كيف تسترجع مشاعر السعادة والسلام الداخلي؟

كيف تسترجع مشاعر السعادة والسلام الداخلي؟
(اخر تعديل 2024-04-06 06:28:18 )
بواسطة

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "جاريد أكيرز" (Jared Akers)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في استعادة مشاعر السعادة والسلام الداخلي.

أحلام الطفولة:

بدأت أعمل في حديقة حيوانات في أوائل العشرينيات من عمري، وهي الوظيفة التي لطالما حلمت بها منذ نعومة أظفاري؛ لأنَّني تربيت في مزرعة وأحببت الحيوانات، وشعرت خلال تلك الفترة بأنَّني محظوظ جداً؛ لأنَّني استطعت العثور على رسالتي الوجودية في الحياة في سنٍّ مبكرة، ولقد كنت سعيداً جداً، حتى جاء اليوم الذي اكتشفت فيه أنَّ حياتي بائسة؛ وذلك بعد مرور سنوات عدة، وأردت أن أخوض مزيداً من التجارب وأخرج إلى رؤية العالم؛ لكنَّني سبق أن حققت حلم الطفولة ولم أعرف ماذا يمكن أن أفعل بعد ذلك.

بدأ منظوري تجاه الحياة يتغير في تلك الفترة، ولم أكن أشعر بالرضى والقناعة، وصارت الحياة شاقة ومتعِبة بالنسبة إلي ولم تُعد مبهجة وقائمة على الحب والشغف كالسابق.

مرحلة الضياع:

صارت حياتي فوضوية جداً خلال السنوات التي تلت تغيُّر منظوري وقناعاتي الشخصية، وتنقلت بين الوظائف والعلاقات على غير هدى باحثاً عن شيء يثير اهتمامي ويشبع شغفي، ولقد اكتسبتُ في تلك الفترة عدداً كبيراً من العادات غير الصحية، وباتت حياتي غير سوية على الإطلاق، وبالنتيجة شعرت بالندم والحسرة والذنب، والخيبة حتى جاء اليوم الذي قررت فيه أنَّني لا أستطيع مواصلة حياتي على هذا النحو.

قرأت ذات مرة في كتاب يتحدث عن المغنِّي الإنجليزي "جون لينون" (John Lennon) العبارة الآتية: "تستطيع أن تموت إذا أردت؛ لكنَّك يجب أن تواصل حياتك وتستمر إذا أردت أن تعيش"، وعندها قررت أن أستمر.

تخلَّصت حينها من جميع الأفكار والمفاهيم المسبقة عن الحياة والنجاح والسعادة والقناعة؛ لأنَّني تعبت من طريقة تفكيري ونمط حياتي، ولم تكن لدي أدنى فكرة عن كيفية تحقيق السعادة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي تأكدت منه.

استطعت بعد ذلك تحقيق السعادة وعيش حياة طيِّبة تفوق جميع آمالي وتصوراتي، وقد حدث ذلك بعد أن طلبت مساعدة المعالجين النفسيين والمستشارين والكوتشز والأصدقاء وأفراد العائلة، واطلعت على عدد كبير من الكتب، ومقاطع الفيديو وحضرت الندوات والمؤتمرات التي يمكن أن تساعدني، ولم أوفِّر أية وسيلة أو أي شخص يمكن أن يساعدني على تحصيل السعادة والسلام الداخلي بأي شكل من الأشكال.

اكتشفت أنَّ السعادة الناجمة عن المصادر الخارجية هي سعادة مؤقتة لا تدوم وقتاً طويلاً، وهذا يعني أنَّ السعادة تقتضي بكل بساطة أن يكون الفرد متصالحاً مع نفسه.

من المعروف أنَّ القبول الذاتي شرط لازم لتحقيق السعادة، وتكمن المشكلة في صعوبة قبول المرء لذاته، وعدم استعداده للقيام بما يلزم للحصول على نتائج دائمة.

شاهد بالفديو: 9 إرشادات تساعدك على الإحساس بالسلام الداخلي

مرحلة البحث عن الحلول:

لا يوجد أصعب من طلب المساعدة ومحاولة استكشاف الذات، ولقد اقترفت أخطاء كثيرة جعلتني أشعر بأنَّني لا أستحق السعادة، ناهيك عن إحساسي بالندم وخوفي من المستقبل المجهول الناجم عن عقليتي ونظرتي تجاه نفسي والحياة بشكل عام.

لقد ترسَّخت هذه الأفكار في عقلي على مدى سنوات طويلة، ولم أستطع التخلص منها بين عشية وضحاها أو بمجرد اتخاذي قراراً بأن أصبح سعيداً، واقتضى التخلص منها أن أعمل وأجتهد كثيراً، وأحرص على الحفاظ على النتيجة النهائية، وإنَّ المحافظة على نمط الحياة السوي أسهل بكثير من محاولة الوصول إليه.

اكتشفت أنَّ مشاعر الخوف من التغيير والأمل بمستقبل مشرق كانت تساعدني على الاستمرار من جهة وتمنعني من التقدم من جهة ثانية طوال السنوات الماضية، وكثيراً ما تدفع مشاعر الأمل الفرد للاستمرار في حياته على الرَّغم من خوفه من خوض التجارب الجديدة لتحقيق آماله وطموحاته.

