7 مؤشرات تحدد مستقبل العمل التجاري (الجزء الأول)

7 مؤشرات تحدد مستقبل العمل التجاري (الجزء الأول)
(اخر تعديل 2024-03-28 04:49:14 )
بواسطة

أثبتَت السنوات القليلة الماضية أنَّ التغيير هو الثابت الوحيد في كل من الحياة والعمل، وقد ساهم تطور التكنولوجيا في تسريع وتيرة الأعمال التجارية والتغييرات أكثر من أي وقت مضى، لذا تحتاج الشركات إلى مواكبة هذه التطورات والتغييرات حتى تضمن استمراريتها، وهنا تبرز أهمية إدراك مؤشرات التغير في قطاع الأعمال.

تتعرض الشركات لضغوطات هائلة في العصر الحديث؛ بسبب تسارع التغيرات الجذرية التي تحدث في كافة القطاعات وعبر مختلف الثقافات، وفقدان شعبية المنتجات والأفكار بسرعة أكبر من أي وقت مضى، ويتميز العصر الحالي بالتطورات المتسارعة، وإنَّ الفترة الفاصلة بين الاختراعات والابتكارات لم تعد تتجاوز بضعة أشهر.

أصبحت الشركات المنافسة قادرة على كشف جميع تحركاتك بطريقة الاطلاع على محتوى المدوَّنات والمواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التسويق الرقمي، وتعرف الشركات المنافسة طبيعة الخدمات التي تقدمها وتعتمد عليها في إطلاق خدمات أفضل وأكثر تطوراً منها؛ إذ ساهم توفر وسائل التواصل في بناء ثقافة تتطلب من الشركات تقديم خدمات فائقة الجودة وبسرعة كبيرة دون أي تأخير، وهنا يبرز التساؤل الآتي: كيف يمكن للقائد أن يتعامل مع هذه التطورات؟ ويحسِّن جودة خدماته ومنتجاته؟ ويتفوق على منافسيه في السوق؟

يجب على القائد أن يتأقلم مع هذه التغييرات ويدرك أنَّ كل قرار يتخذه يحدد مصير الشركة، ويستعد لما سيحدث في المستقبل، ويفهم طبيعة العوامل التي تسبب التغيرات التجارية.

الاستفادة من التغيرات في تحقيق النجاح التجاري:

يحاول القادة في جميع القطاعات أن يتحكموا بالظروف، ومن ثم يستثمرونها لصالحهم بدلاً من أن يخضعوا لها، ويقتضي نجاح العمل التجاري تقديم خدمات تلبي احتياجات العملاء، ومتابعة التوجهات السائدة في قطاع العمل، وتوقع التحديات والاستعداد لها قبل حدوثها.

تشير الدراسات الإحصائية إلى أنَّ 96% من الأعمال التجارية تنهار خلال مدة أقصاها 10 سنوات، في حين يستمر ما نسبته 4% فقط من كل المشاريع الناشئة، وهذا لا يعني أنَّ المشروع يحقق أرباحاً؛ بل إنَّه ما زال مستمراً في العمل، ومؤشر العشر سنوات هو مجرد بداية للمشروع الناجح؛ إذ يستطيع القائد أن يتوقع التغيرات قبل حدوثها ويستعد لها عندما يدرك وجود عوامل ومؤشرات تنذر بحدوث أزمات تجارية.

مؤشرات حدوث التغيرات التجارية:

فيما يأتي 7 مؤشرات تحدد مستقبل العمل التجاري:

1. دخول منافسين جدد إلى السوق:

يؤدي دخول المنافسين الجدد إلى حدوث خسائر كبيرة في الشركة، ويشهد على هذه الحقيقة عدد كبير من الأمثلة على مر التاريخ، ويُذكَر من هذه الأمثلة شركة "بلوك باستر فيديو" (Blockbuster Video) التي كانت تسيطر على السوق، ولكنَّها اضطرت لإشهار إفلاسها بعد أن رفضت شراء شركة ناشئة منافسة لها.

