السعادة من وجهة نظر علم النفس

السعادة من وجهة نظر علم النفس
(اخر تعديل 2024-04-21 06:21:14 )
بواسطة

إنَّها حالة مرجوة نبحث عنها دوماً، لحظات ثمينة نسعى جاهدين إلى تحقيقها في حياتنا، وتماماً كما يبحث المارة عن كنزٍ نفيس يختبئ في أعماق البحر، يجب علينا استكشاف عالم السعادة بداخل أنفسنا، فالسعادة ليست مجرد هدفٍ عابر أو مفهومٍ غامض، بل هي مجال دراسي معقد يتطلب فهماً عميقاً ونظرة علمية دقيقة.

يربط بعض الأشخاص السعادة بالمال، وغيرهم يربطها بالملذات الجسدية، أما الأديان فتربطها باتباع تقوى الله وعبادته، وبعضهم يربطها بصفاء الذهن، بينما وجد آخرون أنَّ السعادة غير قابلة للتفسير لأنَّها لغز الحياة، وهي مجرَّد حظ، وبين التفسيرات المختلفة يبرز علم النفس بوصفه وسيلة لكشف أسرار العقل والسلوك البشري، ولتفسير مفهوم السعادة ومكوناتها وطريقة تحقيقها أيضاً.

مفهوم السعادة في علم النفس:

بدأت رحلة البحث عن مفهوم السعادة منذ العصور القديمة، فقد وصف الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو السعادة بأنَّها هبة إلهية تُمنَح للإنسان الذي يسلك طريق الخير والفضيلة، ومنذ ذلك الحين، تطورت أفكار السعادة وتنوعت في مفاهيمها.

في عالم علم النفس الحديث، بدأت الدراسات والبحوث تسلط الضوء على هذا المفهوم العميق، فقد عمل العالم النفسي البارز جوردان واطسون على دراسة "السعادة لدى الطلاب البالغين"، فبحث عن العوامل التي تؤثر في سعادة الأفراد، ومن ثم جاء ويليام جيمس ليشير إلى أنَّ السعادة تُعد أحد أهم الأهداف في سلوك الإنسان، فيكون الفرد مستعداً لعمل أي شيء لتحقيق سعادته الشخصية.

على الجانب الآخر، أضاف جون ماكدوغال تبصره الفريد للموضوع، فشدد على أنَّ الملذات الجسدية تعكس سعادةً مؤقتة، فيما تكمن السعادة الحقيقية في تحقيق أهداف نبيلة والتفاعل مع العالم بطريقة إيجابية؛ أي السعادة الحقيقية تكمن في الملذات النفسية التي تدوم طويلاً، هذه المفاهيم تشكل مدخلاً مثيراً إلى عالم السعادة وتجعلنا نتساءل عن العوامل التي تجعل الإنسان سعيداً وكيف يمكن للنفس البشرية أن تعيش حياة مليئة بالنجاح والارتياح.

في عالم علم النفس، يتجلى مفهوم السعادة في زاويتين أساسيتين تشكلان عمقاً في فهم تلك الحالة المتميزة، هذه الزوايا تكمن في الناحية الوجدانية النفسية والناحية المعرفية، تشمل الأولى الشعور بالفرح واللذة والمتعة والأمن والطمأنينة، وتشمل الناحية الثانية أي المعرفية مقدار رضى الفرد عن جانب أو جوانب حياته.

بناءً على وجهتي النظر السابقة عرَّف علماء النفس السعادة، فعرف معجم علم النفس السعادة على أنَّها (حالة من المرح والهناء تنشأ أساساً من إشباع الدوافع، لكنَّها تسمو إلى مستوى الرضى النفسي)، وقال البهاص إنَّ السعادة: (انفعال وجداني إيجابي ثابت نسبياً يتمثل في إحساس الفرد بالبهجة والفرح والسرور وغياب المشاعر السلبية من خوف وقلق واكتئاب والتمتع بصحة البدن والعقل إضافة إلى الشعور بالرضى الشامل في مجالات الحياة المختلفة).

