5 خطوات لزيادة المرونة النفسية

5 خطوات لزيادة المرونة النفسية
(اخر تعديل 2024-04-20 06:00:16 )
بواسطة

يبحث المقال في موضوع المرونة النفسية والتكيف مع الظروف الصعبة، وعلى الرغم من كثرة الأبحاث والدراسات التي عُنِيت بمناقشتها، فإنَّك قلَّما تجد أفكاراً مفيدة وفعَّالة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.

تشمل الممارسات الشائعة التفاؤل والإيمان بأنَّ الأوضاع ستتحسن دون تطبيق خطوات أو إجراءات عملية، ويُحكَى أنَّ هذه الممارسات كفيلة بتغيير حياة الفرد وتحسينها، ولكن أنَّى لأحوالك أن تتحسن وأنت لا تحرِّك ساكناً؟

قدَّمَت الدراسات العلمية منهجية مؤلفة من 5 خطوات لمساعدة الأفراد على تعزيز قدراتهم على التكيف مع الظروف الصعبة وزيادة مرونَتهم النفسية.

نشر الأستاذان "غابرييلا روزن كيلرمان" (Gabriella Rosen Kellerman)، و"مارتن سيليغمان" (Martin Seligman) كتاباً جديداً يحمل عنوانَ "عقلية المستقبل: كيف تستثمر المرونة النفسية، والإبداع، والعلاقات في تحقيق النجاح المهني الآن وفي المستقبل المجهول" (Tomorrowmind: Thriving at Work with Resilience, Creativity, and Connection—Now and in an Uncertain Future.).

5 خطوات لزيادة المرونة النفسية:

فيما يأتي 5 خطوات لتعزيز المرونة النفسية في الأوقات العصيبة:

أولاً: التحلي بالانضباط العاطفي

يمكن أن تقسو الحياة في بعض الأحيان وتسوء الأحوال، وتسيطر العواطف السلبية مثل القلق والتوتر على الحالة النفسية للفرد، وعندها يخطر له أن يتوقف عن السعي ويستسلم.

يحتاج الإنسان في مثل هذه الظروف إلى تحليل عواطفه وضبطها حتى يتسنَّى له أن يفكِّر بوضوح ويقيِّم الوضع بعقلانية، وهنا يبرز دور الانضباط العاطفي الذي يساعد الفرد على إدارة عواطفه واتخاذ القرارات الصائبة.

ثمة خطوتان لتطبيق الانضباط العاطفي:

1. التروِّي وعدم السماح للعواطف السلبية بالسيطرة على السلوكات:

تنشط اللوزة الدماغية في الأوقات العصيبة وتحفز مشاعر القلق تجاه الوضع الراهن، ومن ثم تدفع الفرد إلى تضخيم الأمور وإعطائها أكبر من حجمها، وتلحق هذه المشاعر أذية نفسية بالغة وتسيطر على شخصية الفرد، لهذا السبب يُنصَح بإدراكها والحد من تأثيرها في عملية اتخاذ القرار، ومن ثم عليك أن تلاحظ عواطفك وتصنفها وتعرِّفها وتفصلها عن شخصيتك، وتدرك أنَّها لا تمثلك، كما يمكنك أن تركز على جسدك حتى تعرف ما هو حقيقي وتدرك أنَّ أفكارك السلبية لا تعدو كونها مجرد أوهام محضة لا تؤثر في حياتك، فجسدك المادي حقيقي ولكنَّ أفكارك السلبية أوهام محضة.

إنَّ إدراك العواطف السلبية وتسميتها، والتركيز على الجسد يساهم في تهدئة الخلايا المسؤولة عن استجابة القلق في المادة الرمادية للدماغ.

2. إعادة تقييم الوضع:

يتم استخدام هذه الخطوة في "العلاج المعرفي السلوكي" (CBT) الذي يُعَد من أفضل تقنيات العلاج النفسي المتوفرة في الوقت الحالي، وتقتضي هذه الخطوة إعادة تقييم العواطف والتحقق من صحتها بطريقة الإجابة عن أسئلة من قبيل: هل الوضع فعلاً بهذا السوء؟ هل هذه المشاعر سوية أم مبالغ فيها؟ هل سبق لك أن تعاملت مع تجربة مماثلة؟ والأهم من هذا كله؛ هل كانت هذه المشاعر السلبية مفيدة في التجارب السابقة؟

يكون أحياناً التفكير المنطقي هو جل ما تحتاج إليه حتى تعي أنَّك تبالغ في رد فعلك، وتستعيد اتزانك العاطفي وتهدِّئ من روعك.