بلغت قيمة أرباح شركة "نتفليكس" (Netflix) ما يزيد عن 31.6 مليار دولار في عام 2022، وهي تُعدُّ من أبرز منصات البث في العالم، وجرت عدة محاولات لبيع شركة "نتفليكس" الناشئة في عام 2000 لشركة "بلوك باستر" مقابل 50 مليون دولار فقط في الوقت الذي كانت تبلغ فيه عائدات "بلوك باستر" حوالي 4 مليار دولار سنوياً.

قدمت "نتفليكس" كثيراً من التنازلات للانضمام لشركة "بلوك ماستر"، ولكنَّ الأخيرة فشلت في إدراك قدرات منافسها، ورفضت الصفقة، ودفعت الثمن باهظاً فيما بعد بسبب عجزها عن ملاحظة هذا المؤشر.

أطلقت شركة "بلوك باستر" خدمة الاشتراك في البث بعد حوالي 4 سنوات، وكان قد بلغ عدد مشتركي "نتفليكس" في ذلك الوقت حوالي 4.2 مليون شخص، واحتفلت "بلوك باستر" بوصول عدد المشتركين إلى 50 مليون في عام 2007، في الوقت الذي أعلنت فيه "نتفليكس" عن توصيل مليار "دي في دي" (DVD) في ذلك العام، وأشهرت "بلوك ماستر" إفلاسها في عام 2010، في حين بلغت قيمة شركة "نتفليكس" 13 مليار دولار في ذلك العام.

يمكن أن يسبب ظهور المنافسين الجدد إفلاس الشركات التي تسيطر على السوق سواء كانت صغيرة أم عملاقة، وتنطبق هذه القاعدة على جميع القطاعات.

قد يتساءل بعض الأشخاص عن أسباب خسارة "بلوك باستر" لعملائها بعد أن بلغ عددهم حوالي 50 مليون مشترك، ولكن هذه النتيجة منطقية بسبب سيطرة خدمات بث الفيديو عبر الإنترنت مثل "نتفليكس" على السوق، فقد بلغ عدد مشتركي "نتفليكس" أكثر من 230.75 مليون مشتركاً في عام 2023، بعد أن أحدثت ثورة في السوق، واستعدت للتطورات التكنولوجية قبل حدوثها، وتسببت في حصول عدد من التغيرات الثقافية؛ لقد شقت "نتفليكس" طريقها في السوق، وتخلصت من جميع منافسيها.

لقد حظيت شركة "بلوك باستر" بفرصة للتطور والإبداع والابتكار، لكنَّها تجاهلت مؤشرات التغير في سوق تأجير الأفلام، ودفعت الثمن باهظاً، واعترف المديرون التنفيذيون في شركة "نتفليكس" أنَّ سبب نجاحهم يعود لتأخر "بلوك باستر" في إطلاق خدمات البث، وأنَّهم كانوا سيواجهون صعوبة في منافسة "بلوك ماستر" في سوق تأجير الأفلام لو أنَّ الأخيرة أطلقت خدمات الاشتراك بالبث في وقت أبكر.

شاهد بالفديو: 8 أسباب وراء فشل المشاريع التجارية

2. التغيرات التكنولوجية:

يتطلب اكتشاف مؤشرات التغير في قطاع العمل طرح الأسئلة الهادفة والتفكير في أجوبتها، فيمكنك أن تطرح أسئلة من قبيل:

  • ما هي القواسم المشتركة بين شركتك وشركة "بلوك باستر"؟
  • كيف تعرف أنَّك مُستهدَف من قبل شركة منافسة ناشئة؟

يمكن أن تفلس شركات عملاقة بسبب عقلية مدير يرفض مواكبة التغيرات التكنولوجية، وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن تزدهر الشركة وتسيطر على السوق عندما يستفيد القائد من التطورات التكنولوجية في تلبية الاحتياجات، وتحسين جودة الخدمات التي يقدمها لعملائه.

