قصة معاذ بن

قصة معاذ بن
(اخر تعديل 2023-06-21 00:24:16 )
بواسطة

أرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مصعب بن عمير-رضيَ الله عنه- بعد بيعة العقبة الأولى إلى المدينة المنورة، ليعلّم أهلها الإسلام والقرآن الكريم، وليقوم بدعوة النّاس إلى رسالة الإسلام، وكان معاذ بن جبل -رضيَ الله عنه- من الذين آمنوا على يديه، ولم يلبث حتى توجّه في العام الذي يليه في موسم الحجّ إلى مكّة، ليلقى النبيّ فيها ويُشهر بيعة العقبة الثانية، وكانت هذه البيعة أوّل واقعة يشهدها معاذ -رضيَ الله عنه- بعد إسلامه، وقد كانت هذه البيعة بمثابة الباب الذي فتح للمسلمين تأسيس دولة للإسلام في المدينة بعد استقبال الأنصار للمهاجرين فيها، وبايع معاذ -رضيَ الله عنه- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على حمايته، والوقوف في صفّه، والمسالمة معه، وكان له من العمر آنذاك ثمانية عشر عاماً.


وبعد الهجرة آخى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بينه وبين عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنهما-، وذلك بحسب قول الواقدي، وقال ابن إسحاق أنّ أخاه في الإسلام هو جعفر بن أبي طالب -رضيَ الله عنه-، وأرسله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى اليمن قاضيّاً ومعلّماً يقضي بين النّاس ويعلّمهم شرائع الإسلام ويجمع الصدقات.


اتّخذ معاذ بن جبل -رضيَ الله عنه- الدّعوة إلى الإسلام في المدينة المنورة على عاتقه، وكان معه صديقه معاذ بن عمرو -رضيَ الله عنه-، وكان النّاس قد اعتادوا في المدينة أن يتّخذ كلّ منهم صنماً خاصّاً له في بيته غير تلك الأصنام التي تكون لعامّة القوم، وتعاهد معاذ بن جبل وصديقه عمرو -رضيَ الله عنهما- على أن يجعلا صنم عمرو بن الجموح سخرية، فيذهبا إليه ليلاً ويضعانه في المكان الذي يضع فيه النّاس القمامة والفضلات، فحلّ الصّباح ولم يجد عمرو الصنم في مكانه؛ بل في القمامة، فغضب وقال: ويلكم من عدا عن آلهتنا الليلة؟ ثمّ يأخذه ويطهّره ويعيده إلى مكانه.


وفي مرّة علّق عمرو بن الجموح علي صنمه سيفه، وقال له: "إنّي والله لا أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان بك خير فامتنع، فهذا السيف معك"، فلما جاء اللّيل أقبلوا إليه فأخذوا السّيف وعلّقوا به جيفة كلب، ثمّ رموه في البئر، فأصبح عمرو يبحث عنه حتى وجده بالبئر مربوطاً بالكلب، فجاءه من أسلم من القوم وتحدّثوا معه، فأسلم وحُسن إسلامه، وقام معاذ بن جبل برفقة ثعلبة بن عنمة وعبد الله بن أنيس -رضيَ الله عنهم- بتكسير أصنام بني سلمة وتحطيمها أيضاً.


كان معاذ بن جبل -رضيَ الله عنه- مطيعاً لله -تعالى- ولرسوله، يحرص على تعليم النّاس الخير، حتى أنّ عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنه- قرأ قول الله -تعالى-: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ)، قاصداً معاذ، وكان -رضي الله عنه- عالماً بالفقه، وأعلم النّاس بالحلال والحرام، وقد أبقاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمكّة المكرّمة لمّا خرج إلى حُنين؛ ليعلّم النّاس الفقه والقرآن الكريم، وقال فيه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يأتي معاذٌ يومَ القيامةِ أمامَ النَّاسِ برَتوَةٍ)، وقال -عليه الصّلاة والسّلام- أيضاً: (إنَّه يُحشَرُ يومَ القيامةِ بينَ يدَيِ العُلماءِ نَبْذَةً)، وقد كان أحد الثلاثة الأنصار الذين يقدّمون الفتوى في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن أهل الشورى في خلافة عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه-.


أرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيّاً ومعلّماً، وأوكل إليه مهمّة جمع الزكاة من العمّال، وجعله أميراً على الجند، حيث قسّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- اليمن إلى خمسة أقسام وأعطاه قسماً منها، وبعث معه أبا موسى الأشعري -رضيَ الله عنه-، وأوصاهما قائلاً: (يَسِّرَا ولَا تُعَسِّرَا، وبَشِّرَا ولَا تُنَفِّرَا، وتَطَاوَعَا ولَا تَخْتَلِفَا)، وقد كان قبله باليمن علي بن أبي طالب -رضيَ الله عنه-، لكنّ العلم الذي نشره معاذ -رضيَ الله عنه- باليمن كان أكثر.


بايع معاذ بن جبل -رضيَ الله عنه- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في بيعة العقبة الثانية على الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وسار على هذا الطريق دون ملل حتى توفاّه الله -تعالى-، فلم يتغيّب عن أيّ من غزوات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، بل شهدها كلّها، وهو ما ذكره ابن هشام وابن الأثير، حيث قالا: شهد بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ابتداءً من العقبة الثانية إلى تبوك، وهي آخر غزوات النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، وفيها كان معاذ -رضيَ الله عنه- قريباً من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فروى عنه أحداث الغزوة.


وبعد غزوة تبوك أرسله النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- إلى اليمن، واستمرّ في جهاده بعد عودته من اليمن، وقد كان حينها قد تُوفّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، كما أنّه شارك في الفتوحات الإسلاميّة في بلاد الشام، وجعله عمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه- أميراً على جند الشام بعد وفاة أبي بكر الصديق -رضيَ الله عنه- بدلاً من أبي عبيدة -رضيَ الله عنه- الذي تُوفّي بالطّاعون.


تُوفي معاذ بن جبل -رضيَ الله عنه- في نفس العام الذي ولّاه فيه عمر -رضيَ الله عنه- على الشّام، وذلك في السنّة الثامنة عشرة، وكان عمره ثمان وثلاثين عاماً، حيث أصابه طاعون عمواس وكان حينئذ قريباً من الأردن، وعمواس هي قرية تقع بين الرّملة وبيت المقدس، فنام على فراش الموت، وكان ينظر إلى الأصحاب من حوله ويقول: انظروا هل أصبحنا؟ فيخرجون ويقولون: كلّا، ثم يُعيد عليهم، فيخرجون ويقولون: نعم، فيقول: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النّار، وذلك من شدة خشيته وخوفه من الله -تعالى-، وقد دُفن في القصير المعيني المعروف بالغور، وبموته انتهى نسل بني إدّى.