أسباب وعلاج ضعف الذاكرة وقلة التركيز عند الشباب

أسباب وعلاج ضعف الذاكرة وقلة التركيز عند الشباب
(اخر تعديل 2024-04-14 06:14:15 )
بواسطة

الذاكرة والتركيز أهم القدرات العقلية التي تؤدي دوراً هاماً وحاسماً في نجاح الإنسان في مختلف جوانب حياته، القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها بسهولة، والقدرة على التركيز والانتباه إلى التفاصيل الضرورية هما عنصران أساسيان في تحقيق النجاح في الدراسة، وفي العمل، وحتى في الحياة اليومية، ومع ذلك، يواجه الكثيرون، خاصة في فترة الشباب، مشكلات متعلقة بضعف الذاكرة وقلة التركيز.

كثيراً ما يجد الشاب نفسه ينجرُّ بسهولة إلى التفكير في أمور أخرى في أثناء محاضرة أو عملية دراسة هامة، أو لا يستطيع التركيز على مهمة واحدة لفترة طويلة، أو ينسى أو تتناثر في ذهنه أفكاره خلال اجتماع هام، أو نسمع أحدهم يقول دخلت إلى المطبخ لكن نسيت لماذا، أو ذهبت إلى السوق ونسيت أن أشتري ما أريده فعلاً.

في الواقع هذه تجارب قد تكون مألوفة للكثيرين، وتعكس تحديات يومية يجب التعامل معها بجدية، سنحدد في هذا المقال أسباب ضعف الذاكرة عند الشباب وقلة التركيز، ونبحث إمكانية علاج هذه المشكلة التي تقف عائقاً في طريقة نجاح معظم الشباب.

ضعف الذاكرة وقلة التركيز عند الشباب:

الذاكرة هي وظيفة عقلية تمكننا من استيعاب وتخزين المعلومات والتجارب والمعرفة، والإنسان من دون ذاكرة يصبح محدود التفكير، وسوف يدرك كل من الإحساسات والأحداث التي تتكرر عليه كما أدركها في المرة الأولى، ومن ثم لن يكون لديه مستقبل يخطط له بناء على خبرات ومعارف تعلمها.

الذاكرة ضرورية ليعيش الإنسان حياته بسهولة، ففي الحديث والكتابة والتعلم والقيام بالأعمال والسفر والمشي وحتى تناول الطعام واختيار الملابس اليومية سوف يكون بحاجة إلى الذاكرة، فتوجِّه الذاكرة الإنسان إلى السلوك الصحيح والمناسب لكل ظرف أو موقف.

الذاكرة هي نظام ديناميكي يعمل على استقبال المعلومات وترميزها وتنظيمها وتخزينها واسترجاعها، تعتمد على عدد من العمليات الأخرى مثل الإدراك، والتفكير، والتعلم وغيرها من العمليات العقلية، تشير الذاكرة عموماً إلى الدوام النسبي لآثار الخبرة وهي دليل على حدوث التعلم.

وتقسم الذاكرة إلى نوعين بناء على مدة الاحتفاظ بمادة التذكر:

1. الذاكرة قصيرة الأمد:

تخزن المعلومات لفترة قصيرة بين (5 إلى 30) ثانية فقط، وتسمى بالذاكرة اللحظية أو العملية أو الفورية، وإذا كانت المعلومات التي يتعرض لها الفرد غير مرتبطة بأهدافه واهتماماته، فلن تتحول إلى الذاكرة بعيدة الأمد مهما كان عدد تكرارها.

2. الذاكرة طويلة الأمد:

تختزن المعلومات بعد تكرارها عدة مرات لوقت طويل، وهي تسير وفق قوانين التعلم وتحتفظ بالمعلومات لمدة تزيد عن نصف قرن، وبحسب الباحثين (كلارك وبايفيو clark & paivio) فإنَّ هذه الذاكرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ذاكرة المعاني التي تختزن فيها الأفكار والحقائق والمفاهيم والعلاقات والمعرفة العامة، والثانية هي ذاكرة الأحداث وتختزن فيها الخبرات الشخصية للفرد، والثالثة الذاكرة الإجرائية وتختزن فيها طريقة صنع الأشياء أو أداء أفعال معينة وظروف استخدامها.

أما التذكر هو العملية التي تتيح للفرد استحضار أو استرجاع المعلومات أو الأحداث أو الخبرات التي تم تخزينها في الذاكرة طويلة الأمد أو الذاكرة قصيرة الأمد.

