ما هو إدمان العمل؟ وما الفرق بينه وبين الإخلاص

ما هو إدمان العمل؟ وما الفرق بينه وبين الإخلاص
(اخر تعديل 2024-04-22 05:56:14 )
بواسطة

سوف نستكشف في هذا المقال مفهوم إدمان العمل، وهل يوجد فرق بينه وبين الإخلاص في العمل؟ سنعرف الخط الفاصل بين الإخلاص في العمل وإدمانه، متسائلين عن التأثيرات النفسية والصحية، وكيف يمكن تشخيص وعلاج هذه الحالة.

هل يكون الإنسان مدمناً على العمل؟

نعم، إنَّ إدمان العمل هو حالة حقيقية، فقد ابتكر عالم النفس "واين إي. أوتس" مصطلح "مدمن العمل" في كتابه عام 1971 "اعترافات مدمن عمل: حقائق عن إدمان العمل"، ووفقاً لـ "أوتس" يشعر مدمنو العمل بـ "الإجبار أو الحاجة غير المتحكم بها للعمل بلا توقف"، ومشابهة لإدمان الكحول (والإدمانات الأخرى)، يُعرَف إدمان العمل بأنَّه يسبب ضرراً لصحة الفرد وسعادته وعلاقاته الشخصية وقدرته على التفاعل الاجتماعي.

على الرغم من ذلك، يعدُّ 48% من الأمريكيين أنفسهم مدمنين على العمل، وكثير منهم يرون ذلك تمييزاً فخرياً، فكونك "مدمن عمل" غالباً ما يكون مرادفاً للتفاني والطموح والمبادرة، ويحث المديرون الموظفين بشكل دائم على تخطي "المتوقع"، وتُمنَح زيادات الراتب والترقيات والمزايا الأخرى لأولئك الذين يتحملون "مسؤوليات إضافية"، وإذا رفض الموظف مهمة لأنَّها لا تندرج ضمن واجباته، فإنَّه يتعرض للخطر بأن يُنظَر إليه على أنَّه غير "مخلص لعمله".

مع ذلك، يقوم الباحثون المعاصرون، مثل الدكتورة "ماليسا أ. كلارك" بتحديد فارق هام بين "إدمان العمل" و"الإخلاص في العمل"، ووفقاً لـ "كلارك" يكمن الفارق في الدافع، فـ "العاملون المخلصون يذهبون إلى العمل لأنَّهم يجدون فيه متعة ذاتية - إنَّهم يستمتعون به حقاً - بينما يذهب مدمنو العمل إلى عملهم لأنَّهم يشعرون بإجبار داخلي للقيام بذلك"، إذاً، كيف يمكنك التمييز بين موظف يعاني من اضطراب الإدمان وآخر مخلص؟ المفتاح يكمن في تحديد ما يحرك سلوكهما.

ما هي أسباب إدمان العمل؟

على غرار إدمان المواد الكيميائية، توجد أسباب متعددة تفسر لماذا يصبح شخص مدمناً على العمل:

1. السبب الأول والأكثر أساسية هو أنَّ إدمان العمل يحقق حاجة نفسية أساسية:

على غرار الكحول أو المواد الأخرى، قد يتحول العمل إلى وسيلة للهروب، فبدلاً من المواجهة والتعامل مع المشاعر والمواقف غير المريحة أو غير المرغوبة، يغمر الفرد نفسه في مهام العمل.

قد يهرب العامل من الواقع إلى عمله للعمل ساعات إضافية خارج ساعات العمل العادية، أو قد يكون هذا الهروب أكثر تمثيلاً، وربما بدلاً من التركيز على الحياة العائلية أو الديناميات الشخصية، يفكر في موضوعات متعلقة بالعمل.

2. قد ينشأ إدمان العمل نتيجة للتعويض الزائد:

إذا شعر شخص ما بقلة الكفاءة في مجال حياته الآخر - العائلة، والحياة الاجتماعية، والهوايات، وغير ذلك - قد يكرس وقتاً وطاقة زائدين لمهام ذات صلة بالعمل لتحقيق الشعور بالكفاءة والتأكيد.

شاهد بالفديو: 5 علامات تدل على إدمانك للعمل

3. قد يكون العامل أيضاً يعيش أنماطاً قديمة:

قد يكون ذلك متعلقاً بعدم القدرة على وضع حدود، أو محاولات للحصول على الموافقة، أو آلية تكيف متعلقة بالصدمة.

مع ذلك، قد يكون إدمان العمل نتيجة لحالات صحية نفسية أساسية أو مترافقة، مثل اضطراب الوسواس القهري أو اضطراب الاكتئاب ثنائي القطب، إضافة إلى ذلك، قد يسبب إدمان العمل حالات مثل الاكتئاب إذا لم تتم معالجته.

