رمضان والمجتمع

رمضان والمجتمع
(اخر تعديل 2024-03-03 04:49:15 )
بواسطة

لأنَّ صلة الأرحام نوع من أنواع العبادة، ولأنَّ للشهر الفضيل أثراً واضحاً في تقريب النفوس والقلوب من بعضها؛ سيكون موضوع مقالنا لهذا اليوم عن شهر رمضان والمجتمع، واللمسات اللطيفة للشهر الفضيل على العلاقات الاجتماعية، وكيفية تعزيزها وتحقيق التواصل الفعال بين الأفراد والمجتمعات.

تعزيز العلاقات الاجتماعية في الأسرة:

لا يمكن البدء بالحديث عن تعزيز العلاقات الاجتماعية في شهر رمضان دون أن نبتدئ بالأسرة؛ المانحة للحب غير المشروط، والأهل والأحبة الذين أمضينا معهم سنوات عديدة بحلوها ومرها عززت من أواصر الحب تجاههم، ولكنَّ المشاغل كانت سبباً في حدوث ثغرات في التواصل معهم.

كيف نعزز العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة في رمضان؟ هذا ما سنجيب عنه:

1. التعاون وتقديم المساعدة:

ثمة فئة لا يستهان بها من الأبناء يعودون من أعمالهم فيجدون سفرة الغداء بانتظارهم، هذه الأطعمة التي جهدت الأم في تحضيرها، وبذل الأب جهداً في شراء مكوناتها من السوق، يجدونها كما يقال "جاهزة على طبق من فضة"، وفي شهر رمضان الكريم وبوصفه نوعاً من العرفان والإحساس بالآخر حريٌّ بنا وبهم أن نزيح عن كاهل الأبوين مهام تحضير الطعام والتسوق له، وإذا لم نستطع القيام بالمهمة كاملة بدلاً منهم، نستطيع تقديم العون لهم في هذه الأيام الفضيلة التي يكون الصيام فيها سبباً في انخفاض الطاقة عند الجميع.

لأنَّ وقت إعداد الطعام قبل الإفطار يكون فيه أغلب أفراد الأسرة موجودين، يمكن لمحبي المطبخ الدخول إليه وتطبيق وصفة تعلموها من الإنترنت، ويمكن لمحبي التسوق الذهاب إلى شراء العصائر والخضروات اللازمة لإعداد الإفطار، ولا تقتصر المساعدة على هذه الأمور بالتحديد، فثمة مهام منزلية تنتظر من يقوم بها.

في حالة الصيام؛ يكون الجميع منخفض الهمة ويأتي التعاون حلاً سحرياً لأداء الواجبات المؤجلة، مثل تقليم الحديقة وسقاية المزروعات والتنظيف العميق لأثاث المنزل أو أيَّة واجبات أخرى تخص فرداً بعينه كالواجبات المدرسية للصغار مثلاً، فإنَّ التعاون - وبصرف النظر عن أهميته وفائدته في تعزيز الصلات في أفراد الأسرة - من شأنه أن يجعل الوقت يمضي سريعاً وينشط الأجساد، ويقوي الانتماء إلى مؤسسة الأسرة.

2. الاجتماع على مائدة الطعام وفي الوقت العائلي:

ما يزال تناول الطعام بشكل جماعي طقساً حميمياً فريداً لأفراد المجتمع الشرقي، فعلى هذه المائدة التي أُعدت بحب من قِبل الأمهات، وجُلبت مكوناتها بجهود الآباء، تُرفع الأيدي للدعاء وشكر الله على فضله في توفير القوت واجتماع الأفراد بخير وسلام، وتُسرد كثير من الحكايا والقصص الطريفة، وتُتخذ العديد من القرارات.

في شهر رمضان تكون هذه المائدة مساءً هي ما انتظره أفراد الأسرة طيلة ساعات الصيام الطويلة، وهي ثوابهم على صبر ساعات الجوع والعطش، وتكون المائدة المتواضعة صباحاً وجبة التأهب ليوم شاق من الإحساس بمشاعر الآخرين؛ لذا من الضروري جداً الوجود على مائدة الأسرة الجماعية، وتأجيل النوم وجميع المهام التي تحول بين الجلوس على مائدة الحب والعبادة هذه.