توجد عدة أمثلة عن التغيرات التكنولوجية التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية وأثرت في سير الأعمال التجارية، ومن أبرزها منصة "إنستغرام" (Instagram) التي اشترتها شركة "فيسبوك" (Facebook) في "نيسان" (أبريل) من العام 2012 مقابل مليار دولار، لك أن تتخيل عزيزي القارئ أنَّ فكرة تطبيق لمشاركة الصور مع الأصدقاء بيعت بمليار دولار.

اشترت شركة "فيسبوك" تطبيق "واتساب" (WhatsApp) مقابل 16 مليار دولار، وأُطلِق تطبيق "واتساب" في عام 2009، وقد بلغ عدد رسائل المستخدمين حوالي 10 مليار رسالة يومياً بعد 3 سنوات من إطلاقه.

يتيح التطبيق إمكانية التواصل الكتابي، والصوتي، والمرئي مجاناً، وهو ما أثر في أرباح شركات الاتصالات الخلوية التي تفرض رسوماً معيَّنة على كل رسالة أو مكالمة يجريها المستخدم، ويقدم تطبيق "واتساب" خدمات تواصل مجانية مع أشخاص من مختلف بلدان العالم، وهو ما ساهم في تغيير قواعد ومعايير التواصل حول العالم.

يُنصَح بالمشاركة في التغيرات التكنولوجية حتى تترك بصمتك في العالم وتنجح في قطاع الأعمال، وتتجنب التداعيات السلبية الناجمة عن إغفال التطورات التكنولوجية، وعليك أن تطرح على نفسك الأسئلة الآتية:

  • ما هي التكنولوجيا التي قد تؤثر في شركتي؟
  • ما هي التكنولوجيا التي سنسارع إلى تطبيقها قبل جميع المنافسين؟
  • كيف يمكنني أن أصنع التغيير في قطاع العمل؟

3. التغيرات الثقافية:

يجب التذكير في البداية ببرمجيات "نابستر" (Napster)، و"لايم واير" (Limewire)، و"كازا" (Kazaa)، و"مورفيوس" (Morpheus) التي أحدثت تغييرات ثقافية جذرية واتُّهِمت بانتهاك حقوق الملكية، فقد دفعت هذه البرمجيات الناس إلى الاعتقاد بأنَّ التعدي على حقوق ملكية الموسيقى وسرقتها هو حق مشروع وليس جرماً خارجاً عن القانون، فقد أتاحت هذه المواقع إمكانية تحميل ألبومات موسيقية كاملة حتى قبل أن يصدرها الفنان.

كان الناس فيما مضى يقصدون متاجر الموسيقى لشراء الألبومات الموسيقية، وما كان يخطر لأحد أن يسرق أحد "الأقراص المضغوطة" (CD) ويغادر المتجر دون أن يدفع ثمنه، ولكن أدت التغيرات الثقافية إلى تشريع هذه السرقة عبر الإنترنت، وأصبح ملايين المستخدمين حول العالم يسرقون الموسيقى، لكنَّهم يعدون هذا الفعل حقاً طبيعياً مشروعاً ولا يمتُّ للسرقة بصلة؛ لأنَّ المعلومات المسروقة على حد زعمهم مجانية.

نسي الناس الجهد الذي يبذله المغني على تأليف الألبومات الموسيقية وإصدارها حتى يكسب عيشه، ولقد تغيرت ثقافة الناس وتسببت في تدمير قطاع الموسيقى.

بلغت مبيعات قطاع الموسيقى في عام 1999 حوالي 38.6 مليار دولار، وقد تم إطلاق خدمة "نابستر" في العام ذاته، وهو ما أدى إلى حدوث انخفاض حاد في الإيرادات قُدِّر بحوالي 58% في السنة التالية، وبلغت الإيرادات في العام التالي لإطلاق خدمة "نابستر" حوالي 16 مليار دولار، وقد نجم هذا الهبوط الحاد عن تغيير ثقافة المستهلك.