مكونات السعادة في علم النفس:

وفقاً لدراسة أجراها الباحث في علم النفس سليجمان Seligman توصَّل من خلالها إلى معادلة مكونات السعادة وفق الآتي:

سعادة الإنسان = الوراثة (50%) + ظروف الحياة (10 %) + العوامل الطوعية (40 %).

1. الوراثة 50%:

تشير هذه النسبة إلى العامل الوراثي في تحديد مدى سعادة الفرد، إذ يمكن للجينات أن تؤدي دوراً في تحديد سمات الشخصية والميول العاطفية التي تؤثر في مدى استعداد الشخص للسعادة.

2. ظروف الحياة 10%:

تمثل هذه النسبة الظروف الخارجية والعوامل البيئية التي يعيشها الفرد، وتشمل العوامل التي لا تتغير مثل الجنس والعِرق والعمر والإعاقة والعوامل التي تتغير مثل مستوى الدخل، والصحة، والعلاقات الاجتماعية، والظروف المحيطة بالفرد.

3. العوامل الطوعية 40%:

تُظهر هذه النسبة القدر الهائل من السيطرة التي يمكن للأفراد أن يمارسوها على مستوى سعادتهم، ويتعلق ذلك بقراراتهم واختياراتهم الشخصية، وقدرتهم على التفكير والتصرف بشكل إيجابي.

شاهد بالفديو: السعادة الغاية التي ينشدها الجميع كيف نصل إليها

قوانين السعادة، تفسير الخلفية للشعور بالرضى:

السعادة مصب لتطلعات الإنسان، إنَّها تجذب البشر بقوة، كما أنَّها تشكِّل هدفاً يتسع لهم بشغف طوال حياتهم، وفي هذا العصر سريع التطور، يبدو البحث عن قوانين السعادة أمراً أكثر أهمية من أي وقت مضى، فإليك القواعد الخفية التي تحكم حالات الانبهار والرضى أو ما نسميه السعادة:

1. قانون الشؤون الشخصية:

يشير هذا القانون إلى أنَّ السعادة تعتمد بشكل كبير على الشؤون الشخصية للفرد، مثل العلاقات الاجتماعية والصحة والتوازن بين العمل والحياة الشخصية، ويعني ذلك أنَّ رضى الفرد عن هذه الجوانب الشخصية يسهم بشكل كبير في مستوى سعادته.

2. قانون الظروف الدائمة:

يشير هذا القانون إلى وجود عوامل دائمة وثابتة في حياة الفرد تؤثر في مستوى سعادته، على سبيل المثال، العوامل الوراثية والسمات الشخصية الثابتة والزواج والعمل تؤدي دوراً في تحديد مدى سعادة الشخص.

3. قانون الظروف الحديثة:

يشير هذا القانون إلى وجود عوامل حديثة وقابلة للتغيير في حياة الفرد تؤثر في مستوى سعادته، تشمل هذه العوامل التغيرات في العمل أو العلاقات الاجتماعية أو الظروف المؤقتة، ويساعد إدراك هذه العوامل والتفكير في كيفية التعامل معها على تعزيز السعادة.

4. قانون الظروف الأساسية:

يشير هذا القانون إلى وجود جوانب أساسية في حياة الفرد، مثل الصحة والأمان والعلاقات الاجتماعية، تؤدي دوراً كبيراً في تحديد مستوى سعادته، فإذا تحققت هذه الجوانب بشكل جيد، فإنَّ الفرصة للشعور بالسعادة تزيد.

5. قانون التأثيرات المتراكمة:

يُشير هذا القانون إلى أنَّ السعادة تتراكم على مر الزمن بناءً على التجارب والأحداث اليومية، بمعنى آخر، السعادة تأتي من خلال تجميع اللحظات الإيجابية والتجارب الجيدة على مر الزمن.

6. قانون التوازن:

يشير هذا القانون إلى أنَّ السعادة تتحقق عندما يحصل توازن بين مختلف جوانب حياة الفرد، مثل العمل والعائلة والوقت الشخصي، ويساعد عدم التفرغ الزائد لجانب واحد على حساب الآخر على تعزيز السعادة.

