وطئ الصدمة كبيراً لدرجة أنَّه من الأمان نفسياً دفن، أو إنكار، أو قمع، أو تجنب ما حدث بدلاً من قبول أنَّ الصدمة حدثت بالأساس.

الوظيفة النفسية للإنكار هي دفع المعلومات المرهقة جانباً لتوفير بعض الوقت، ومنحك مساحة للتنفس بعد تجربةٍ صادمة، وقد تكون هذه عملية واعية أو عملية لا واعية، ولكن الإنكار ليس العملية النفسية الوحيدة التي قد تحدث بعد الحدث الصادم، فقد تعيش أيضاً تجارب مثل:

الإنكار مقابل تجنب العواطف:

يترك الإنكار وتجنب العواطف كلاهما مسافةً بينك وبين تجربة صادمة، ولكنَّهما مختلفان قليلاً:

  • الإنكار يشوه الحقائق والأحداث من خلال تجاهل وجود الفيل في الغرفة، وذلك بالمعنى الحرفي؛ إذ لا يوجد اعتراف بوجود مشكلة.
  • التجنب من ناحية أخرى قد يكون محاولة لدرء الشعور بالعواطف المؤلمة من خلال الانسحاب أو الانفصال أو تجنب تجارب محددة.
  • قد يشمل تجنب العواطف أيضاً تجنب المواقف أو التفاعلات التي قد تصبح عاطفية بأي شكل من الأشكال، وعلى سبيل المثال الإنكار هو القول والاعتقاد بأنَّ التجربة الصادمة لم تؤثر فيك.
  • تجنب العواطف من ناحية أخرى قد يتظاهر في استخدام الكحول لتجنب التفكير في الحدث أو الشعور بالانعزال عن الأصدقاء والعائلة بشكل عام.

بعض الإحصاءات عن انتشار الصدمات:

الصدمة أكثر شيوعاً مما قد تعتقد، وفي الواقع يُقدر أنَّ حوالي 6 من كل 10 رجال و5 من كل 10 نساء سيختبرون على الأقل صدمةً واحدةً، والنساء أكثر عرضةً لتجربة الاعتداء الجنسي والاعتداء الجنسي على الأطفال، بينما يكون الرجال أكثر عرضة لتجارب الحوادث والاعتداء الجسدي، والقتال، والكوارث، أو مشاهدة إصابة خطيرة أو وفاة، وعلى الرغم من أنَّ الرجال يميلون إلى تجربة مزيد من الصدمات، إلا أنَّ النساء يتعرضن لمخاطر أعلى بكثير لتطوير اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

ما هي استجابة الصدمة؟

بعد تجربة الصدمة قد تكون التأثيرات فورية وواضحة جداً، مثل: الذكريات الفورية، التغيرات في المزاج، اليقظة المفرطة، ومشكلات النوم، وتوجد تأثيرات أخرى أكثر دقة وتظهر مع مرور الوقت، مثل صعوبة التفاعل في المنزل أو العمل، الانعزال عن الآخرين، وتجنب بعض الحالات.

الصدمة لديها طريقة في إقناعنا بأنَّ التحدث عنها ليس صحيحاً بطريقة ما، فالتحدث عما حدث هو أمر صعب، فقد تشعر بالوحدة وبأنَّ الآخرين لن يتفهموك، وقد تشعر بالحرج من الحديث عنها، ومن ثم تدفعها إلى باطن عقلك، وتكبحها، وتستمر في الامتناع عن التحدث عنها، ولكن لماذا نثير كل تلك الذكريات المؤلمة؟

هل يمكن أن يكون إنكار الصدمة مفيداً؟

يمكن أن يكون الإنكار فعلاً مفيداً وذلك في الأمد القصير، وإنَّه يعمل حاجزاً واقياً، ويتم به قمع الذكريات والعواطف؛ إذ لديك الوقت والمساحة لفهم ما حدث، وإنَّها وسيلة دماغك لحمايتك حتى تكون في حالة عاطفية أكثر استقراراً وجاهزة للتعامل مع الصدمة، ولكن ليس كل شخص يختبر صدمةً ستكون لديه مشكلات مستمرة أو سيحتاج إلى خدمات احترافية، ولدى بعض الأشخاص ولأسباب ليست مفهومة تماماً مرونة أكبر، ويمكنهم المضي قدماً من الصدمة بشكل أسهل، وتشير بعض الأبحاث إلى أنَّه في بعض الظروف الأشخاص الذين يقللون أو ينكرون تجاربهم الصادمة لديهم انحياز قوي لخدمة الذات، ويبدو أنَّها تساعدهم على حماية أنفسهم من تطوير مشكلات صحية عقلية أخرى.