لكن الذاكرة مثلها مثل أي عضو آخر في جسم الإنسان تصاب بأمراض ولعل النسيان وفقدان التركيز أهمها، في الواقع النسيان ذو وجهين، فنسيان الخبرات المؤلمة التي مر بها الإنسان نعمة، وبالمقابل قد يصبح نقمة عندما يبدأ الإنسان ينسى ما تعلمه وقد يصبح الأمر أسوأ إن وصل إلى درجة نسيان أبسط الأمور الحياتية، لكن ما هي أسباب ضعف الذاكرة عند الشباب؟

شاهد بالفديو: ست خطوات ذهبية تساعد على تقوية الذاكرة

أسباب النسيان وتشتت الانتباه وفقدان التركيز:

توجد عدة أسباب تدفع بالإنسان إلى النسيان وتشتت الانتباه وفقدان التركيز، ومنها:

1. تقدُّم العمر:

يظهر التراجع في القدرة على استرجاع المعلومات مع تقدُّم العمر، فتشير الدراسات إلى أنَّ حدوث تراجع طبيعي في وظيفة الذاكرة مع التقدُّم في العمر بسبب تغيرات في الدماغ ونقص في بعض المركبات الكيميائية.

2. نوع المادة:

المادة السهلة والمترابطة المعاني تكون أسهل بالتذكر ونقيض ذلك صحيح، فإن كانت المادة غير مترابطة أو لا تحمل معنى تكون عرضة للنسيان أو عدم التركيز عليها.

3. نسيان الصدمة:

قد يكون تعرُّض الشخص لحادث أو ضربة شديدة على الدماغ السببَ في نيسان بعض الحوادث والأشياء لا سيما الأحداث التي حدثت مؤخراً.

4. تناول كثير من الأدوية والعقاقير الطبية:

يؤدي التعاطي المستمر للعقاقير الطبية إلى تلف خلايا المخ، وهذا يدفع الذاكرة إلى التدهور.

5. الكف الرجعي:

من أشهر أسباب ضعف الذاكرة عند الشباب التداخل بسبب التعلم الجديد، فتتداخل الانطباعات الجديدة مع الانطباعات القديمة وهو ما يسمى بالكف الرجعي.

6. الدافع أو الحافز:

تكون المادة التي لا تثير اهتمام الإنسان أو المادة التي تسبب الصدمة للإنسان وتسبب ألماً نفسياً أكثر عرضة للنسيان من غيرها، وتؤكد المدرسة السلوكية أنَّ المادة التي يتبعها أثر باعث على الارتياح تميل إلى أن تحيا في الذاكرة ويستدعيها الفرد في مواقف لاحقة.

6. النسيان الذي يرتبط بعمليات الذاكرة (الاكتساب والاختزان والاسترجاع):

لا تحتفظ الذاكرة بالمعلومات التي لم يتم اكتسابها نتيجة لعدم الانتباه لبعض المثيرات أو الخطأ في تفسيرها، كما يكون السبب الإخفاق في التخزين.

7. ظاهرة القمع:

يحدث النسيان بسبب القمع أو الرغبة في النسيان.

8. التغذية السيئة:

عندما يفتقر الجسم إلى العناصر الغذائية الأساسية مثل الفيتامينات والمعادن، يؤدي ذلك إلى تدهور وظيفة الدماغ، على سبيل المثال، نقص فيتامين B12 يتسبب في تضرر الألياف العصبية، ويؤدي تناول كميات كبيرة من السكريات البسيطة والمنتجات الغنية بالسكر إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم الذي يسبب تلف الأوعية الدموية في الدماغ ويساهم في فقدان التركيز وفقدان الذاكرة.

9. العوامل البيئية:

تؤثر بيئة العمل والتعليم والعوامل الاجتماعية في قدرة الشخص على التركيز والتعلم ومن ثم في الذاكرة.

10. تناول المخدرات والكحول:

يؤدي تعاطي المخدرات والكحول بشكل زائد أو مفرط إلى ضعف الذاكرة والنسيان.

11. الأمراض المزمنة:

تساهم بعض الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم في ضعف الذاكرة.

12. العوامل الوراثية:

أحد أسباب ضعف الذاكرة عند الشباب هي العوامل الوراثية، فإذا كان هناك تاريخ عائلي لمشكلات في الذاكرة، فقد يكون لها تأثير في قوة الذاكرة الشخصية.

