كيف تخلق أدمغة البالغين ذكريات جديدة؟

كيف تخلق أدمغة البالغين ذكريات جديدة؟
(اخر تعديل 2024-04-04 06:00:16 )
بواسطة

كيف تؤثر الذكريات في الصحة النفسية والعقلية؟

1. التأثير العاطفي:

غالباً ما ترتبط الذكريات السيئة بمشاعر سلبية شديدة مثل الخوف أو الحزن أو الغضب أو العار، فقد يستمر الاضطراب العاطفي الناجم عن هذه الذكريات، وهذا يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر والتفاعل العاطفي، ومع مرور الوقت، قد يساهم هذا العبء العاطفي في الإصابة بحالات مثل القلق والاكتئاب.

2. التأثيرات المعرفية:

قد تتطفل الذكريات السيئة على الأفكار اليومية، وهذا يؤدي إلى اجترار الأفكار أو استرجاع الذكريات، وقد يجد الأفراد صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات أو المشاركة في النشاطات بسبب الانشغال المعرفي بالذكريات المؤلمة، ويساهم هذا التأثير المعرفي في تكوين نظرة سلبية للحياة والتصور الذاتي.

3. العواقب السلوكية:

قد يطور الأفراد سلوكات التجنب بوصفها آلية للتكيف للابتعاد عن المحفزات المرتبطة بالذكريات السيئة، ويؤدي هذا التجنب إلى تقييد حياة الفرد، وهذا بدوره يحد من المشاركة في النشاطات أو العلاقات أو الأماكن المرتبطة بالأحداث المؤلمة، ومثل هذه التغييرات السلوكية قد تساهم في العزلة الاجتماعية والضعف الوظيفي.

4. الآثار الصحية الجسدية:

التعرض لفترات طويلة للضغط المرتبط بالذكريات السيئة قد تكون له آثار صحية جسدية، فقد يساهم التوتر المزمن في ظهور مشكلات مثل اضطرابات النوم، وضعف وظائف المناعة، ومشكلات القلب والأوعية الدموية، وهذا يؤثر في الصحة العامة.

5. التأثير في العلاقات:

قد تؤدي الذكريات السيئة إلى توتر العلاقات، فقد يواجه الأفراد صعوبة في إيصال تجاربهم أو قد يعرضون عن غير قصد ضائقتهم العاطفية للآخرين، فتكون صعوبة الثقة أو تكوين علاقات وثيقة نتيجة لذلك، وهذا يؤثر في العلاقات الشخصية والمهنية.

شاهد بالفديو: 7 طرق مثبتة لتقوية الذاكرة طويلة الأمد

ما هي العوامل التي تسهم في تكوين الذكريات لدى البالغين؟

يُعَدُّ تكوين الذكريات لدى البالغين عملية معقدة تتأثر بعوامل مختلفة، وفيما يأتي توضيح للعوامل الرئيسة التي تساهم في تكوين الذاكرة:

1. التوتر والكورتيزول:

تؤدي المستويات العالية من التوتر وإفراز هرمون الكورتيزول - وهو هرمون التوتر - إلى إضعاف تكوين الذاكرة، فالإجهاد المزمن يؤدي إلى مشكلات في الذاكرة على الأمد الطويل.

2. العوامل الصحية ونمط الحياة:

تؤثر الصحة البدنية والتغذية وممارسة الرياضة في الذاكرة، فيمكن لحالات مثل مرض ألزهايمر أن تؤثر بشدة في الذاكرة لدى البالغين، ويمكن للنشاط البدني المنتظم واتباع نظام غذائي متوازن والحفاظ على نمط حياة صحي أن يدعم وظيفة الذاكرة.

3. الناقلات العصبية واللدونة العصبية:

تؤدي الناقلات العصبية مثل الأسيتيل كولين والغلوتامات دوراً في اللدونة التشابكية، وهو أمر ضروري لتكوين الذاكرة، فالتغييرات في قوة التشابك العصبي - مثل التقوية طويلة الأمد (LTP) - تدعم تكوين ذكريات جديدة.

4. العمر والفروق الفردية:

تختلف قدرات الذاكرة باختلاف العمر وبين الأفراد، وغالباً ما يكون لدى البالغين الأصغر سناً عمليات ذاكرة أكثر كفاءة، ولكنَّ كبار السن قد يعوضون ذلك بالاستراتيجيات والخبرة، كما تؤثر الاختلافات الفردية في القدرات المعرفية - مثل سعة الذاكرة العاملة - أيضاً في تكوين الذاكرة.

5. الارتباط والربط:

يمكن تعزيز تكوين الذاكرة عندما ترتبط المعلومات الجديدة بالمعرفة أو الذكريات الموجودة، ويشار إلى هذا بمبدأ الارتباط، فقد يؤدي إنشاء ارتباطات ذات معنى بين العناصر - باستخدام تقنيات مثل فن الاستذكار - إلى تحسين عملية استدعاء الذاكرة.

