كيف تعمل على تحقيق أهدافك؟

كيف تعمل على تحقيق أهدافك؟
(اخر تعديل 2024-04-01 05:42:15 )
بواسطة

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة "إيمي أندرسون" (Amy Anderson)، وتُحدِّثنا فيها عن كيفية العمل على تحقيق الأهداف.

في طريق العودة إلى المنزل ذات مساء، تعرضتُ لحادث سير، وقيل لي في المشفى أنَّ لدي مشكلة في العمود الفقري، وعلى مدار الأشهر القليلة التالية، انتظرتُ لأعرف إذا كنت أحتاج إلى عملية جراحية، ليتغير بعدها كل شيء في حياتي.

أخبرتُ مدربة الحياة "مارثا بيك" (Martha Beck) عبر الهاتف: "لو سألتينني قبل أسبوع من الحادث عما إذا كنت سعيدة، لكنتُ أجبتك بنعم؛ فقد حصلت على وظيفة أحلامي، واشتريت سيارة جميلة، وكان الجميع يعتقد أنَّني مثيرة للاهتمام، ولكن بعد أسبوع من الحادث، وجدتُ نفسي أقول: أنا خائفة أشد خوف، فلم تعد تناسبني تلك الوظيفة، ولا أعتقد أنَّني أحب نفسي بعد الآن، فأنا لا أسعى وراء هدفي، وأشعر وكأنَّ شيئاً يخنقني من الداخل".

ضحكت "مارثا" على ما قلته، ولكن لم تكن ضحكة خبيثة؛ بل ضحكة شخص يعرف تماماً سبب شعوري بهذه الطريقة، ومن ثم أخبرتني أنَّ حادث السيارة رفع الغمامة عن عينيَّ كي أتمكن من رؤية التعاسة التي كنتُ أنكر شعوري بها بعدما اتخذت صورة مثالية عن حياة ناجحة ومقبولة اجتماعياً، ومنذ ذلك الحين عملتُ على تحقيق هدفي بطريقة عميقة وذات معنى، فكنت أكتبُ لمساعدة الآخرين وأسعى إلى تحقيق حلمي في أن أصبح روائية.

لكنَّني سألتها أيضاً: ماذا عن الأشخاص مثلي الذين ما زالوا يعيشون في حالة من الإنكار فيقومون بكل ما هو مناسب ظاهرياً ولكنَّهم ليسوا سعداء حقاً؟ فمن غير المعقول أن ينتظر الناس مصاباً يلمُّ بهم حتى يكتشفوا ذلك"، فأجابت "مارثا" وهي ضاحكة مجدداً: "بل الأمر معقول جداً؛ فالحياة مليئة بالصعوبات الكفيلة بأن تفتح عيوننا على ما يجري داخلنا".

كيفية العثور على هدفك:

أطلقَت صحيفة "يو إس إيه توداي" (USA Today) على "مارثا" لقب: "مدربة الحياة الأكثر شهرة في البلاد"؛ إذ لم تتصور "مارثا" أنَّها ستحصل يوماً على لقب كهذا عندما أطلقت مشروعها، ولكن كانت تعرف في أعماقها أنَّها ترغب بمساعدة الآخرين على العثور على هدفهم، فذكرت في كتابها "فلتوجهك النجوم: علم وسحر العثور على مصيرك" (Steering by Starlight: The Science and Magic of Finding Your Destiny) أنَّها كتبت بيان رسالة لطلب منحة دراسية عندما كان عمرها 16 عاماً، والذي جاء فيه: "رسالتي في الحياة هي مساعدة الناس على تدارك المشكلات التي تفصلهم عن اكتشاف ذواتهم الحقيقية، واكتشاف بعضهم بعضاً، واكتشاف مصيرهم".