لا يقتصر الاجتماع مع أفراد الأسرة على الموائد فقط؛ بل من الضروري قضاء الوقت برفقتهم في ساعات النهار وبعد الإفطار، فبدل أن تصلي وحيداً في غرفتك صلِّ مع أمك أو أختك، وبدل أن يتفرع كل منكم لجهازه المحمول بعد الإفطار، شاهدوا التلفاز معاً وتناقشوا بشأن الأحداث والشخصيات في المسلسلات التلفزيونية؛ لأنَّ هذا من شأنه أن يعزز القواسم المشتركة بينكم ويقوي أواصر التواصل والمحبة.

شاهد بالفيديو: 8 وصايا لغذاء وصوم صحي في رمضان

3. الصبر والبر:

يسبب الامتناع عن الطعام والشراب بالنسبة إلى الكثيرين اضطراباً في المزاج وخاصة في الأيام الأولى للصيام؛ إذ يبدأ الصداع وانخفاض الجهد والطاقة والتواكل، وفي مثل هذه الحالات لا يجب أبداً أن نستسلم للعصبية والصراخ، أو أن ننأى بأنفسنا عن كل ما يدور حولنا ونختبئ في غرفنا منتظرين أذان المغرب؛ بل إنَّ شهر رمضان هو تدريب على الصبر، فإذا ما انجرَّ أحد أفراد العائلة إلى الغضب، فلا يجب أن نواجه غضبه بغضبنا؛ بل يجب أن نصبر ونهدأ ونتجنَّب المشاحنات التي قد تضيع أجر صيامنا.

لنأخذ الأمور بروح رياضية بدلاً من ذلك، ونسعى إلى التقريب بين أي طرفين حدثت بينهما ملاسنة أو مشاحنة ما، ونتعلم الصبر بكل صيغه وأساليبه، ونبر أهلنا الذين أصبح الصيام مع التقدُّم في السن سبباً آخر من أسباب ملاحظاتهم وتوجيهاتهم، التي تكون - على الرغم من كثرتها - مدفوعة بدافع المحبة.

كيفية تحقيق التواصل الفعال بين الأفراد والمجتمعات:

إنَّ تحقيق التواصل الفعال وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات هو هدف من أهداف الدين الإسلامي، ولقد وردت نصوص عديدة في القرآن الكريم في هذا الخصوص، فكيف يمكننا استغلال شهر رمضان المبارك في تعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل الفعال؟

1. الأقربون أولى بالمعروف:

إذا ما قررنا استغلال شهر رمضان المبارك في تعزيز العلاقات الاجتماعية خارج نطاق الأسرة، فحريٌّ بنا أن نبدأ على صعيدين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، والأقربون هم الأولى بالتواصل، ونقصد الأقرباء جغرافياً؛ أي الجيران، والأقرباء بيولوجياً؛ أي الأرحام.

فأما الأقرباء جغرافياً الذين نقصد بهم الجيران، فيجب استغلال الأيام الفضيلة لزيارتهم والاطمئنان عن أحوالهم، وتفقُّد احتياجاتهم إذا ما كانوا مسنين أو من أصحاب الدخل المنخفض، فهم الأحق والأجدر بالصدقات والزكاة التي نخرجها، ولا شيء يخفف من ثقل الأيام والوحدة وطول مدة الصيام إلا زيارة الجار المحب لجاره ومحادثته والترفيه عنه.

هنا لا بد لنا أن نضيء على عادة جميلة دارجة في بعض المجتمعات، وهي توزيع طبق من طعام الإفطار للجيران في رمضان؛ إذ تعكس هذه العادة الألفة والمحبة بين الجيران، فلا يستطيع أحدهم أن ينام شبعاناً وجاره جائع، وهي سر التنوع الشهي للأطباق على موائد الإفطار الرمضانية في تلك المناطق.