أساليب قياس السعادة:

إنَّ السعادة هي مفهوم عميق وجوهري في حياتنا، إنَّها اللحظات التي نتمنى أن تمتد إلى الأبد، والمشاعر التي نسعى جاهدين إلى تجربتها يومياً، ولكن كيف يمكننا قياس مفهوم بهذا العمق وهذا التعقيد، إليك بعض الطرائق التي تساعد على قياس السعادة لدى الإنسان من وجهة نظر علم النفس:

1. استخدام استبيانات السعادة:

يمكن تقديم استبيانات مخصصة تحتوي على مجموعة من الأسئلة المصممة لفحص مدى سعادة الفرد، فيُطلب من الأفراد تقدير مستوى سعادتهم على أساس الأسئلة المطروحة، مثلاً، استبيان سعادة الحياة (Life Satisfaction Scale) هو أحد الأمثلة على هذا النوع من الاستبيانات.

2. الملاحظة والمراقبة:

بالنظر إلى سلوك الفرد وتفاعلاته يمكن للمراقبين تقدير مدى سعادته.

3. استخدام القياسات الفيزيولوجية:

تشير بعض الأبحاث إلى وجود تأثيرات فيزيولوجية تترتب على مستوى السعادة، مثل مستوى هرمونات السعادة في الدم.

4. المقابلات والمحادثات:

يمكن للمحادثات مع الفرد تقدير مستوى سعادته، فخلال المحادثات، يمكن للأفراد التعبير عن مشاعرهم وانطباعاتهم بشكل مباشر، وهذا يكشف عن مدى سعادتهم.

5. قياس الإنتاجية والإبداع:

يكون الأشخاص السعداء غالباً أكثر إنتاجية وإبداعاً في حياتهم، ومن ثم يمكن قياس مستوى السعادة عن طريق تقييم مدى تأثير الفرد وإنجازاته في مجالات مختلفة.

مصادر السعادة في علم النفس:

1. الجنس:

يُولَد كل من الذكور والإناث بنفس الاستعدادات للسعادة، لكنَّ النساء عامة أشد انفعالاً من الرجال؛ لذا يأتي الاختلاف بينهما في مستوى السعادة، وتشير الدراسات إلى أنَّ النساء تحت سن 45 يكنَّ أكثر سعادة من الرجال بينما الرجال في سن 55 يكونون أكثر سعادة من النساء.

2. العمر:

تتغير مصادر السعادة مع تقدُّم الإنسان في العمر، ففي سنوات الشباب، تكون المغامرات والتحديات مصدراً للسعادة، بينما في سنوات النضج، تصبح العلاقات وتحقيق الاستقرار الأسري مصادر أساسية للسعادة.

3. الصحة:

يشعر الإنسان بالسعادة عندما يتمتع بصحة جيدة ولياقة بدنية قوية، وتشمل الصحة الجيدة عدم وجود أمراض مزعجة أو مزمنة، والقدرة على القيام بالنشاطات اليومية بسهولة ودون ألم.

4. الدخل:

يسهم الدخل الاقتصادي في السعادة من خلال توفير الأمان المالي والقدرة على تحقيق الاحتياجات الأساسية ورغبات شخصية إضافية.

5. العمل:

وجود وظيفة توفر للإنسان معنى وغرضاً في الحياة، ويزيد الرضى عن الوظيفة والإنجاز فيها من مستوى السعادة.

6. أسلوب التفكير:

يزيد التفكير الإيجابي والمرونة العقلية من السعادة، ويؤثر تغيير نمط التفكير نحو الإيجابية بشكل كبير في الرفاهية النفسية.

7. الدين:

الأشخاص المتدينون في الغالب يبقون بعيدين عن السلوكات المنحرفة، ومن ثم يتولد لديهم شعور بالسعادة.

8. العلاقات الاجتماعية، (الزواج، الأبناء، الأصدقاء):

وجود هذه العلاقات في حياة الإنسان بشكل مستقر هو سبب هام في سعادته.

9. الهوايات:

يوفر الاهتمام بالنشاطات والهوايات التي تحبها السعادة، وهذا يشمل القراءة، والرياضة، والفنون، وأي نشاط يمنحك إشباعاً شخصياً.