غيَّرت توجهها قليلاً بعد حصولها على درجة "الدكتوراه" في علم الاجتماع من جامعة "هارفارد" (Harvard)، ولكنَّها سعت إلى تحقيق رسالتها في الحياة على مدى العقدين الماضيين، وذلك من خلال الكتابة في "مجلة أوبرا" (O, The Oprah Magazine)، والعمل مضيفة في برنامج "أفريكان ستار" (African STAR)، ومن ثم تأليف عدة كتب، ومنها:

1. العثور على هدفك:

تحقيق الحياة المقدَّرة لك" (Finding Your Own North Star: Claiming the Life You Were Meant to Live).

2. إيجاد طريقك في عالم جديد جامح:

استعِد طبيعتك الحقيقية لتحيا الحياة التي تريدها" (Finding Your Way in a Wild New World: Reclaim Your True Nature to Create the Life You Want).

3. طريق النزاهة:

العثور على ذاتك الحقيقية" (The Way of Integrity: Finding the Path to Your True Self

ما الذي يحفز الناس للعثور على هدفهم؟

تقول "مارثا" إنَّ الناس يلجؤون إليها كثيراً بعد تعرُّضهم لنوع من المصاب؛ فوفقاً لها: "توجد ثلاثة أسباب تؤدي إلى تغيير حياة لا تناسبك: الأول هو التعرض لصدمة، والذي قد يكون حادث سير أو فقدان الوظيفة أو أي أمر آخر، والسبب الثاني هو الحصول على فرصة، كالوقوع في الحب والحصول على فرصة الزواج من شريك مثالي، ولكن بالمقابل تغيير كل شيء في حياتك، أما السبب الثالث فهو النمو؛ فتدرك فجأة أنَّ ما كان يرضيك بالأمس أصبح بلا قيمة، ومع نمو شخصيتك، ستبتعد شيئاً فشيئاً عن الحياة التي لا تناسبك، ولن يكون أمامك سوى خيارين: إما محاولة استعادة شخصيتك القديمة أو تغيير حياتك كلياً".

تقول "مارثا" إنَّ هذا النوع من النمو المفاجئ يحدث لكثير من الناس في منتصف عمرهم، فقبل النمو أو التعرض لحادث أو الدخول في علاقة تغير حياتنا أو أي حدث آخر نركز على ما تسميه "النماذج العقلية" (mental models) لما يُفترض أن نكون عليه؛ إذ نستمد النماذج العقلية هذه من عائلاتنا وأصدقائنا ومؤسسات مثل الجامعات والمجتمع بشكل عام.

تعلِّق "مارثا" قائلة: "ما يميز هذه المرحلة من حياتك هو أنَّها توصلك إلى مفترق الطريق: فإما أن تختار اتباع بوصلتك الداخلية أو الامتثال للجماعة، واتباع بوصلتك الداخلية الآن أهم من أي وقت مضى؛ لأنَّ الثقافة التي تفرض عليك شخصية معينة باتت متهالكة".

تعتقد "مارثا" أنَّ الوظائف التي كانت تعطينا مكانةً وفرصاً للارتقاء عبر التسلسل الهرمي أصبحت تختفي تدريجياً، وذلك بفضل انتشار فِكْر زاد من قيمة المرونة؛ فتقول: "يمنحك هذا الفكر فرصة للتوقف عن اتباع الثقافة الجمعية واتباع بوصلتك الداخلية بدلاً من ذلك، وربما قادك حادث سيارة لاعتماد هذا الفكر، ولكن يصل إليه كثير من الناس نتيجة تدهور أمور أخرى في المجتمع؛ إذ لم تعُد مجالات العمل والوظائف وحتى العائلات متماسكة كما في الماضي، وجميعها بمنزلة "حوادث" تؤدي إلى تغيرات في تفكيرنا".

