تأثير بيئة العمل السامة على الصحة النفسية

تأثير بيئة العمل السامة على الصحة النفسية
(اخر تعديل 2024-05-02 06:00:20 )
بواسطة

تُشعِر تلك البيئة موظفيها بالتقدير، فتزداد ثقة الموظف بنفسه ورضاه عن وظيفته، وينعكس ذلك إيجاباً على إنتاجيته، فبيئة العمل المريحة والصحية هي أمر جيد للموظف، ويجب على الشركة التي تريد رفع مستوى أداء موظفيها لزيادة الأرباح ورفع جودة المنتجات تقديم الدعم النفسي لموظفيها بتوفير جوٍّ من الصداقة والإخاء والتعاون.

هذا ما نسعى إليه جميعاً، فمعظم الموظفين أكدوا على أنَّ بيئات العمل السامة التي عملوا بها سابقاً، تركت ندوباً نفسية لم يتمكنوا من معالجتها بشكل سهل، ولكن كيف تعرف أنَّك ضمن بيئة عمل سامة؟ وما هي التأثيرات التي تتركها في الصحة النفسية والجسدية؟ وكيف يمكنك التعامل مع بيئة العمل السامة؟

يقدِّم لك مقالنا الحالي الإجابات عن الأسئلة السابقة؛ كيلا تؤذي نفسك وجسدك في مكان لا يستحقك، فحياتك تُعاش مرة واحدة ولا يمكن تعويض ما يفوت من الوقت، فتابع قراءة المقال.

بيئة العمل السامة:

هي مكان للعمل يتمتَّع بطاقة سلبية دائماً نتيجة ما يظهر فيه من سلوكات سلبية، فلا يشعر الموظف بالحافز عند ذهابه صباحاً للعمل ولا يشعر بالارتياح في أثناء وجوده في مكتبه أو المكان المخصص له، بخلاف البيئة التي يشعر الموظف فيها بالانتماء والراحة والتي تحفزه على الإبداع والابتكار في كل وقت.

علامات بيئة العمل السامة:

قد تتساءل عن كيفية معرفة إن كنت في بيئة عمل صحية أم سامة بعد تعريفنا للبيئة السامة، فتعرَّف إلى علاماتها لتحدد طبيعة بيئة عملك:

1. غياب ثقة الموظفين ببعضهم بعضاً:

لا يوجد في بيئة العمل السامة جو الألفة بين الموظفين، وبين الموظفين والإدارة؛ لأنَّ الإدارة تتعامل مع الموظف على أنَّه آلة تنفذ الأوامر فقط، فلا أهمية لوجهة نظره ولا مشاعره، وينعكس ذلك على علاقة الموظفين ببعضهم بعضاً.

2. الخوف من ارتكاب الأخطاء:

لا يُسمَح للموظف في تلك البيئة أن يرتكب الأخطاء ومن ثم تصحيحها، حتى الأخطاء البسيطة إن قام بارتكابها فسوف يجد كثيراً من اللوم في المقابل، وهذا يجعل الموظف بحالة خوف دائمة تمنعه من الإبداع والتركيز في أثناء العمل، فهدفه هو عدم الوقوع في الخطأ فقط.

3. غياب التقدير:

يتعرض الموظف في البيئة السامة للانتقاد حتى عند قيامه بالعمل على الوجه المطلوب، فلا يجد المديح أو الثناء على عمله ولا يتم تقدير إنجازاته.

4. غياب الدعم:

البيئات الصحية توفر للموظفين فرصاً للتطور والنمو ومواكبة التغيرات الحالية في مجال عملهم؛ وذلك من خلال إرسالهم إلى دورات تدريبية أو الاستعانة بمدربين وما شابه، وبخلاف ذلك في البيئة السامة، لا تتم مساعدة الموظف على التقدم، فالفرص غائبة، وهذا ما يحبط الموظف الطموح.