ما هي أعراض إدمان العمل؟

قد يُظهِر شخص يعاني من إدمان العمل علامات كلاسيكية، مثل العمل لساعات طويلة، وإيلاء العمل أولوية على حساب المسؤوليات والالتزامات الأخرى، أو الهوس بالنجاح المتعلق بالعمل، ومع ذلك، قد تظهر هذه الأعراض بشكل مختلف في أشخاص مختلفين.

حدد الطبيب النفسي "برايان روبنسون" أربعة أنواع من مدمني العمل:

  • مدمنو العمل المماطلون الذين يؤجلون العمل حتى اللحظة الأخيرة ويسارعون لإنهائه.
  • مدمنو العمل الفصاميون الذين إما يؤدون العمل بشكل مثالي أو لا يؤدونه على الإطلاق.
  • مدمنو العمل ذوو نقص الانتباه الذين يبدؤون بمشاريع عدة، لكن يشعرون بالملل وينتقلون إلى أعمال أخرى.
  • مدمنو العمل المكتبيون الذين يمددون أداء المهام وينشئون عملاً إضافياً.
  • من الهام أن نتذكر أنَّه لا توجد معايير واضحة عند التعرف إلى إدمان العمل، فيجب توفُّر قائمة بعلامات يمكن فحصها لتوفير إجابة صريحة بنعم أو لا؛ وذلك لأنَّ حالات مثل الإدمان نادراً ما تكون بسيطة بهذا الشكل، ومع ذلك، يمكنك ملاحظة بعض التفاصيل بوصفها دلائل محتملة على إدمان العمل، مثل:

  • العمل لساعات طويلة عندما لا يكون ذلك ضرورياً.
  • عدم النوم من أجل العمل.
  • الهوس بالعمل.
  • الشك والخوف الشديدين بشأن أداء العمل.
  • تدهور العلاقات الشخصية نتيجة للعمل.
  • إهمال الصحة الشخصية والعافية بسبب العمل.
  • تفويت مناسبات أو أحداث هامة بسبب العمل.
  • أي من هذه الصفات وحدها أو التي تحدث بشكل نادر، ليست بالضرورة دليلاً قاطعاً على إدمان العمل، لكن إذا انطبقت عدة صفات على شخص ما لفترة طويلة، فقد تشير إلى وجود مشكلة جدية.

    الخط الفاصل بين العامل المخلص ومدمن العمل:

    بصفتك صاحب عمل، تقدِّر العمل الجاد والتفاني من موظفيك، فالتشجيع والإشادة بروح العمل القوية هما عاملان هامان في تكوين بيئة إيجابية في الشركة، ومع ذلك، أن تكون عاملاً مخلصاً وأن تكون مدمناً على العمل هما أمران مختلفتان.

    فيما يأتي الفروق الرئيسة بين هاتين الفئتين من الأفراد:

  • العاملون المخلصون يصلون إلى مكتبهم يومياً في الوقت المحدد، ومع ذلك، عندما يحدث موقف لا يمكنهم السيطرة عليه، يُظهِرون المرونة، ويتعاملون مع الوضع بسهولة، ويتواصلون بصدق بشأن الأسباب التي تمنعهم من الحضور، ويقدِّمون خطة بشأن كيفية تعويض ما يفتقرون إليه، بينما يعمل مدمنو العمل على خلاف ذلك؛ إذ يحضرون للمكتب حتى عند المرض أو سوء الأحوال الجوية أو أولويات الحياة الهامة الأخرى.
  • العاملون المخلصون يتحمسون حين يحين وقت الإجازة أو الاحتفاء، سواء كانت حفلات جماعية أم ألعاب الورق أم العروض الموسيقية أم رحلات التسوق أم عطلة على الشاطئ بنفس قدر اهتمامهم بوظيفتهم، بينما يرى مدمنو العمل هذه الأحداث مشتتة، ونادراً ما يخصصون وقتاً للخطط خارج العمل.
  • العاملون المخلصون يتجاهلون هواتفهم عندما يكونون على مائدة الطعام مع الأصدقاء والعائلة، فلا يتشتتون بهواتف العمل خارج أوقاته المحددة، بينما يستمر مدمنو العمل في التحقق المستمر من هواتفهم والبريد الإلكتروني والرسائل.
  • العاملون المخلصون يأخذون عطلات سنوية، بينما يميل مدمنو العمل إلى أن يكون لديهم كثير من الإجازات لم تؤخذ بعد.
  • العاملون المخلصون أصحاء ومتكيفون جيداً مع حياة اجتماعية نشطة واهتمامات متنوعة، بينما يميل مدمنو العمل إلى تفويت الأحداث الاجتماعية، وينسون تخصيص الوقت لاهتماماتهم وهواياتهم.
  • من هي الفئة التي تتوقع أنَّها ستكون أكثر إنتاجية في العمل؟ إذا كان توقعك العامل المخلص، فأنت صحيح، فقد يبدأ العاملون المخلصون بإظهار بعض سمات مدمني العمل، ولهذا السبب من الهام ملاحظة هذه الملاحظات.