شاهد بالفديو: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

اتباع المشاعر للعثور على الهدف:

سواء لم تعُد الحياة من حولنا تلائمنا أم تجلَّت أمامنا فجأة حقيقة كنا غافلين عنها، فإنَّ السؤال هو: كيف نتَّبع بوصلتنا الداخلية؟

تقول "مارثا": "إنَّ الآلية التي تجد من خلالها هدفك مزروعة داخلك، وتتجلى من خلال عواطفك، لذا ما يقربك من هدفك هو الذي يمدك بأحاسيس إيجابية ومبهجة تشعرك بالراحة العاطفية وحتى الجسدية، وأي شيء يشعرك بالانغلاق والعجز والوهن، يبعدك خطوة عن هدفك، إذا تتلاعب بنا الحياة، فتعطينا ما يقربنا من هدفنا تارة، وما يبعدنا عنه تارة أخرى؛ فإذا اتخذت خطوة نحو ما يجعلك تشعر بأكبر قدر من الحرية والراحة في كل مرة، فستبلغ هدفك بسرعة كبيرة".

لسوء الحظ على الرغم من أنَّ العثور على هدفك يبدو أمراً بسيطاً، إلا أنَّه ليس بتلك السهولة دائماً؛ إذ تقترح "مارثا" التفكير بصمت في بعض الوقت، فهذا يمدنا في الشعور بالسلام والتوازن الداخلي، ويجعلنا أكثر وعياً ببوصلتنا الداخلية.

يكفي تخصيص خمس عشرة دقيقة في الصباح والمساء لممارسة التأمل أو المشي بهدوء؛ فالغاية هي فهم ما يشعرنا بالعجز في حياتنا أو يجعلنا نعتقد أنَّها خاطئة برمتها، لذا يجب أن ينبع الدافع لإحداث تغيير حقيقي في حياتنا من داخلنا؛ فكلما ازداد اهتمامنا ببوصلتنا الداخلية، عرفنا هدفنا بسرعة أكبر.

التغلب على الخوف من السعي وراء هدفك:

أحياناً حتى التعمق في مكنونات نفسك قد لا يشعرك بالراحة؛ إذ يمكن أن يثير اتخاذ قرار بتغيير حياتنا والقيام بأمر نرغب به قدراً كبيراً من الخوف.

تقول "مارثا": "لا يجب أن نولي كثيراً من الاهتمام لعاطفة مثل الخوف؛ فهو استجابة تلقائية في الدماغ، ويكون أكثر نشاطاً عند معظم الناس، وحتى عندما نكون في مأمن من أي خطر، فنحن نُخيف أنفسنا بأفكار مثل: لن أتمكن أبداً من النجاح في هذا المجال، أو لا أستطيع ترك وظيفة مستقرة، أو التخلي عن الراتب والمزايا الصحية هو تصرُّف غير مسؤول مني".

تؤكد "مارثا" على كلامها بالاقتباس الآتي: "مثلما تتميز المحيطات بملوحة مياهها، كذلك تتميز المعرفة بطعم الحرية"؛ إذ ترتبط الفكرة هذه بالجهد الذي نبذله لاكتشاف هدفنا ثم استجماع الشجاعة لتحقيقه؛ فتقول: "لا يجب أن تتساءل: هل أنا خائف من القيام بذلك؟ بل هل التفكير في القيام بذلك يمنحني مزيداً من الحرية؟ فالحرية فكرة مخيفة؛ ولكنَّها لا تقيِّدك".

متعة التدفق الذهني:

يعلم علماء الأعصاب الآن ولحسن الحظ أنَّ ما يميز الهدف الصعب من السهل؛ هو الشعور بالسعادة في أثناء تحقيقه، فيشير عالم النفس "ميهالي شيكسينتميهالي" (Mihaly Csikszentmihalyi) إلى ما يحدث للمرء عندما يكون منهمكاً في عمل ما رغبة فيه ولا شيء سواه، بالتدفق الذهني (flow).

