نظرية العزو وتفسير السلوك البشري

نظرية العزو وتفسير السلوك البشري
(اخر تعديل 2024-03-04 05:35:15 )
بواسطة

ما هي نظرية العزو؟

نظرية العزو أو الإسناد هي كيفية نسب المشاعر والنوايا إلى الأشخاص لفهم سلوكهم، على سبيل المثال، قد نطبق هذه النظرية بشكل غير مدرَك عندما نشهد شخصاً يصرخ في وسائل النقل العام، فقد تلوم شخصيته مفترضاً أنَّه شخص غاضب، وبدلاً من ذلك، قد تلوم الوضع الذي جعله غاضباً، مثل عندما تكون القطارات مزدحمة، فقد يزيد من عصبيته واحتمال تصرفه بهياج.

تتعامل نظرية العزو أو الإسناد مع كيفية شرح الأشخاص العاديين لأسباب السلوك والأحداث، على سبيل المثال، هل شخص ما غاضب لأنَّه غاضب بطبعه يبقى غاضباً أم لأنَّ شيئاً سيئاً حدث وجعله يغضب؟ ترتبط هذه التفسيرات بالأنواع الرئيسة للنظريات، وهي العزو الذاتي والعزو الوضعي.

قُدِّم تعريف رسمي من قِبل "فيسك" و"تايلور" (1991، ص 23): "تتعامل نظرية العزو مع كيفية استخدام الشخص الاجتماعي للمعلومات للوصول إلى تفسيرات سببية للأحداث، وإنَّها تفحص ماهية المعلومات التي تم جمعها وكيف يتم دمجها لتكوين حكم سببي".

كان "هايدر" (1958) يعتقد أنَّ الناس هم عباقرة نفسيون ساذجون يحاولون فهم العالم الاجتماعي، فالناس عادةً ما يرون علاقات السبب والنتيجة حتى في الحالات التي لا تكون فيها أيَّة علاقة!، فلم يطور "هايدر" نظرية بالمعنى المعتاد بقدر ما قام بتسليط الضوء على بعض الأفكار التي تم اتخاذها من قِبل الآخرين، وتوجد فكرتان رئيستان قدَّمهما أصبحتا مؤثرتين، وهما الإسناد الذاتي (السبب الداخلي) مقابل الإسناد الوضعي (السبب الخارجي).

العزو الذاتي مقابل العزو الوضعي:

1. العزو الذاتي:

ينسب العزو الذاتي سبب سلوك الشخص إلى سمات داخلية، مثل الشخصية والمعتقدات الأساسية والدوافع، فعند محاولة شرح السلوك المقصود، نميل إلى التركيز على العوامل الداخلية وتحليل شخصية الفرد، ومن خلال تفريطنا في أسباب السلوك الداخلية وتجاهل الأسباب الخارجية، نرتكب خطأ الإسناد الأساسي، وهذا يحدث عندما نفترض أنَّ أفعال الأشخاص ترتبط فقط بنوع الشخص الذي هو عليه ولا شيء آخر، وتشمل بعض الأمثلة الإضافية للعزو الذاتي:

  • أن تعزو ترقية زميلك في العمل إلى اختصاصه في الدور.
  • ربط قرار شخص بدراسة الطب بشخصيته العطوفة.
  • تفسير النظرة العدائية التي يلقيها شخص عليك في الحافلة بأنَّها ناتجة عن شخصيته العدائية.

عندما نشرح سلوك الآخرين، نبحث عن إسنادات داخلية دائمة مثل سمات الشخصية، وهذا ما يُعرَف بخطأ العزو الأساسي.

2. العزو الوضعي أو الظرفي:

ينظر العزو الظرفي أقل نحو الشخصية وأكثر نحو الحالات والأحداث، فيمكننا التفكير في هذا بوصفه نوعاً من التأثير الخارجي، وهذا النوع من العزو أكثر شيوعاً عند شرح سلوكنا؛ إذ ننظر إلى الخارج ونلوم الظروف على أنفسنا؛ وذلك لأنَّه غالباً ما يكون أسهل من تحليل الذات، وتشمل بعض أمثلة العزو الظرفي:

  • التأخر في الذهاب إلى العمل ولوم الطقس أو وسائل النقل العامة.
  • الرسوب في امتحان ولوم المعلم لعدم تحضيرك جيداً.
  • سكب مشروب على السجادة ولوم السجادة على عدم انتظامها.