6. النوم:

يؤدي النوم دوراً حاسماً في تعزيز الذاكرة، فخلال مراحل النوم العميق، يقوم الدماغ بمعالجة المعلومات وتنظيمها ونقلها من مخزن الذاكرة قصيرة الأمد إلى مخزن الذاكرة طويلة الأمد، فقلة النوم قد تضعف تكوين الذاكرة والاحتفاظ بها.

كيف يتعامل الدماغ مع الذكريات الحزينة؟

يتعامل الدماغ مع الذكريات الحزينة من خلال عملية معقدة تشمل مناطق وآليات مختلفة، وفيما يأتي شرح دقيق لكيفية معالجة الدماغ للذكريات الحزينة وتعاملها معها:

1. المعالجة العاطفية:

عندما يواجه الشخص حدثاً حزيناً أو مؤلماً عاطفياً، يؤدي الجهاز الحوفي في الدماغ - وخاصةً اللوزة الدماغية - دوراً هاماً، فاللوزة الدماغية مسؤولة عن معالجة العواطف مثل الحزن، فهو يشير إلى إطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول التي ترتبط بالاستجابات العاطفية، وهذه الحالة العاطفية المتزايدة قد تعزز ترميز الذاكرة الحزينة.

2. تعزيز الذاكرة:

تمرُّ الذكريات الحزينة - مثل أيَّة ذكريات أخرى - بعملية تعزيز، ويتضمن ذلك نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد إلى ذاكرة تخزين طويلة الأمد، ويؤدي الحصين - وهو البنية الحاسمة لتقوية الذاكرة - دوراً في هذه العملية؛ فهو يساعد على ربط التفاصيل العاطفية والسياقية للحدث الحزين لإنشاء ذاكرة أكثر شمولاً.

3. التنظيم العاطفي:

يمتلك الدماغ أيضاً آليات لتنظيم الذكريات الحزينة والتعامل معها، وهذا ينطوي على مشاركة القشرة الحزامية الأمامية (ACC) وقشرة الفص الجبهي البطني (vmPFC)، وترتبط هذه المناطق بالتنظيم العاطفي واتخاذ القرار، ويمكنهم مساعدة الأفراد على إعادة تفسير المشاعر المرتبطة بالذكريات الحزينة أو قمعها أو التعامل معها.

4. وظائف التكيف:

يمكن للذكريات الحزينة - على الرغم من أنَّها مؤلمة - أن تؤدي وظائف تكيفية، فيمكنها مساعدة الأفراد على التعلم من التجارب السلبية وتجنب تكرار نفس الأخطاء، وبهذا المعنى يستخدم الدماغ الذكريات الحزينة بوصفها أداة للبقاء والنمو الشخصي.

5. الوقت والاعتياد:

مع مرور الوقت، قد تنخفض القوة العاطفية للذكريات الحزينة من خلال عملية تسمى الاعتياد، ومع التعرض المتكرر أو عندما تصبح الذاكرة أبعد، تميل الاستجابة العاطفية للذاكرة إلى الضعف، وهذه إحدى الطرائق التي يتعامل بها الدماغ تدريجياً مع الذكريات الحزينة عن طريق تقليل تأثيرها العاطفي.

6. التدخلات العلاجية:

بالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون من ذكريات حزينة مؤلمة بشكل خاص، قد تساعد التدخلات العلاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج بالتعرض على إعادة تشكيل الطريقة التي يعالج بها الدماغ هذه الذكريات ويتعامل معها، ويمكن لهذه العلاجات أن تغيِّر أنماط التفكير والعواطف المرتبطة بالذكريات الحزينة، وهذا يجعلها أكثر قابلية للتحكم.

شاهد بالفديو: كيف تنسى الذكريات المؤلمة نهائياً؟

كيف تساهم الذكريات في تكوين الشخصية البالغة؟

تؤدي الذكريات دوراً هاماً في تكوين شخصية الشخص البالغ من خلال التأثير في معتقداته وسلوكاته وتصوُّره لذاته، وفيما يأتي تفسير لكيفية مساهمة الذكريات في تنمية شخصية الشخص البالغ:

1. الصدمات والتجارب السلبية:

قد يكون للذكريات المؤلمة تأثير عميق في الشخصية، وهذا قد يؤدي إلى حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو تحديات نفسية أخرى، وإنَّ الطريقة التي يتعامل بها الفرد مع الذكريات المؤلمة ويعالجها قد تشكِّل شخصيته، وهذا يؤثر في سلامته العاطفية وسلوكه.

2. الهوية السردية:

يتم نسج الذكريات في قصة حياة الفرد أو هويته السردية، فإنَّ القصص التي نرويها لأنفسنا عن تجاربنا الماضية والمعنى الذي ننسبه إليها تشكل إحساسنا بالذات والهوية الشخصية، كما يمكن للذكريات الإيجابية أو السلبية أن تؤثر في السرد الشامل الذي نبنيه حول حياتنا الذي بدوره يؤثر في شخصيتنا.