علاج ضعف الذاكرة وقلة التركيز عند الشباب:

إنَّ الذاكرة إحدى أهم وظائف العقل البشري، فهي تساعدنا على تخزين واستدعاء المعلومات والتجارب والمهارات التي نحتاجها في حياتنا اليومية، ويسعى معظم الأشخاص إلى تحسين وظيفة ذاكرتهم وزيادة تركيزهم لتحقيق أهدافهم بفاعلية، نقدم هنا مجموعة من الإجراءات والتقنيات التي تساعد على علاج ضعف الذاكرة وتشتت الانتباه:

1. منع التوتر والسيطرة عليه:

يؤثر التوتر في الذاكرة والتركيز تأثيراً سلبياً، فعندما تكون متوتر بشكل متكرر أو مكثف، يؤثر ذلك في أداء وظائف الدماغ المعنية بالذاكرة والانتباه، التوتر سبب في إفراز هرمون الكورتيزول بشكل متزايد والذي يقلل من قدرتك على التركيز والاستجابة للمهام المطلوبة بشكل جيد؛ وذلك بسبب منعه للعناصر الغذائية الضرورية لعمل المخ من الوصول إليه، ويؤثر أيضاً في الذاكرة العاملية، وهي النوع من الذاكرة التي تستخدمها لحفظ ومعالجة المعلومات في اللحظة، فعندما تكون متوتراً، يكون من الصعب عليك الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها، إضافة إلى ذلك يسبب التوتر قلة النوم وهذا بدوره يؤثر في وظائف الدماغ والذاكرة، فعندما لا تحصل على عدد ساعات كاف من النوم الجيد، تزيد من فقدان الذاكرة وتشتت الانتباه.

2. ممارسة التمرينات الرياضية لمدة 40 دقيقة إلى ساعة واحدة يومياً:

للرياضة دور كبير في الحفاظ على قوة الذاكرة وزيادة التركيز وتقليل تشتت الانتباه، فعند ممارسة التمرينات الرياضية، يزيد تدفق الدم إلى الدماغ، وهذا يزيد من إمداد الدماغ بالأوكسجين والمواد الغذائية اللازمة، وهذا بدوره يعزز وظائف الدماغ ويساهم في تحسين الذاكرة والانتباه.

في أثناء التمرينات الرياضية يتم إفراز مواد كيميائية هامة في الدماغ مثل النورأدرينالين والدوبامين والسيروتونين، تؤدي هذه المواد الكيميائية دوراً هاماً في تعزيز التركيز ورفع المزاج وتقليل التوتر والقلق، كما أشارت الأبحاث إلى أنَّ ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام تساعد على تقوية هيكل الدماغ وتحفيز نمو الخلايا العصبية وتحسين اتصالاتها، وهذا بدوره يعزز القدرة على التعلم والتذكر والتركيز، وعموماً إنَّ اللياقة البدنية العامة تعزز الصحة العامة للجسم، ومن ذلك الجهاز العصبي المركزي، عندما تكون بصحة جيدة عموماً، يكون لديك مزيد من القدرة على التحمل البدني والعقلي والتركيز العالي.

3. الابتعاد عن التدخين والمشروبات الكحولية:

يؤثر النيكوتين في التبغ سلباً في التركيز والانتباه، وقد يجد الأشخاص الذين يدخنون صعوبة في التركيز، كما أنَّ التدخين يزيد من خطر الإصابة بالأمراض العصبية مثل ألزهايمر وألزهايمر العصبي الشراييني، ولا يقل تأثير الكحول عن التدخين، فتناول الكحول بانتظام وبكميات كبيرة يتسبب في تلف الأعصاب والدماغ ويتسبب بالأرق وقلة النوم، وهذا يؤدي إلى ضعف الذاكرة وصعوبة في التركيز والانتباه على الأمد الطويل؛ لذا للمحافظة على صحة الدماغ وتحسين الذاكرة والانتباه والتركيز، يجب الامتناع عن التدخين والكحول.

4. النوم الجيد:

يساعد النوم الجيد على تجديد واسترجاع العمليات العقلية والذاكرة، ففي مرحلة النوم العميق يتم تكوين ذكريات ومعالجة المعلومات وتقوية الاتصالات العصبية، ويساعد أيضاً على تنظيف السموم والمنتجات الضارة من الدماغ، هذه العملية تسمى "تنظيف الدماغ"، وهي أساسية لصحة الدماغ وأدائه العقلي، كما أنَّ النوم يسهم في تقليل التعب والتوتر، وهذا يجعل من الأسهل التركيز والانتباه في أثناء اليقظة، إضافة إلى دوره الكبير في تعزيز الاسترخاء العقلي وتقليل التوتر والقلق، والذي بدوره يجعل من التركيز سهلاً.