نظرية الاستنتاج المتوافق لـ جونز و ديفيس:

اعتقد "جونز" و"ديفيس" (1965) أنَّ الناس يولون اهتماماً خاصاً للسلوك القصدي (بدلاً من السلوك العرضي أو الذي لا تفكر فيه)؛ إذ تساعد نظرية "جونز" و"ديفيس" على فهم عملية عزو السبب الداخلي، ويقولان إنَّنا نميل إلى القيام بذلك عندما نرى توافقاً بين الدافع والسلوك، على سبيل المثال، عندما نرى توافقاً بين سلوك شخص متساهل وكونه شخصاً ودياً.

تزودنا الإسنادات الداخلية بمعلومات نستنتج منها توقعات عن سلوك الشخص في المستقبل؛ إذ تصف نظرية الاستنتاج المتوافق الشروط التي نقوم بموجبها بعزو السبب الداخلي للسلوك الذي نَعُدُّه قصداً، وقد استخدم "ديفيس" مصطلح "الاستنتاج المتوافق" للإشارة إلى الحالة عندما يستنتج المراقب أنَّ سلوك الشخص يتطابق أو يتناسب مع شخصيته، وإنَّه مصطلح بديل للعزو الذاتي.

إذاً، ما الذي يدفعنا لإجراء استنتاج متوافق؟ يقول "جونز" و"ديفيس" إنَّنا نعتمد على خمسة مصادر من المعلومات:

1. الاختيار:

إذا كان السلوك مختاراً بحرية، يُعتقَد أنَّه بسبب عوامل داخلية (ذاتية).

2. السلوك العرضي مقابل القصدي:

من المرجح أن يرتبط السلوك القصدي بشخصية الشخص، بينما السلوك العرضي من الممكن أن يُرجح إلى الوضع أو الأسباب الخارجية.

3. الرغبة الاجتماعية:

يؤدي السلوك الذي تنقصه الرغبة الاجتماعية (غير متوافق مع الأعراف) إلى جعلنا نقوم بإسنادات داخلية (ذاتية) أكثر من السلوك الاجتماعي غير المرغوب فيه، على سبيل المثال، إذا رأيت شخصاً يركب الحافلة ويجلس على الأرض بدلاً من الجلوس على أحد المقاعد، يُعَدُّ هذا السلوك ذا رغبة اجتماعية منخفضة (غير متوافق مع الأعراف) ومن المرجح أن يتوافق مع شخصية الفرد.

شاهد بالفديو: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة

4. الارتباط الباهر:

إذا بدا سلوك الشخص الآخر مصمماً بشكل مباشر للفائدة أو الضرر لنا.

5. الشخصية:

إذا بدا سلوك الشخص الآخر مصمماً للتأثير فينا، نفترض أنَّه "شخصي" وليس مجرد نتيجة طبيعية للوضع الذي نجد أنفسنا فيه جميعاً.

نظريات تشرح نظرية العزو:

لقد وضع علماء النفس مجموعة متنوعة من النظريات لشرح عملية الإسناد أو العزو، وأكثر نظريتين معترف بهما هما نظرية الانسجام المتغير لكيلي ونظرية الاستنتاج المناسب.

أولاً: نظرية الانسجام المتغير لـ كيلي

هذه إحدى أشهر الأمثلة؛ إذ تقرر ما إذا كانت العوامل الظرفية أم التصرفية تشرح تصرفات معينة، ويقترح "كيلي" أنَّ الأشخاص يراقبون ثلاثة أدلة مختلفة لاكتشاف سبب سلوك معين:

  • الاتفاق: كيف يتصرف الأشخاص الآخرون في موقف مماثل.
  • التمييز: إلى أي مدى يتصرف الشخص بنفس الطريقة في مواقف مماثلة.
  • الثبات: مدى تكرار الشخص لهذا السلوك في كل مرة يحدث فيها الموقف.

ثانياً: نظرية الاستنتاج المناسب

تم طرحها لأول مرة من قِبل "إدوارد جونز" و"كيث ديفيس" في عام 1965، وقدَّما هذه النظرية لشرح كيف نقوم بعمل توجيهات داخلية؛ إذ تشير النظرية إلى أنَّ الأشخاص أكثر عرضة للحكم على السلوك الطوعي بدلاً من السلوك العرضي، وخلال عملية التأثير، نرى تطابقاً واضحاً بين الشخصية والسلوك لعمل توجيه داخلي، على سبيل المثال، عندما نرى صلة بين سلوك غير لطيف وكون الشخص شخصاً غير لطيف، كما قد زعم "جونز" و"ديفيس" أنَّنا قد نستند إلى توجيه التطابق على خمسة عوامل:

1. الاختيار:

إذا كان السلوك طوعياً، فمن المرجح أن يكون داخلياً.

2. السلوك العرضي أو العمد:

في هذه الحالة، يكون السلوك العرضي مرتبطاً بالحالة، والسلوك العمد مرتبطاً بالشخصية.