تساعدك هذه الإجراءات على الحد من مشاعر القلق والتشاؤم، ولكنَّها لا تزودك بالدافع اللازم لمواصلة العمل مجدداً، وهنا يبرز دور التفاؤل.

شاهد بالفديو: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة

ثانياً: التحلي بالتفاؤل

يسيطر القلق والتشاؤم على نظرة الإنسان وموقفه تجاه الحياة في الأوقات العصيبة، وقد يبرر ضعفه واستسلامه بصعوبة الوضع ويرى أنَّ رد فعله طبيعي، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب.

أجرى عالم النفس الأمريكي "مارتن سيليغمان" في ستينيات القرن الماضي مجموعة من الدراسات عن موضوع "العجز المكتسَب" (learned helplessness).

كان يُعتقَد أنَّ الإصابة بالاكتئاب والاستسلام في الأوقات العصيبة هي استجابة طبيعية ومشتركة بين جميع الأفراد، ودحضت نتائج دراسات "سيليغمان" هذه الأفكار، فقد اكتشف أنَّ ثلث المشاركين في الدراسة لا يستسلمون أبداً خلال الأوقات العصيبة.

ينجم ثبات هؤلاء الأشخاص عن موقفهم الإيجابي والعقلاني تجاه ما يحدث في حياتهم بطريقة التعامل مع الظروف الصعبة على أنَّها مؤقتة، ومحدودة التأثير، وقابلة للحل، وتساعد هذه العقلية على التأقلم مع الظروف الصعبة ومواجهتها، وهي تُعدُّ التطبيق العملي لمفهوم التفاؤل.

يصنف الفرد الظروف التي يتعرض لها إلى "صعبة" أو "متوسطة الصعوبة" بناءً على وجهات نظره الشخصية، ويقول "سيليغمان": إنَّ "تقييم صعوبة الوضع يعتمد على تصوُّر الفرد عن مدى قدرته على تجاوزه"، وهذا يعني أنَّ نظرة الفرد تجاه نفسه وقدراته تتحكم في عملية التقييم.

يحاول الإنسان المتفائل مراراً وتكراراً لأنَّه يثق بقدرته على تجاوز الظرف الصعب، ويقتضي التفاؤل النظر إلى الأزمة بطريقة تقنعك بمواصلة السعي والعمل، وهنا يبرز التساؤل الآتي: كيف تصبح متفائلاً؟

يكمن الحل بكل بساطة في تصوُّر مستقبل مشرق، لذا تخيَّل مستقبلك وليكن بعد 15 سنة على سبيل المثال، وتصوَّر أنَّك لقيت الخير والتوفيق في جميع جوانب حياتك، وتمكنتَ من مزاولة المهنة التي تحبها، وإحراز النجاح على الصعيد المهني والشخصي والاجتماعي؛ أي إنَّك حققت جميع أحلامك وطموحاتك، لذا عليك أن تخصص حوالي 10 دقائق للكتابة عن هذه التفاصيل، وتتصور نمط حياتك المستقبلي، وتفكر في شعورك وموقفك تجاهه.

هذا التمرين سهل وبسيط وممتع وفعَّال وفقاً لما يزيد عن 30 دراسة، وهو يساهم في زيادة مستويات التفاؤل وتحسين الصحة الجسدية على حدٍّ سواء.

ثالثاً: زيادة المرونة المعرفية (Cognitive Agility)

إنَّ الشخص الذي يميل للتفكير الكارثي يعاني من مستويات متدنِّية من المرونة النفسية ويكون أقل قدرة على التأقلم مع الظروف الصعبة مقارنةً مع غيره، لذا دائماً ما يفكر مثل هذا الشخص بأسوأ احتمال ممكن، فإذا تأخرت زوجته عن المنزل على سبيل المثال، فافترض أنَّها تعرضت لحادث أليم وفارقت الحياة.

ليس ثمة فائدة تُرجَى من التفكير بأسوأ الاحتمالات الممكنة، وقد تم إجراء دراسة على 70000 جندي أمريكي، وبيَّنت النتائج تزايد معدلات الإصابة "باضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية" (PTSD) لدى الجنود الذين يهولون الأمور ويتخيلون أسوأ الاحتمالات الممكنة.