قضى "شيكسينتميهالي" عقوداً من الزمن في البحث عن الجوانب الإيجابية للتجربة الإنسانية، ولخَّص ما وجده في كتابه "التدفق: علم النفس وراء التجربة المُثلى" (Flow: The Psychology of Optimal Experience)، ويقول: "إنَّ المرء يعيش أقصى درجات السعادة عندما يكون في حالة من التدفق الذهني، الأمر الذي يستلزم التركيز التام في نشاط يملك كل انتباه المرء وحواسه، ويحدث هذا فقط عندما نقوم بشيء صعب علينا، مثل تسلق الصخور أو إتقان العزف على البيانو، فتختفي مشاعر الخوف المعتادة كالقلق والندم، ويغمرنا شعور بالإنجاز والاندماج والتحفيز".

تقول "مارثا" عن ظاهرة التدفق الذهني: "نخرج من حالة التدفق الذهني والفرح يغمرنا"، وتقدم مثالاً عن لعب الجولف: "على الرغم من أنَّ الأمر يبدو غريباً، إلا أنَّ دماغ اللاعب يجب أن يكون في قمة الهدوء كي يتمكن من إحراز ضربة مثالية، وهذا هدف صعب جداً والسعي إلى تحقيقه يمدنا بسعادة غامرة".

إذا كنا نحصل على السعادة والرضى من صعوبة تحقيق الهدف، فعلينا أن نتجاهل الخوف الذي يجعلنا نعتقد بأنَّ جهودنا ستذهب سدى إذا خرجنا من منطقة راحتنا؛ فإذا أردنا أن تنجح مخاطرتنا وسعينا إلى تحقيق أهدافنا، فعلينا أن ندرك أنَّ الخوف ليس إشارة تنذر بالفشل؛ بل بمنزلة رفيق دائم يجب أن نتعلَّم كيفية إدارته.

تقول "مارثا": "يفيد الخوف إذا كنا في خطر محدق، أما إذا كان كل ما يخيفك هو فكرة أنَّك لا تستطيع تحقيق هدفك، فلن يفيدك أبداً؛ بل سيشعرك بالعجز بدلاً من الحرية، لذا لا يجب أن تقيس الأمور بما إذا كانت مخيفة أم لا؛ بل بما إذا كانت تمنحك الحرية".

شاهد بالفديو: 20 مثالاً على الأهداف الشخصية الذكية لتحسين حياتك

إنشاء "نماذج عقلية" جديدة للسعي وراء هدفك:

ربما عَلِم بعضنا هدفنا الحقيقي منذ وقت طويل، ولكنَّنا لم نتمكن من مواءمته مع تلك النماذج العقلية التقليدية التي ورثناها؛ كأفكار مثل أنَّ التمثيل ليس عملاً حقيقياً، أو إدارة منظمة غير ربحية لن تحقق مردوداً مادياً، وإضافة إلى ذلك قد يكتشف بعضنا أنَّ عدم رضانا ناجم عن علاقاتنا أو طريقتنا في التعبير عن إبداعنا بعيداً عن مسارنا الوظيفي.

طرائق بديلة للسعي وراء هدفك:

أولاً، لست مضطراً لترك وظيفتك لتحقيق هدفك، وعلى سبيل المثال، قد لا يكون إنشاء مؤسسة غير ربحية خياراً مناسباً لمن لا يملك خبرة في مجال الأعمال، ولكن ربما تحقق مرادك من خلال التطوع، فتكون جزءاً لا يتجزأ من منظمة شخص آخر.

إليك 3 طرائق تساعدك على السعي وراء هدفك:

1. وضع الحدود:

إذا كان شعورك بعدم الرضى ناجماً عن علاقاتك غير الداعمة، وسواء مع العائلة أم الأصدقاء الذين لا يشجعونك على قضاء الوقت الذي تحتاجه في مهمة معينة، فالخيار بيدك أيضاً؛ لأنَّك أنت من يضع الحدود وتحدد الطريقة التي يعاملك بها الآخرون؛ لذا اعمل على تسوية أمورك مع الآخرين، ولكن لا تتنازل عن رغباتك.