يختبر الناجون من الصدمة ظاهرة تعرف باسم النمو ما بعد الصدمة، فيتمكنون من العثور على جوانب إيجابية فيما حدث لهم، ويشعرون بتقدير جديد للحياة والامتنان، ويشاركون بشكل أكبر مع أحبائهم، وقد تعتقد أنَّ الطريقة المثلى تكون في التحدث عن صدمتك على الفور، ولكن هذا ليس صحيحاً تماماً، وفي الواقع يمكن أن يكون الإنكار مفيداً، وبخاصة في الأيام الأولى بعد تجربة الصدمة، كما يمنح الإنكار الدماغ في الأمد القصير الوقت الكافي لاستيعاب ومعالجة ما حدث والتحضير للخطوة التالية.

كيفية التعافي من الصدمة، ولماذا؟

التعافي من الصدمة يحتاج إلى وقت، ولكنَّه أمر ممكن، فعندما تستطيع التعامل معها تشعر وكأنَّك تتخلص من حقيبة ثقيلة لم تكن تعلم حتى بوجودها، وعندما تصل أخيراً إلى الجانب الآخر من الصدمة تُتاح لك مجموعة جديدة من المشاعر: الراحة، الاكتمال، الخفة، التحرر، والفرح.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

لبدء مسار التعافي إليك هذه الطرائق للتحكم في سلوكات التجنب:

1. الدعم المهني:

على الرغم من أنَّ التفكير في البحث عن المساعدة قد يكون مخيفاً، إلا أنَّ الأخصائيين المدربين على التعامل مع الصدمات مدربون لمساعدتك على معالجة الصدمة ودمجها بطريقة آمنة ومناسبة.

وأحد الأوهام الشائعة التي تمنع العديد من الناجين من البحث عن المساعدة هو فكرة أنَّه يجب عليك إعادة سرد كل تفصيل دقيق لما حدث لك، وهذا ليس صحيحاً، فيمكنك المشاركة في علاج الصدمات التحولي ولن تصف الأحداث كلامياً أبداً، وسيساعدك أخصائيُّ الصدمة الجيد على استخدام جسمك، والفن، وغيرها من الوسائل التعبيرية للتعامل مع صدمتك.

2. المساعدة الذاتية:

تستكشف هذه العملية التعافي مع محترف في الصحة النفسية، وقد يكون من المفيد أيضاً المشاركة في نشاطات تغذي عقلك، وجسمك، وروحك، وتشمل:

قد تجد أيضاً أنَّه من المفيد قراءة كتب عن التعافي من الصدمة، وتشمل بعض الكتب الموصى بها من قبل الأخصائيين:

  • "The Body Keeps the Score" بقلم بيسل فان دير كولك.
  • "Trauma and Memory" بقلم بيتر إيه. ليفين.
  • "Trauma and Recovery" بقلم جوديث هيرمان.

3. لا يوجد نهج يناسب الجميع:

تؤثر الصدمة في الأفراد بطرائق مختلفة، والتعافي منها هو عملية فريدة لكل شخص، وأن تسمح لنفسك بالميل نحو النهج الذي يشعرك بالراحة قد يكون مفيداً في تعزيز عملية التعافي الخاصة بك، وهناك طرائق متعددة يمكنك الاختيار فيما بينها كما تشاء، ومنها: التحدث إلى طبيب، أو استشاري نفسي، أو عالم نفس، أو رجل دين مدرب على التعامل مع الصدمات.

في الختام:

إنَّ سيكولوجيا الإنكار بسيطة؛ بل إنَّها وسيلة لدماغك للحفاظ على سلامتك، وهي عملية طبيعية مصممة لمساعدتك على الاستمرار في حياتك، ولكن على الأمد الطويل قد يحول الإنكار بينك وبين السلام الداخلي أو الرباط الحميم مع الآخرين، ومن ثم يكون الخروج من حالة الإنكار أمراً صعباً، ولكن قد يكون ذلك مستحقاً.

أن تكون في حالة إنكار يمنح القوة للماضي، ومواجهة صدمتك تمنح السيطرة والقوة لك، هنا والآن.