كما هو الحال مع جميع التغييرات، يمتلك رائد الأعمال الخيار في الاستفادة من هذا التغيير وتسخيره لصالحه بدل أن يسمح له بتدمير تجارته، وهنا يجب ذكر شركة "آبل" (Apple) التي استثمرت ثقافة تناقص مدى انتباه المستهلكين وهوسهم بتحميل الملفات في إطلاق خدمة حققت شعبية وأرباحاً كبيرة.

لقد نجح رجل الأعمال الشهير "ستيف جوبز" (Steve Jobs) مؤسس شركة "آبل" في فهم عقلية المستهلكين وثقافتهم التي ترفض دفع مبلغ 15 دولاراً لشراء ألبوم موسيقي كامل، ولا تتمتع بالإصرار اللازم للبحث عبر الإنترنت لساعات طويلة لقرصنة مكتبات كاملة من الملفات وسرقتها، فخطرت له الفكرة العبقرية الآتية: بيع الأغاني بالتجزئة.

تفوقت مبيعات الأغاني الرقمية المنفردة على الأقراص المضغوطة في عام 2007، وحققت إيرادات تُقدَّر بحوالي 819 مليون دولار.

جاءت خدمة شركة "آبل" استجابةً للمناخ الثقافي السائد الذي تطلب تقديم وسيلة رخيصة الثمن وسهلة وسريعة للحصول على الموسيقى، وعرف "ستيف جوبز" كيف يستثمر التغير الثقافي لتحقيق نجاح تجاري، وقد سيطرت شركة "آبل" بفضله على سوق بيع الموسيقى بالتجزئة على مستوى العالم، ويُعزَى هذا النجاح الساحق إلى فطنة "ستيف جوبز" وقدرته على إدراك تغيير السلوكات الثقافية، واستثمارها في تجارته قبل أن يسبقه إليها رائد أعمال آخر.

تجاوزت مبيعات شركة "آبل" 25 مليون أغنية بعد مضي أقل من 10 سنوات على إطلاق "متجر آي تونز" (iTunes Store)، ولقد أحدثت شركة "آبل" ثورة في قطاع الموسيقى، وغيرت طريقة حصول المستهلكين على الموسيقى والكتب ووسائل الترفيه، وساهمت خدمات البث من أمثال "آبل ميوزك" (Apple Music)، و"سبوتيفاي" (Spotify)، و"باندورا" (Pandora)، و"أمازون ميوزك" (Amazon Music)، و"جوجل بلاي ميوزك" (Google Play Music)، و"تايدل" (Tidal)، و"يوتيوب ميوزك" (YouTube Music) في تغيير ثقافة الاستماع للموسيقى.

يتطلب الاستعداد للتغيرات التجارية الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  • ما هي السلوكات الرائجة؟
  • ما هي التغيرات الثقافية المتوقعة في المستقبل القريب؟
  • ما هي المعتقدات التي تنطبق على التوجهات السائدة؟
  • كيف يمكنها أن تؤثر في الشركة؟
  • ما هي التغيرات الثقافية التي يمكنك أن تستثمرها لصالحك؟

في الختام:

تواجه الشركات في العصر الحديث ضغوطات هائلة تفرض عليها توقع التغيرات المستقبلية، والاستعداد للتعامل معها، والاستفادة منها في التفوق على المنافسين في السوق، ولقد شَرَحَ الجزء الأول من المقال 3 مؤشرات تحدد مصير العمل التجاري، وهي دخول منافسين جدد إلى السوق، والتغيرات التكنولوجية، والتغيرات الثقافية، وسنكمل الحديث عن باقي المؤشرات في الجزء الثاني والأخير منه، فتابعوا معنا.