أما النوع الآخر من الأقرباء فهم أقرباء الدم أو الأرحام الذين تربطنا بهم صلات قرابة دموية، والذين تسكن محبتهم في قلوبنا بالتأكيد، ولكنَّ مشاغل الحياة وضجيجها يحول بين لقائنا بهم، وفي شهر رمضان المبارك تكون الفرصة ذهبية لزيارتهم ودعوتهم إلى الإفطار؛ إذ تكون المتعة مضاعفة بالاجتماع بهم، وبمشاركتهم أداء الطاعات والعبادات والمأكولات أيضاً.

في شهر رمضان تكون الفرصة مناسبة جداً للاعتذار عن الأخطاء التي ارتُكبت بحق الأقرباء وإصلاح سوء تفاهم حصل بيننا وبين أحدهم، والتوسط بين طرفين متخاصمين منهم لإعادة الوداد إلى مجراه، فهو شهر الرحمة والتسامح وفعل الخير.

2. في العمل:

إنَّ العمل نوع من أنواع العبادة، وفي شهر رمضان الكريم الذي يكون فيه الثواب مضاعفاً، لا بد لنا أن نستغل هذه الفترة لبذل جهود عظيمة في العمل تحقق لنا الطموح الذي نرغب به، وتساعدنا على أداء دورنا في خدمة الإنسانية، كما يكون انغماسنا في العمل وسيلة لقضاء الوقت الطويل بشيء مفيد وفعال.

على صعيد العلاقات المهنية، يكون شهر الخير فرصة مواتية للاعتذار من الزملاء الذين حدث بيننا وبينهم سوء تفاهم في وقت ماضٍ، أو لمسامحة الزملاء الذين طرقوا أبوابنا معتذرين، وفيه أيضاً يمكن تعزيز التراحم بين الزملاء، فيتم جمع مبلغ مالي يُهدى لزميل فقير الحال أو آخر مريض تتم زيارته وتقديم مبلغ مالي له أو هدية تخفف عنه وطأة المرض.

شهر رمضان أيضاً فرصة جديدة للمنافسة الشريفة مع الشركات الأخرى، وفي دعوتهم إلى إفطار جماعي لتعزيز الروح المهنية التي تضع نصب عينيها خدمة المجتمع وتقديم الأفضل له.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإنجاز العمل في رمضان بكفاءة وفعالية

3. في كل مكان:

لا تقتصر العلاقات الاجتماعية على المنزل والعمل، فنحن نلتقي يومياً بعشرات الأشخاص الذين يكوِّنون مجتمعنا، والذين يكون شهر رمضان المبارك فرصة ثمينة لتعزيز علاقاتنا الاجتماعية بهم، وتحقيق التواصل الفعال معهم.

في شهر رمضان نستطيع إرسال المعايدات بحلول الشهر لجميع الأشخاص الذين كان لهم أثر واضح في حياتنا، مثل معلمينا السابقين أو الأطباء الذين أنقذوا حياتنا، ونستطيع التطوع في تحضير الوجبات للصائمين الفقراء أو سكان المخيمات إن وُجدوا أو ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية.

يستطيع بعض الناس التطوع بأموالهم ويستطيع آخرون تقديم جهودهم بشكل مجاني، فبعض الأطباء يقدمون المعاينات للفقراء بشكل مجاني في الشهر الفضيل، وبعض المطاعم تقدِّم وجبات مجانية لدور الأيتام، وبعض الناس يعطون السائل أضعاف ما يعطونه عادة في الأيام الأخرى، فلا تهم الطريقة ولا الأسلوب؛ بل الأهم هو الأعمال الخيرة الطوعية التي تخرج من قلوب عامرة بالإيمان والإنسانية، وتصب في سبيل تحسين المجتمع وتعزيز أواصر المحبة بين أفراده.

في الختام:

إنَّ شهر رمضان المبارك أكثر من مجرد شهر يمر مرة في السنة؛ بل إنَّه شهر عودة الإنسان إلى فطرته السليمة، وإلى إحساسه بالآخر والتصرف بناء على ذلك، وإنَّ العلاقات الاجتماعية المتينة والجيدة هي أساس ارتقاء المجتمعات وتطورها؛ ولهذا السبب حرص الإسلام على التأكيد على وصلها في هذا الشهر الفضيل، لتكون فائدة الصيام جسدية ونفسية واجتماعية في الوقت ذاته.