    يجب عليك تشجيع موظفيك على التفاني في الشركة، لكن بصفتك صاحب عمل يجب عليك أيضاً سؤالهم عن توازن الحياة الشخصية والعمل بين الحين والآخر، فهذه النوعية من المحادثات تعزز الابتكار والعمل الجماعي والتفكير الواضح والمرونة.

    فيما يأتي ثلاث خطوات يمكنك تنفيذها بصفتك صاحب عمل للحفاظ على بيئة عمل صحية لموظفيك:

    1. التواصل النشط مع أولئك الذين لديهم ميل ليصبحوا مدمنين على العمل:

    تكلم معهم بشكل خاص، واسأل بلطف عن حالتهم الصحية وعبء العمل الحالي، واستمع بعناية للإجابات، وقدِّم المساعدة فيما تستطيع.

    2. اقتراح أخذ إجازة:

    انظر إلى إجازاتهم السنوية الحالية، وانظر إلى عدد الأيام التي لم يستخدموها بعد، فقد يحتاج مدمنو العمل إلى التأكيد اللفظي منك بأنَّه من الواجب أن يأخذوا إجازة عن العمل.

    3. دعم التفاني وليس الإفراط في العمل:

    الثقافة السامة هي تلك التي تشجع الموظفين على الحضور عند المرض، أو على المنافسة الشرسة مع زملائهم في الفريق؛ لذا قدِّم مثالاً إيجابياً لمكان العمل الخاص بك من خلال مدح التفاني، ليس فقط في المسؤوليات الوظيفية، لكن أيضاً في التطوع في المجتمع أو قضاء الوقت مع العائلة، وغير ذلك.

    ابذل جهداً لتشجيع موظفيك في كل ما يقومون به، فإذا كنت تستطيع مشاركتهم في الاحتفال بالتقدم الذي حققوه مع تذكيرهم بالحدود الصحية، فسيكون موظفوك مخلصين وبارعين في أدوارهم.

    تأثيرات إدمان العمل:

    الاحتراق الوظيفي هو نتيجة محتملة لإدمان العمل، ودفع الفرد نفسه إلى حد الإرهاق الجسدي والعقلي في العمل بشكل منتظم هو عامل رئيس في تطوير الاحتراق الوظيفي، فالشخص الذي يعاني من الاحتراق الوظيفي عرضة للشعور بعدم الرضى في العمل وقد يعاني من الاكتئاب.

    تخصيص ساعات لا حصر لها للعمل عادةً ما يعني التقليل من الساعات المخصصة للمنزل، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات في العلاقات، ومن المرجح حدوث هذه المشكلات خاصةً مع الزوج أو شريك الحياة، فقد يحدث الصدام المتكرر والجدال في المنزل نتيجةً لإدمان العمل.

    تأثيرات إدمان العمل السلبية لا تقتصر على المجالات التي يتأثر بها العمل مباشرة، فقد تتأثر الصحة الجسدية أيضاً بسبب إدمان العمل، ووفقاً لمجلة الجمعية الطبية الأمريكية، قد يضعف التوتر الناجم عن إدمان العمل الجهاز المناعي، وهذا يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.

    شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

    تشخيص إدمان العمل:

    اعتمد مقدِّمو الرعاية الصحية النفسية والمحترفون الطبيون مقياس "بيرغن" لإدمان العمل لتشخيص إدمان العمل؛ إذ يتألف هذا المقياس من تقييم عوامل عدة على مقياس من 1 (أبداً) إلى 5 (دائماً)، وتتعلق الأسئلة بالآثار الصحية السلبية للعمل، وتقليل النشاطات الهامة، وعدم القدرة على تقليل العمل، ومحاولات تخصيص وقت أكبر للعمل، والدوافع النفسية للعمل.

    في الختام:

    علاج إدمان العمل ليس بالامتناع الكلي عنه، بخلاف علاج أشكال الإدمان الأخرى، ونظراً لأنَّ العمل هو جانب ضروري في حياة معظم الأشخاص؛ يركز علاج إدمان العمل بدلاً من ذلك على إنشاء علاقة صحية مع العمل، وقد يشمل ذلك وضع حدود أو تعلُّم كيفية التعامل مع التوترات خارج مكان العمل.

    كما يُظهِر الفرق بين إدمان العمل والإخلاص فيه أهمية فهم التوازن الصحيح بين التفاني والحياة الشخصية، ويجسد الإخلاص في العمل التفاني المتوازن والمستدام، بينما يتسم إدمان العمل بالتفاني المفرط الذي يؤدي إلى تأثيرات سلبية في الصحة والعلاقات، ومن خلال التفاعل مع هذه الاختلافات، يمكننا بناء علاقة صحية ومثمرة مع العمل دون التأثير الضار الذي قد ينجم عن إدمان العمل.