5. القيادة السيئة:

للقائد دور رئيسي في نشر الطاقة السلبية في العمل؛ وذلك من خلال عدم تواصله مع الموظفين، ووضع قوانين صارمة وعدم مراعاة الظروف الشخصية، وعدم تقديم الإرشادات الكافية للموظف؛ بل تركه يواجه المصاعب والتحديات وحده ومن ثم محاسبته على أبسط الأخطاء، وقد تتميز الإدارة بالتمييز بين الموظفين على أساس الدين أو الجنس أو العرق، أو قد تتميز بالتسلط، فيستغل المدير حاجة الموظف للعمل، فيطلب منه العمل لساعات إضافية دون مقابل أو يوكل إليه المهام في أيام العطل الرسمية وفي مختلف الأوقات.

6. العلاقات الشخصية سيئة:

نتيجة ما يتعرض إليه الموظفون من ضغط نفسي في بيئة العمل السامة؛ نجد علاقاتهم الشخصية مع بعضهم بعضاً غير صحية، فتزداد الغيرة فيما بينهم والسخرية والتنمر وتقليل الاحترام، إضافة إلى انتشار الإشاعات والأخبار الكاذبة باستمرار، والتي تتسبب بزيادة الحالة النفسية سوءاً.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لتستطيع التركيز في بيئة عمل سامة

تأثير بيئة العمل السامة في الصحة النفسية والجسدية:

كل ما ذكرناه من نقاط سلبية سائدة في بيئة العمل تؤثر في صحة الموظف النفسية والجسدية، فينتج عن ذلك ما يأتي:

  • المشكلات النفسية التي تظهر على الموظفين في بيئة العمل السامة كثيرة، وأبرزها التوتر الدائم والقلق والأرق، وبمرور الوقت سيصل الموظف إلى حالة عدم الأمان النفسي، فيشعر بأنَّه كمن يتعرض للعقاب أو الإذلال أو كأنَّه محاصر طوال الوقت وبالطبع سينتج عن ذلك الضغط النفسي شعور بالاكتئاب وينعكس على علاقاته الشخصية والمهنية وعلى أدائه في العمل.
  • الضغط النفسي الموجود في بيئة العمل السامة يجعل العقل بهالة تأهُّب قصوى ودائمة، فيشعر كأنَّه في خطر مستمر، وينتج عن ذلك عدم قدرة العقل على التفكير بشكل صحيح واستخدام المهارات التي يمتلكها في العمل، وهذا ما يفسر قلة الإنتاجية.
  • الصحة الجسدية تتأثر بما يحدث في بيئة العمل السامة بشكل كبير، فتنتج عن ذلك اضطرابات في النوم والهضم والإصابة بالأمراض المزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة الناتجة عن الاستعانة بتناول كميات كبيرة من الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات لتحسين الحالة النفسية، وكذلك ارتفاع الكوليسترول والإصابة بالصداع النصفي والآلام في المفاصل.

كيف تتعامل مع بيئة العمل السامة؟

لا يمكن الاستسلام لبيئة العمل السامة؛ بل يجب اتباع أسلوب مناسب لها؛ لدفع آثارها السلبية عنك، ويتم ذلك من خلال ما يأتي:

1. التركيز على الأهداف الأساسية:

تأتي مواجهة البيئة السامة من تجاهل ما يحدث ضمنها من مضايقات أو تنمُّر أو إشاعات، والتركيز فقط على المهام المطلوبة ومحاولة تنفيذها بكل ما تمتلك من قدرات، وعدم السماح لأي شيء بالخروج عن سيطرتك؛ لذلك ضع جدول عمل واضحاً وحدد الأوقات وحاول الالتزام به.

2. وضع حدود للعمل:

حتى إن كنت تتلقى لوماً كثيراً وتخاف من الانتقادات وارتكاب الأخطاء، فإياك ونقل العمل إلى حياتك الشخصية، لكي تنحصر تلك المشاعر في وقت العمل فقط، فمثلاً لا تفتح بريدك الإلكتروني باستمرار بواسطة هاتفك المحمول لتقرأ رسائل العمل، بل اكتفِ بالقيام بذلك عبر حاسوب العمل، وتجنَّب قبول الصداقة على حسابك الخاص على مواقع التواصل مع زملاء العمل ممن لا تحب التعامل معهم.