2. تغيير مسارك المهني:

تقول "مارثا" لأولئك الذين يرغبون بتغيير مسارهم المهني: "هذا هو أفضل وقت للانطلاق وحدك وتحقيق الدخل بأساليب جديدة؛ فثمة طرائق زادت من أهمية الإبداع في وقتنا، ولم تكن تدر دخلاً في الماضي"، وتشير "مارثا" إلى كتاب للمؤلف "دانييل بينك" (Daniel Pink) بعنوان: "عقلية جديدة كلياً: لماذا سيكون المستقبل بين يدي أصحاب الدماغ الأيمن" (A Whole New Mind: Why Right-Brainers Will Rule the Future)، والذي جاء فيه:

"كانت القوة في العقود القليلة الماضية بين يدي أصحاب عقلية معينة، مثل مبرمجي الحاسوب الذين ينفِّذون التعليمات البرمجية، والمحامين الذين ينشئون العقود، وحَملة ماجستير إدارة الأعمال الذين يتعاملون مع الأرقام، ولكن تبدَّلت القوى الآن، وأصبح المستقبل ملك أولئك الذين يتمتعون بعقلية مختلفة تماماً، كالمبدعين والمتعاطفين وصانعي المحتوى الهادف، والذين يشملون الفنانين والمخترعين والمصممين ورواة القصص ومقدمي الرعاية والمفكرين بمستقبل الأمور، وسينال أولئك الآن أثمن مكافآت المجتمع، ويشاركون أعظم أفراحه".

تقول "مارثا": "كان مفهوم الوظيفة في القرن العشرين يتمحور حول العمل في المصانع، فتعمل أنت وعمال آخرون لعدد من الساعات في نفس المكان، وأما الآن لم يعُد ذلك ضرورياً كثيراً بفضل التكنولوجيا، ومن ثم فإنَّ هذه الأنواع من الوظائف تختفي تدريجياً؛ إذ بدأت تتدفق الفرص الغريبة هذه لكسب المال من خلال القيام بأعمال إبداعية".

3. رسم خارطة حياتك بنفسك:

عندما تخرجت ابنة "مارثا"، وقررت الانتقال إلى مرحلة الدراسات العليا، سألت ابنتها عن شعورها تجاه هذا القرار، فأجابت ابنتها: "أكثر ما يدعو للإحباط في الأمر هو أنَّه من الصعب جداً تخصيص وقت للرسم، وهي الطريقة التي أكسب بها المال مؤخراً".

اتضح أنَّ ابنة "مارثا" كانت ترسم قصة مصورة ناجحة عبر الإنترنت، فحصلت من خلال هذا المشروع على إحالات وعمولات لدرجة أنَّها كانت تجني منه كثيراً من المال، ولم تجد سبباً يدفعها لاستكمال الدراسات العليا.

قد لا يبدو بيع رسوم القصص المصورة على الإنترنت مهنة حقيقية إذا قارناها بالنماذج العقلية السائدة، ولكنَّها طريقة فعَّالة لكسب المال من خلال العمل بما تحب، وعلى الرغم من أنَّ ذلك قد يبدو مناسباً بالنسبة إلى شابة خريجة، لكنَّه قد يصعب على أشخاص مستقرين في حياتهم اتباع رغبة كهذه وتغيير مساراتهم المهنية تغييراً جذرياً.

اكتشف المؤلف "سيث جودين" (Seth Godin) كيفية تحقيق دخل من الأعمال الإبداعية، وكيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة للعمل بما تحب وعيش حياة كريمة في نفس الوقت؛ ففي كتابه "الركيزة: هل أنت شخص لا غنى عنه؟" (Linchpin: Are You Indispensable?)، يكتب جودين: "المشكلة هي أنَّ ثقافتنا استبدلت العبقرية والبراعة الفنية بالاستقرار الظاهري"، وعلى الرغم من أنَّه لا يرى ضرورة ترك الوظيفة، إلا أنَّه يقترح قائلاً: "حان الوقت للتوقف عن التمسك بالنظام السائد ورسم خارطة حياتك بنفسك".