يعبِّر مصطلح "المرونة المعرفية" عن قدرة الفرد على التفكير بكافة الاحتمالات الممكنة قبل أن يختار أحدها ويتصرف بناءً عليه، ويتسنى للفرد بهذه الطريقة أن يدرس كافة الاحتمالات ويركز على الخيار الواقعي والمنطقي بدلاً من أن يفكر بأسوأ الاحتمالات، وهنا يبرز السؤال الآتي: كيف يمكن زيادة المرونة المعرفية؟

يتم ذلك عبر استخدام تمرين "التقدير العقلاني للموقف" قبل أن تفترض أسوأ الاحتمالات.

يقتضي التطبيق العملي للتمرين التفكير بكافة الاحتمالات الممكنة بدلاً من التركيز على الاحتمال الأسوأ، لذا يجب أن ترسم خطاً على ورقة فارغة، وتكتب كلمة "أسوأ" في أقصى يسار الخط، وكلمة "أفضل" في أقصى يمينه، وتقتضي الخطوة التالية أن تكتب أسوأ سيناريو محتمل وليكن التعرض لحادث سير تحت كلمة "الأسوأ"، وأفضل سيناريو محتمل تحت كلمة "أفضل" وليكن أنَّ زوجتك مشغولة بشراء هدية باهظة الثمن من أجلك.

عليك أن تفكر بعد ذلك في بعض الاحتمالات الممكنة وتكتبها في منتصف الخط، ويمكن أن تشمل هذه الاحتمالات الممكنة أنَّ زوجتك تأخرت بسبب الازدحام المروري على سبيل المثال، وعندها ستدرك أنَّ الأمور ليست بالسوء الذي تخيلته أول وهلة، وأنَّك بالغت في رد فعلك الأولي.

يساعدك هذا التمرين على تعلُّم تطبيق "نصل أوكام" (Occam s Razor) الذي يُستخدَم في حل المشكلات بطريقة الافتراض بأنَّ الحل الأبسط هو الحل الصحيح في أغلب الأحوال، وثمة نوع آخر من السلبية التي تدفع الفرد إلى الاستسلام، وهي أصعب من سابقتها، وتنجم عن شعور الفرد بالذنب تجاه ما حدث، وكأنَّه المسؤول المباشر عن الظرف الصعب، وهنا تبرز أهمية العطف الذاتي.

شاهد بالفديو: 6 طرق في التعامل مع الضغط النفسي

رابعاً: ممارسة العطف الذاتي

عليك أن تسأل نفسك عندما تقترف خطأ ما: ماذا أفعل بالعادة عندما يقترف أحدهم خطأ ما؟

يجب أن تجيب عن هذا السؤال قبل أن تبدأ بتقريع ولوم ذاتك وتحميلها ذنب ما حدث، فلا شك أنَّك تغفر أخطاء الآخرين، وتشرح "كريستين نيف" (Kristin Neff) الباحثة في مجال التعاطف مع الذات وأستاذة علم النفس في "جامعة تكساس في أوستن" (University of Texas at Austin) أنَّ العطف الذاتي يقتضي أن يطبق المرء على نفسه التعاطف الذي يبديه تجاه الآخرين عندما يفشلون أو يقترفون الأخطاء.

لا شك أنَّك تهدِّئ من روع أصدقائك عندما يبالغون في رد فعلهم وتخبرهم بأنَّ الوضع ليس سيئاً إلى هذا الحد، ولكنَّك بالمقابل لا تتعاطف مع نفسك عندما تتعرض لظرف عصيب وتبدأ بتهويل الأمور والمبالغة برد فعلك، وهنا تكمن المفارقة.

يمكن تعزيز شعور العطف الذاتي خلال الأوقات العصيبة بطريقة الافتراض بأنَّ الأزمة التي تمر بها تحدث مع أحد أحبتك، لذا ماذا ستشعر في هذه الحالة؟ وماذا ستقول لتهدِّئ من روعه؟ وماذا ستفعل لِتدعمه؟

يجب أن تتحدث إلى نفسك بلهجة لطيفة وداعمة، وتتعاطف معها ما أمكنك، وعلى فرض أنَّك نجحت في التعامل مع مشاعرك واحتوائها، ولكنَّك من ناحية أخرى غير واثق من قدرتك على التصرف بشكل سليم لتجاوز المشكلة القائمة، فعندئذٍ يجب عليك أن تعمل على تعزيز كفاءتك الذاتية.

خامساً: تعزيز الكفاءة الذاتية

وضع عالم النفس "ألبرت باندورا" (Albert Bandura) أسس مفهوم الكفاءة الذاتية في فترة الثمانينيات، ويعبِّر مصطلح "الكفاءة الذاتية" عن إيمان الفرد بقدرته على التحكم بأفعاله وتصرفاته والعوامل التي تؤثر في حياته.