3. الابتعاد عن التفكير بالأشياء التي يصعب التحكم بها:

تفرض النجاة من بيئة العمل السامة عليك تجاهل ما لا يمكن تغييره، مثل العمل الكثير وأسلوب الشركة في وضع الخطط والتوظيف وما شابه، فتلك المهام لها أشخاص مختصين للاهتمام بها، أما أنت فعليك الاهتمام بالأشياء الخاصة بك فقط.

4. التقرب ممن تثق بهم فقط:

لا بد من وجود بعض الأشخاص ممن يمكن التعامل معهم بثقة وتعاون واختيارهم كأصدقاء أيضاً، ويمكنك معرفة الصديق من غيره من مواقفه تجاهك والطاقة الإيجابية التي يمنحها لك خاصة في الأزمات والأوقات الصعبة.

5. التركيز على النواحي الإيجابية:

لكل بيئة عمل نواحٍ سلبية ونواحٍ إيجابية، فمثلاً ساعات العمل الطويلة والمهام الكثيرة والتنافس بين الموظفين وغياب التعاون قد يقابله راتب مرتفع يحلم به كثيرون؛ لذلك فكِّر بالأشياء الإيجابية في بيئة عملك.

6. شحن طاقتك الإيجابية باستمرار:

نتعرض جميعاً لضغوطات نفسية، ونحتاج إلى سلوكات تساعد على التخلص من الطاقة السلبية واستعادة الهدوء، منها ممارسة الرياضة يومياً بالذهاب إلى النادي أو المشي في الطبيعة أو ممارسة تمرينات الاسترخاء، ويؤدِّي التحدث مع النفس بإيجابية دوراً هاماً، فدائماً قل لنفسك كلمات إيجابية مثل: "سأتغلب على المصاعب، لست متوتراً، كل شيء جيد"، وتعاطف مع نفسك دائماً بالاحتفاء بإنجازاتك مع أصدقائك دون انتظار تقدير الإدارة، وتذكَّر أنَّ دوام الحال من المحال؛ لذلك تفاءل بأنَّ كل شيء سيتغير نحو الأفضل.

7. عدم ممارسة السلوكات السلبية:

من الضروري ضبط النفس وعدم السماح للتيار بجرفك، فلا تقم بالسلوكات التي تزعجك كالتنمر وقلة الاحترام مثلاً، وفكر جيداً قبل تقديم رد فعل تجاه تصرُّف الآخرين معك.

8. التخطيط للرحيل:

في حال قمت بما ذكرناه آنفاً من خطوات لتحافظ على صحتك النفسية والجسدية في بيئة العمل السامة ولم تنجح، فالأفضل أن تخطط للرحيل، وتبدأ بالبحث عن فرص عمل جيدة بهدوء وسرية، فالإدارة السيئة والمتسلطة قد تقوم بطردك من العمل إن شعرت بذلك، وعند العثور عليها سارع وقدم بسرية، وعند قبولك ارحل من البيئة السامة دون تردد.

في الختام:

تُشعِر بيئة العمل الصحية الموظف بقيمته، فيسارع لبذل قصارى جهده ليحقق وتحقق الشركة نجاحات باهرة، بخلاف بيئة العمل السامة التي تكثر فيها المشكلات والمضايقات التي تمنع الموظف من استخدام مهاراته في إنجاز المهام نتيجة حالة التوتر والقلق التي يعيشها، والتي تتسبب مع مرور الوقت بإصابته بالاكتئاب وكذلك تسيء لحالته الجسدية، فتنتج عنها اضطرابات في النوم وإصابة بالأمراض المزمنة، كارتفاع الضغط وأمراض القلب وغيرها.

كل ذلك ينعكس سلباً على حياة الموظف المهنية والشخصية، فيرافقه القلق في كل مكان؛ لذلك يجب مواجهة البيئة السامة بتركيز الموظف على مهامه الخاصة، وتجنُّب التفكير بالأمور التي تقع خارج سيطرته والتقرب من الأشخاص الإيجابيين والتركيز على النواحي الإيجابية، وإن لم يتمكن من التعايش مع تلك البيئة، فالأفضل البحث عن فرص عمل أفضل والرحيل عنها.