التركيز على فرحة العثور على الهدف:

كانت "مارثا" تبلغ من العمر 25 عاماً عندما حل بها مصاب، وهذا اضطرها إلى رسم خارطة حياتها من جديد.

أخبرتني عبر الهاتف عن اللحظة التي فتحت عيونها، وهي مستذكرة الحادثة التي ألهمتها لتأليف كتابها الصادر عام 1999 بعنوان: "في انتظار قدوم آدم" (Expecting Adam)، فقالت: "كنت حاملاً في الشهر السادس تقريباً، ولقد قضيتُ فترة شبابي في جامعة "هارفارد" (Harvard)، واعتقدت أنَّ الهدف من حياتي هو ارتقاء التسلسل الهرمي الذي فرضته ثقافتي، والذي كان التعليم في حالتي، ولكن كنت آمل أن يؤدي ذلك إلى كسب المال والسلطة والثروة والمكانة، ولقد كنتُ أشعر بطفلي في جوفي وتعلَّقتُ به، وكان موعد ولادتي قد اقترب، ومن ثم تم تشخيص إصابته بمتلازمة داون".

أخبرها "المنتورز" والمعلمون والقادة الذين كانت تتعامل معهم أنَّها لا ينبغي أن تنجب هذا الطفل، فتقول: "لقد قيل لي إنَّ حياته لا قيمة ولا معنى لها ولا ينبغي أن يولَد، ولقد كانت نية هؤلاء الأشخاص طيبة، ولكن فجأة بدأت أتساءل: ما هو الهدف من حياة الإنسان؟ وما الذي يجعل من جلب إنسان إلى العالم أمراً مقبولاً؟ وأدركتُ أنَّ كثيراً من الأشخاص الذين كانوا يخبرونني أنَّ هذا الطفل لن يكون سعيداً أبداً، لم يكونوا في الواقع سعداء، ولم أكن أعرف أي شخص مصاب بمتلازمة داون، لكنَّني سمعت أنَّهم يمكن أن يكونوا أشخاصاً سعداء؛ فما هو مبرر الوجود إذاً؟ توصلتُ إلى أنَّ تجربة الفرح بحد ذاتها سبب مقنع للوجود، وأنَّه لن يكون لحياتي قيمة إذا لم أتمكن من تحقيق ذلك فيها، وأنَّه إذا كان بإمكان طفلي أن يحظى بقدر هائل من السعادة في حياته، فإنَّ حياته ذات قيمة حتى لو لم يرتد جامعة "هارفارد" مطلقاً، لذا أنجبتُ طفلي، وأصبح مصدر إلهامي منذ ذلك الحين".

شاهد بالفديو: كيف تحدد أهدافك وتنجزها دون توتر؟

اتباع ما يمدك بالفرح:

تقول "مارثا": نحن لا نرغب بالأشياء حقاً؛ بل بالعواطف التي نربطها بها، ولقد أثرت فيني الفكرة هذه تأثيراً عميقاً؛ فعندما نرغب بسيارة جميلة، فإنَّ ما نسعى إليه حقاً هو البهجة التي تمدنا بها قيادة محرك قوي بسرعات عالية، أو المتعة التي يمنحها لنا تصميمها المُتقَن، أو حتى الصورة الذاتية الجميلة التي أعطانا إياها ركوب سيارة فارهة، ولسوء الحظ لا تمنحنا الممتلكات والوظائف والعلاقات التي نسعى وراءها دائماً المشاعر التي نعتقد بأنَّها ستمدنا بها"؛ فتنصحنا "مارثا" بأن نتجه نحو الفرح، ومن ثم نستمده من أنفسنا لا من أشياء أخرى.