3. المواقف والنظرة العالمية:

يمكن للذكريات أن تشكل مواقف الفرد ونظرته للعالم، فقد تؤدي الذكريات الإيجابية للتجارب الثقافية أو السفر أو التعرض لوجهات نظر متنوعة إلى الانفتاح والتسامح، أما الذكريات السلبية للتمييز أو التحيز قد تساهم في مزيد من المواقف المنغلقة أو المتحيزة.

4. التعلم مدى الحياة والقدرة على التكيف:

تؤثر ذكريات تجارب التعلم، مثل التعليم والهوايات والنمو الشخصي، في قدرة الفرد على التكيف واستعداده للتعلم طوال حياته، فالذكريات الإيجابية للإنجازات التعليمية قد تعزز عقلية النمو وحب التعلم.

5. العلاقات الشخصية:

تؤثر ذكريات العلاقات السابقة، وخاصةً مع العائلة والأصدقاء والشركاء الرومانسيين، تأثيراً كبيراً في شخصية الشخص البالغ، فيمكن للذكريات الإيجابية للعلاقات الآمنة والداعمة أن تعزز الثقة والحميمية، في حين أنَّ الذكريات السلبية للصراع أو الخيانة قد تؤدي إلى صعوبات في التعامل مع الآخرين، أو مشكلات في الثقة، أو عدم الأمان في الارتباط.

6. القيم والمعتقدات:

يمكن لذكريات التجارب والتفاعلات المؤثرة أن تشكل قيم الفرد ومعتقداته، على سبيل المثال، قد تغرس الذكريات الإيجابية لعلاقة وثيقة مع أحد الأجداد قيماً عائلية قوية، وقد تؤدي ذكريات خدمة المجتمع إلى الاعتقاد بأهمية رد الجميل للمجتمع؛ إذ تشكل هذه القيم والمعتقدات أساساً لشخصية الفرد وتوجيه قراراته الأخلاقية والمعنوية.

كيف تنشئ أدمغة البالغين ذكريات جديدة؟

تقوم أدمغة البالغين بإنشاء ذكريات جديدة من خلال عملية معقدة تُعرَف باسم تكوين الذاكرة، وتتضمن مراحل عدة، وهي التشفير، والدمج، والاسترجاع، وفيما يأتي توضيح لكيفية عمل هذه العملية:

1. التشفير:

  • تتم معالجة المعلومات الواردة من البيئة الخارجية أو الأفكار والخبرات الداخلية في البداية في المناطق الحسية في الدماغ، على سبيل المثال، تتم معالجة المعلومات المرئية في القشرة البصرية، بينما تتم معالجة المعلومات السمعية في القشرة السمعية.
  • يقوم الدماغ بتصفية واختيار المعلومات التي تُعَدُّ هامة أو ذات صلة، وتتأثر عملية الاختيار هذه بالاهتمام والعاطفة والتحفيز، ومن المرجح أن يتم تشفير المعلومات التي تحظى باهتمام أكبر في الذاكرة.
  • يتضمن التشفير تحويل المدخلات الحسية إلى كود عصبي يمكن للدماغ تخزينه؛ إذ تحدث هذه العملية عادةً في الحصين؛ وهو بنية دماغية هامة لتكوين الذاكرة.

2. الدمج:

  • بعد تشفير المعلومات، فإنَّها تخضع لعملية تسمى الدمج، وخلال هذه المرحلة، يتم تعزيز أثر الذاكرة ودمجه في المعرفة وشبكات المعلومات الموجودة.
  • تتضمن عملية الدمج إعادة تنشيط المسارات العصبية المرتبطة بالذاكرة التي تحدث غالباً في أثناء النوم؛ إذ تساعد عملية إعادة التنشيط هذه على تعزيز الذاكرة واستقرارها.
  • مع مرور الوقت، تصبح الذكريات أقل اعتماداً على الحصين وأكثر اعتماداً على مناطق الدماغ الموزَّعة، وهذا يجعلها أقل عرضة للاضطراب أو الاضمحلال.

3. الاسترجاع:

  • عندما تريد الوصول إلى ذاكرة معينة، يمر دماغك بعملية الاسترجاع، ويتضمن ذلك إعادة تنشيط المسارات العصبية المرتبطة بالذاكرة المشفرة.
  • قد تتأثر عملية الاسترجاع بعوامل عدة، مثل السياق والإشارات وقوة تتبُّع الذاكرة، ومن السهل استرجاع الذكريات الأقوى.

في الختام:

الذكريات هي شبكة معقدة من العمليات العقلية التي تمكِّننا من الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها واسترجاعها من تجاربنا الماضية، وإنَّها ليست كياناً متجانساً، ولكنَّها بناء متعدد الأوجه بأنواع ووظائف مختلفة.