اكتشفت في قرارة نفسي نوع التغيير الذي أحتاج إليه والتقدم الشخصي الذي أود فعلاً أن أحرزه، وربما أردت أن أصبح إنساناً طموحاً كما أخبرتني أمي؛ لكنَّني شعرت بأنَّني لا أستحق أن أكون هذا الشخص، أو ربما ظننت بأنَّني لا يمكن أن أرتقي لمثل هذه الشخصية المثالية مهما فعلت، ممَّا يعني أنَّني عشت في حالة إنكار لذاتي ولقناعاتي الشخصية الحقيقية؛ لأنَّني خشيت أن أكتشف ذاتي الحقيقية وأواجهها ولا يتسنى لي أن أكون سعيداً على الرَّغم من ذلك، ولقد منعني الخوف من الفشل من المحاولة.

ينطبق المفهوم نفسه على جميع جوانب الحياة الباقية، مثل العادات غير السوية والندم والمخاوف وغيرها من المنغصات التي تؤلم الضمير الإنساني، وتكبِّل الفرد وتمنعه من تحقيق الحرية المنشودة واكتشاف ذاته.

وُجِبَ عليَّ في تلك المرحلة أن أعترف بوجود الفوضى والأخطاء والمخاوف والعادات المؤذية وأحاول مواجهتها وتصويبها، واضطرِرتُ للتعامل مع هذه الفوضى حتى أقتنع بأنَّني إنساناً طيِّباً وأستحق أن أكون سعيداً في حياتي، وعندها طرحت السؤال الآتي على نفسي: "هل أستطيع أن أُصلح الوضع؟".

إذا كان جوابي "نعم"، فإنَّني سأصلِّي وأطلب من الله أن يرشدني إلى طريق الصواب حتى أُصلح حياتي أو أستعين بمعالج نفسي، وإذا كان جوابي "لا"، عندئذٍ سأعمل على مسامحة نفسي وأغفر أخطاءها وأمضي في حياتي، ولقد استعنت بالمصادر المتوفرة كلها خلال هذه العملية، والأهم من هذا كله طلبت مساعدة معالج نفسي متخصص.

مثال عملي:

عانيت قلة انضباطي ومسؤوليتي تجاه المسائل المالية بعد سنوات عدة من انقطاعي عن الجامعة، وتراكمت عليَّ الديون وقتئذٍ، وصار ضميري يؤلمني جراء ذلك، لهذا السبب لم أحظَ بعلاقة مستقرة آنذاك، فمن سيرغب في الزواج من شخص غير مسؤول وعاجز عن إدارة شؤونه المالية؟

قد ينجح الفرد في إخفاء عيوبه عن الآخرين؛ لكنَّها ستدمره من الداخل مع مرور الوقت.

لقد طلبت من المُعالِجة النفسية أن تساعدني على إدارة شؤوني المالية عندما بدأت رحلة التعافي والبحث عن السعادة، ساعدتني المعالجة على إعداد قائمة ودراسة الخيارات المتاحة للتخلص من الفوضى التي عشت فيها.

خشيت في بعض الحالات أن أتواصل مع الشخص الذي أقرضني المال، وعندها طلبت من أحد أصدقائي أن يقوم بهذه المهمة بالنيابة عني، دون أن أكترث لما سيقوله الآخرون عني، أردت أن أسوِّي الأمر وحسب حتى لو ظنَّ الآخرون بأنَّني ضعيف عندما أطلب المساعدة.

قد يظن بعض الأشخاص بأنَّ هذا المبدأ يجب أن ينطبق على المقرضين أيضاً؛ أي إنَّه يجب عليَّ أن أتواصل معهم تواصلاً شخصياً، وهذا صحيح؛ لكنَّني لم أكن أرغب في ذلك، ولم أشأ أن أُزعج نفسي، وخلاصة القول لقد تجرأت على طلب المساعدة في نهاية المطاف.

استعددت للقيام بكل ما يلزم للعثور على السعادة والسلام الداخلي؛ لأنَّني كنت مُحبَطاً جداً، ولم أعد أخشى الرفض أو الأحكام القاسية من الآخرين؛ لأنَّني ببساطة لم أعد أهتم، وأدركت وقتئذٍ أنَّ حياتي بذاتها تستحق أن أحتفي بها، وأعدُّ كل اللحظات والأحداث الجميلة نِعَماً ومكافآت إضافية.

في الختام:

يصعب على الإنسان أن يستوعب حقيقة أنَّه هو نفسه المشكلة والسبب في تعاسته؛ لكنَّ قبول هذه الحقيقة سيعزِّز من قدرته على حل المشكلة، وتجدر الملاحظة إلى أنَّ قبول شيء ما لا يقتضي بالضرورة أن تحبه، فلأنَّك المشكلة بذاتها؛ فهذا يعني أنَّ الحل بيدك.

يتسنى للفرد أن يبدأ العمل على إيجاد الحلول عندما يعترف بوجود المشكلة ويُدرك المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولا شك في أنَّ الحياة يمكن أن تكون قاسية وظالمة في بعض الأحيان، وقد تسوء الظروف وتضيق بك الأحوال؛ لكنَّك ستقدر على تجاوز الصعوبات مهما تكن شدتها، وستكتشف أنَّ ماضيك القاسي مكسب تستطيع أن تستثمره وتستفيد منه في بناء حياتك المستقبلية.

سمعتُ أحدهم يقول ذات مرة: "يجب أن نتوقف عن القلق بشأن المشكلات، ونركز على إيجاد الحلول".

سوف تجد السعادة والسلام الداخلي الذي تبحث عنهما، بشرط أن تكون مستعداً لقبول التحديات التي ستعترضك في أثناء ذلك وتعمل بجد للتغلب عليها.