شاهد بالفديو: 7 خطوات توصلك إلى السعادة

استراتيجيات لتصنع السعادة:

1. تقدير اللحظة الحاضرة:

حاول أن تكون حاضراً في اللحظة الحالية وتقدِّر كل تفاصيلها.

2. التعبير عن الشكر والامتنان:

ركِّز على الأشياء الإيجابية في حياتك والتعبير عن امتنانك تجاهها، هذا العمل يساعدك على إبراز الجوانب الإيجابية وزيادة مشاعر السعادة.

3. التفاؤل:

يزيد النظر إلى الجانب المشرق والإيجابي للأمور والتفكير بأنَّ الأمور ستتحسن من سعادتك ويخفف من التوتر والقلق.

4. الابتعاد عن المقارنة الاجتماعية:

تجنَّب مقارنة نفسك بالآخرين، لأنَّ ذلك يؤدي إلى الشعور بالقلق وعدم الرضى، واهتم بنموذجك الخاص للسعادة واجعله يعتمد على قيمك وأهدافك الخاصة.

5. التعوُّد على العطاء وأعمال الإحسان:

تعزز مساعدة الآخرين والمشاركة في الأعمال الخيرية الشعور بالسعادة.

6. الاهتمام ببناء علاقات اجتماعية طيبة:

استثمر في بناء وتعزيز العلاقات الإيجابية مع الأصدقاء والعائلة.

7. التسامح:

تجنَّب حمل الضغينة والكراهية وحافظ على قلب متسامح، تساهم مسامحة الآخرين بأخطائهم في تقدير السعادة وبلوغ السلام الداخلي.

8. الاستمتاع بالحياة:

اختبر اللحظات الجميلة واستمتع بالنشاطاتوالتجارب التي تحبها، يساهم الاستمتاع باللحظة في زيادة السعادة.

9. الالتزام بالأهداف:

حدد أهدافاً شخصية ومهنية واعمل على تحقيقها، يمنح الشعور بالتقدم والنجاح شعوراً بالرضى والسعادة.

10. الالتزام بتعاليم دينك:

التزامك بتعاليم دينك والاستمرار في العمل بمبادئه هو مصدر للراحة والسعادة.

11. الاهتمام بصحَّتك:

تؤدي الرعاية الجيدة لصحتك الجسدية والنفسية دوراً كبيراً في تعزيز السعادة؛ لذا اتبع نظاماً غذائياً صحياً ومارس الرياضة وابحث عن الدعم الصحي اللازم عند الحاجة.

12. إدارة الضغط:

تعلَّم تقنيات التحكم في الضغط والتوتر؛ للتعامل بفاعلية مع التحديات اليومية التي تتعرض لها.

13. ممارسة الهوايات والاهتمامات:

خصص وقتاً للنشاطات التي تحبها وتستمتع بها، ويجب أن تكون هذه النشاطات متنوعة، مثل الرسم، أو القراءة، أو الرياضة، أو الطهي، أو أي شيء آخر تستمتع به.

في الختام:

السعادة موضوع معقد ومتعدد الأبعاد يُدرس ويفهم باستمرار، وعلى مستوى علم النفس طوال العقود الماضية، سعى علماء النفس إلى فهم جوانبها المختلفة والعوامل التي تؤثر فيها، وقد تبيَّن أنَّ السعادة ليست هدفاً نهائياً يمكن تحقيقه بوسيلة واحدة، بل هي تجربة شخصية تعتمد على عدة عوامل، ومن ذلك العلاقات الاجتماعية، والصحة النفسية، والمتطلَّبات المادية، والمعنى والغرض في الحياة.

يمكننا أن نتعلم كيف نتحكم في حياتنا بطريقة تساعدنا على زيادة مستويات السعادة والرضى، فنحن ندرك أنَّه من الممكن تطبيق استراتيجيات مختلفة، مثل التفكير الإيجابي وتعزيز العلاقات الاجتماعية وممارسة الهوايات، واختيار عمل نحبه ونستمتع باللحظة التي نعيشها لبناء حياة تسودها السعادة والتوازن.