3. الرغبة الاجتماعية:

نحن أكثر حساسية لاستخلاص الاستنتاجات استناداً إلى سلوك غير مقبول اجتماعياً.

4. الصلة بالفائدة أو الضرر:

إذا كان السلوك من المرجح أن يفيدنا أو يضرنا.

5. الشخصنة:

إذا رأينا السلوك بوصفه مؤثِّراً مباشراً فينا، فإنَّه شخصنة وليس جزءاً من الوضع.

شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

نظرية العزو: التحيزات والأخطاء

أحياناً تمثل عملية العزو محاولتنا الخاصة لشرح سلوك معين، وغالباً ما تكون عرضة للتحيزات الطبيعية، فقد تتفاوت هذه التحيزات اعتماداً على ما إذا كانت تتضمن أنفسنا أم الأشخاص الآخرين، أم ما إذا كان السلوك تصرفياً أم ظرفياً، والتعرف إلى هذه التحيزات هو الخطوة الأولى لمكافحتها في حياتنا اليومية والمهنية وضمان تحسين علاقتنا مع زملائنا، وفيما يأتي ثلاثة من أكثر التحيزات شيوعاً:

1. الخطأ الأساسي في التقدير:

عندما نوجِّه الأسباب إلى الأشخاص الآخرين، فمن الشائع أن نوجِّه الأسباب إلى عوامل داخلية، وعلى الرغم من وجود عوامل ظرفية قد تكون موجودة، إلا أنَّ الناس غالباً ما يتجاهلون هذه العوامل لصالح عيوب الشخصية المُنظِّرة.

مثال جيد عن هذا التحيز هو لوم موظف لتأخره على اجتماع وتوجيه هذا الأمر إلى عيب في الشخصية مثل الكسل أو التأخر العادي، وفي اليوم التالي قد نقوم أيضاً بنفس الخطأ، لكن من غير المرجح أن نمارس نفس المعايير على أنفسنا، وبدلاً من ذلك، نحن أكثر عرضة لتوجيه التأخر إلى عوامل ظرفية مثل مشكلات حركة المرور.

2. الانحياز المتعلق بالممثل والمراقب:

يتعلق الانحياز المتعلق بالممثل بكيفية توجيه سلوكنا، فبدلاً من لوم العوامل التصرفية، ننظر غالباً إلى العوامل الخارجية، وقد نلتفت إلى العوامل الظرفية لسلوكنا لأنَّنا أكثر إلماماً بوضعنا الشخصي من غيرنا، بينما عندما نكون مراقِبين لسلوك الأشخاص الآخرين، نفتقر إلى المعرفة بالمتغيرات لتحليل الوضع بثقة، وبهذه الطريقة نلوم العوامل التصرفية، فكلما كنت أكثر تعرفاً إلى شخص ما، كان أقل احتمالاً أن تقع في انحياز المراقب لأنَّك تستطيع التعاطف بشكل أفضل.

إقرأ أيضاً: 7 نظريات في علم النفس تشرح لك الدافع وراء السلوك البشري

3. الانحياز الخدمي للذات:

يعمل الانحياز الخدمي للذات بوصفه آلية دفاعية لحماية تقديرنا للنفس، على سبيل المثال، إذا حصلت على ترقية في العمل، فمن المرجح أن تربط إنجازك بعوامل تصرفية، مثل ذكائك أو موقفك العملي المجتهد، وعلى النقيض، إذا تم فصلك من قِبل رئيسك، فمن المرجح أن تلوم العوامل الظرفية، مثل عدم تعاون زملائك أو كره رئيسك لك، ومن خلال تبديل كيفية توجيهنا لمواقف معينة، نحمي كفاءتنا المهنية في العمل ورفاهيتنا النفسية ونتجنب التفكير في الذات.

في الختام:

تقدِّم نظرية العزو لنا أداة قيِّمة لفهم تفسيراتنا للسلوك البشري والطريقة التي ننظر بها إلى العالم من حولنا، فمن خلال دراستها وتطبيقها، يمكننا تحليل سلوك الأفراد والمجموعات بشكل أعمق وأكثر تفصيلاً؛ إذ تساعدنا على التعرف إلى الانحيازات والأخطاء الشائعة في تصرفنا وتحليلها.

بهذا، تساهم نظرية العزو في تطوير فهمنا للعلاقات الاجتماعية وتعزيز تواصلنا مع الآخرين، كما تظل هذه النظرية أداة حيوية في مجال علم النفس الاجتماعي، وتساهم في رفع الستار عن تعقيدات سلوك الإنسان وتوجيهنا نحو تفاهم أفضل وأكثر تسامحاً في عالم يتسم بالتنوع والتعدد.