تحدد مستويات الكفاءة الذاتية مدى براعتك في تأدية مهام العمل، وقدرتك على تحقيق أهدافك الشخصية والمهنية، وهي تتعلق بشكل مباشر بمفهوم الإرادة الذي يعبر عن إيمان الفرد بقدرته على تحقيق الإنجازات وإحداث التغييرات في العالم من حوله على النقيض من مفهوم العجز، وهنا يبرز التساؤل الآتي: كيف يمكن تنمية الكفاءة الذاتية؟

يمكن تعزيز مشاعر الثقة بالنفس والإرادة بطريقة إتقان مهارة أو تأدية عمل ما بطريقة احترافية، وتؤثر هذه المشاعر في باقي المهارات والأعمال والمهام، ومن ثم يجب عليك أن تعمل على تحقيق بعض الأهداف حتى تغير نظرتك تجاه نفسك وتزيد ثقتك بقدرتك على التحكم في حياتك وتحقيق الإنجازات التي تصبو إليها.

يُستحسَن أن تبدأ العمل على هدف بسيط وتُنجزه ثم تنتقل لهدف أكبر وهكذا دواليك، فتتولد الثقة بالنفس في مثل هذه الحالة بقدرتك على تحقيق الإنجازات على أرض الواقع، وتساعدك هذه الطريقة على تعزيز قوة إرادتك في كافة جوانب الحياة الأخرى.

يجب عليك أن تعمل بجد على اكتساب ثقتك بنفسك بطريقة تحسين أدائك وتعزيز قدرتك على الإنجاز وتجاوز التحديات؛ لهذا السبب بعينه يجب تجنب الاستسلام، لأنَّ المستسلم يعلن فشله بسرعة ويعتقد أنَّه إنسان فاشل وعاجز عن تحقيق الأهداف بناءً على تجاربه الشخصية، لذا يجب عليك أن تغير سلوكاتك حتى تتغير تجربتك الحياتية، ونظرتك تجاه نفسك، وتزداد مرونتك النفسية.

ملخص لزيادة المرونة النفسية:

  • التحلي بالانضباط العاطفي: لا يمكنك أن تتخذ قرارات حكيمة عندما تكون منفعلاً، لهذا السبب يجب عليك أن تتروَّى، وتفصل هويتك عن حالتك الانفعالية، وتلاحظ عواطفك وتصنفها حسب الاسم وتعيد تقييمها، وتقدِّر صعوبة الوضع بطريقة عقلانية.
  • التحلي بالتفاؤل: من الطبيعي أن يستسلم الفرد عندما يعجز عن رؤية بارقة أمل ولا يتوقع الخير ولا النجاح من تجربته، ويقتضي الحل في هذه الحالة أن تتصور مستقبلاً مشرقاً، وتتعامل مع المشكلة على أنَّها مؤقتة ومحدودة التأثير وقابلة للحل.
  • زيادة المرونة المعرفية: من الطبيعي أن ترغب بالاستسلام عندما تتصور أسوأ احتمال ممكن، يقتضي الحل في هذه الحالة أن تفكر بمزيد من الاحتمالات ولا تركز على الاحتمال الأسوأ.
  • ممارسة العطف الذاتي: عليك أن تعامل نفسك باللطف والرفق والعطف الذي تعامل به الآخرين.
  • تعزيز الكفاءة الذاتية: يمكنك أن تعزز مشاعر الثقة بالنفس وتقوي إرادتك بطريقة تحقيق الإنجازات التي تساعدك على تغيير نظرتك تجاه نفسك، ويُستحسَن أن تبدأ العمل على تحقيق أهداف بسيطة حتى تتغير نظرتك تجاه نفسك وتصبح واثقاً من قدرتك على تحقيق الإنجازات.

في الختام:

يتعرض الجميع دون استثناء للظروف الصعبة في حياتهم، ويكمن الحل في تغيير الموقف تجاه الظرف الصعب وطريقة الاستجابة له، والأهم من هذا كله أن تطبق الخطوات آنفة الذكر، وتعي أنَّك قادر على التحكم في حياتك.

تذكر الأوقات الصعبة التي تعرضت لها ونجحت بتجاوزها في السابق، والمواقف العصيبة التي صارت قصصاً طريفة ترويها للآخرين، وتذكر أنَّ المصائب لا تدوم، وأنَّها ستصبح ذكريات وقصصاً تتعلَّم منها وترويها للآخرين.