غيَّرت "مارثا" مسار حياتها بعد ولادة طفلها "آدم" (Adam)، فبدأت تبحث في كيفية تحقيق الرضى في الحياة، وبعد أن أصبحت أُمَّاً لثلاثة أطفال، تقترح أنَّ العثور على الفرح ينطوي على ممارسة اليقظة الذهنية، وهو ما يشبه فكرة التدفق الذهني.

عرَّفت أستاذة علم النفس بجامعة "هارفارد" "إلين لانجر" (Ellen Langer) في مقابلة أجرتها مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review) معها اليقظة الذهنية بأنَّها: "عملية التقصد في ملاحظة الأشياء الجديدة؛ فهذا يجعلك تركز على الحاضر، وإنَّها جوهر الشعور بالاندماج؛ لأنَّها لا تستنفد الطاقة، بل تولِّدها".

يبدو السعي وراء الأشياء المريحة في الحياة دون وعي، مثل الاعتياد والمسار الوظيفي المتوقع طريقةً مؤكدةً لتحقيق الأمن والسعادة، ولكن عندما نحيا بوعي، ونلاحظ مشاعرنا الإيجابية ونتَّبعها، سنتمكن من اكتشاف ما يجعلنا سعداء حقاً، وسنجد هدفنا، وعلى الرغم من اعتقادنا بأنَّ ذلك قد يؤدي مؤقتاً إلى مواجهة الصعوبات والشعور بالخوف، إلا أنَّ خيار التعامل مع هذه الأمور كسُبُل للفرح وليس كعوائق عائدٌ لك، فإما أن نحاول العودة إلى حياة لم تعُد تناسبنا، أو نصغي إلى حدسنا ونتصرف بناءً على ما نشعر بأنَّه الخيار الصائب.

يقتضي العثور على هدفنا إيجاد الرغبة في الإصغاء إلى أصدق مشاعرنا، ومن ثم تجاهل الخوف الذي يصاحبه، ما لم نكن في خطر محدق بالطبع.

الاهتمام بهدفك:

توصي "مارثا" بممارسة اليقظة الذهنية لاكتشاف شعورك تجاه جوانب حياتك المختلفة، وربما تساعد على إرشادك نحو هدف؛ لذا تذكَّر وقتاً كان عليك فيه القيام بشيء لم يكن ممتعاً بالنسبة إليك، فمن الممكن أن يكون الأمر متعلقاً بالعمل أو الدراسة أو العلاقات أو أي شيء آخر لم يعجبك، ولاحظ المشاعر التي تجتاح جسدك، ومن ثم تذكَّر شيئاً جعلك تشعر بالرضى الحقيقي، ولاحظ كيف تشعر أيضاً؛ إذ يرشدك الشعور الإيجابي نحو هدفك، وبينما يوجهك الآخر نحو ما هو من المفترض أن تتجنبه.

في الختام:

اكتب الآن قائمة بالأشياء التي عليك القيام بها هذا الأسبوع، وراجع القائمة وتخيَّل إنجاز جميع المهام، ولاحظ كيف يستجيب جسدك لذلك، وحدد علامة لكل عنصر في القائمة، بحيث تحصل أكثر استجابة جسدية سلبية على -10، والأكثر إيجابية على +10، وحدد علامة الصفر إذا كانت مشاعرك محايدة.

على سبيل المثال، قد تأخذ استجابة سلبية خفيفة مثل غسل الملابس علامة -2، وبعدها اجمع العلامات لتعرف ما إذا كنت تركز على المشاعر الإيجابية أم السلبية، وإذا أردتَ الحصول على نتائج أفضل تقترح "مارثا" التخلص من شيء كنت ستفعله، ولكنَّه يؤدي إلى استجابة سلبية، واستبداله بشيء يمنحك استجابة إيجابية، فإذا واصلتَ إجراء هذا الاستبدال مع مرور الوقت، فسوف تكوِّن حياة مثالية.