يجب أن يكون النوم الجيد جزءاً أساسياً من نمط حياة كل فرد للحفاظ على قوة الذاكرة وتركيز الانتباه؛ لذا يوصي الأطباء بالحصول على 7-9 ساعات من النوم في الليلة الواحدة، والامتناع عن العوامل التي قد تؤثر سلباً في نوعية النوم مثل التوتر الزائد، وتناول الكافيين بكميات كبيرة قبل النوم، واستخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.

5. معالجة الضغوطات الحياتية والتحكم فيها:

الضغط في حده المعتدل من الأشياء الطبيعية في الحياة جيد، لكن الضغط الزائد يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول في الجسم، والذي بدوره يؤثر سلباً في الذاكرة والانتباه والتركيز، كما أنَّ الضغوطات الحياتية تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق، وهذا يؤثر في الحالة المزاجية العامة للإنسان والقدرة على التركيز والتذكر.

ينبغي التعامل مع الضغوطات الحياتية بحكمة للحفاظ على سلامة وظائف الدماغ، ويُفضَّل تطبيق استراتيجيات إدارة الضغوطات مثل التمرينات الرياضية، وتقنيات التنفس والاسترخاء، وإدارة الوقت بشكل فعال، والبحث عن دعم اجتماعي ونفسي، وتحسين نوعية النوم والالتزام بأنماط نوم صحية أيضاً هام للتخفيف من تأثير الضغوطات الحياتية في الذاكرة والتركيز.

6. تعلم مهارات وهوايات جديدة باستمرار يحفز العقل:

عندما تتعلم مهارة أو هواية جديدة، يكون عقلك نشطاً ويكون على استعداد لاستيعاب المعلومات ومعالجتها، كما أنَّ التدريب المنتظم لتطوير المهارة يزيد من قدرتك على الانتباه والتركيز على مهام أخرى أيضاً.

7. الابتعاد عن النشاطات السلبية:

يدمن الإنسان على بعض النشاطات السلبية أو يقوم بها بشكل مبالغ فيه، مثل مشاهدة التلفاز لساعات طويلة أو تصفح الإنترنت لوقت طويل، والسهر ليلاً وعدم السماح للجسم بأخذ حاجته من النوم، والتدخين وشرب الكحول والإدمان، وتناول طعام غير صحي؛ كلها عادات تضعف الذاكرة وتمنع التركيز.

شاهد بالفديو: 6 نصائح حياتية هامة لتنشيط العقل وتقوية الذاكرة

8. التغذية الجيدة:

يجب تضمين الأطعمة الغنية بالفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية الصحية في النظام الغذائي، مثل السمك، والخضروات الورقية الخضراء، والمكسرات فكلها مفيدة لصحة الدماغ.

9. التنظيم وإدارة الوقت:

استخدم تقنيات إدارة الوقت لتنظيم المهام والمساعدة على المحافظة على الانتباه.

10. العلاج النفسي:

في حالات فقدان الذاكرة الشديدة أو تشتت الانتباه الشديد، يجب استشارة مختص نفسي، فيساعد العلاج النفسي على التعامل مع القضايا النفسية التي تؤثر في الذاكرة ويمنعها من التدهور أكثر.

11. السعي وراء تحقيق الأحلام:

توجد علاقة إيجابية بين السعي إلى تحقيق الأهداف وتقوية الذاكرة وزيادة التركيز، فعندما تكون لديك أهداف واضحة ومحددة، يكون لديك دافع قوي للعمل بجد والتركيز على المهام التي تساعدك على تحقيق تلك الأهداف، هذا يسهم في تحسين قدرتك على التركيز وتوجيه انتباهك نحو الأمور الهامة.

في الختام:

فقدان الذاكرة وضعف التركيز من التحديات الشائعة التي تواجه الشباب في الوقت الحالي، لكن توجد عدة علاجات لهذه المشكلة؛ ومن ذلك الاعتماد على تغذية صحية وممارسة الرياضة وضبط نمط الحياة وتطبيق تقنيات التفكير وإدارة الوقت بذكاء، كما تكون الاستشارة مع مختص نفسي أو متخصص في الصحة العقلية مفيدة في بعض الحالات، فالعقل الشاب هو أداة قوية، والعناية المناسبة والاهتمام الشخصي يساعدان على تعزيز وظيفة الذاكرة وتحسين التركيز.