الاقتصاد الرقمي وتأثيره على الأعمال والمجتمع

الاقتصاد الرقمي وتأثيره على الأعمال والمجتمع
(اخر تعديل 2024-04-10 06:14:14 )
بواسطة

ما هو الاقتصاد الرقمي؟ وكيف يعمل؟

يشير "الاقتصاد الرقمي" إلى الطريقة الثورية التي يتفاعل بها الجمهور العام والشركات ويتشاركون في المعاملات عبر الإنترنت؛ إذ بدأت الشركات باللجوء إلى العالم الرقمي بوصفه وسيلة لتحقيق التعرف إلى علامتها التجارية وصناعاتها مع ارتفاع شعبية الإنترنت، وتحوَّل المستهلكون والشركات على حد سواء إلى الإنترنت بوصفه وسيلة للبحث عن المنتجات واتخاذ القرارات وشراء ما يحتاجونه دون الحاجة إلى التحاور وجهاً لوجه.

الآن، يمكنك استخدام الإنترنت للبحث عن الفروق بين نموذجي سيارتين، وطرح الأسئلة لخبير، وإعداد التمويل، وشراء السيارة المهتم بها، وكل ذلك دون مغادرة منزلك.

كيف بدأ الاقتصاد الرقمي؟

استخدم "دون تابسكوت" لأول مرة مصطلح الاقتصاد الرقمي في كتابه الأكثر مبيعاً عام 1995 بعنوان "الاقتصاد الرقمي: الوعد والخطر في عصر الذكاء الشبكي".

في بداياته، كان يُطلَق على الاقتصاد الرقمي في بعض الأحيان اسم اقتصاد الإنترنت، أو الاقتصاد الجديد، أو الاقتصاد الشبكي بسبب اعتماده على الاتصال بالإنترنت، ومع ذلك يؤكد الاقتصاديون وقادة الأعمال أنَّ الاقتصاد الرقمي أكثر تقدماً وتعقيداً من اقتصاد الإنترنت، وفي أحد التعاريف، يعني ببساطة القيمة الاقتصادية المستمدة من الإنترنت.

يعكس الاقتصاد الرقمي الانتقال من الثورة الصناعية الثالثة إلى الثورة الصناعية الرابعة؛ إذ تشير الثورة الصناعية الثالثة - المسماة أحياناً بالثورة الرقمية - إلى التغييرات التي حدثت في أواخر القرن العشرين مع الانتقال من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التقنيات الرقمية، وتعتمد الثورة الصناعية الرابعة على الثورة الرقمية، فتستمر التقنيات اليوم في ربط العالم الفعلي بالعالم الافتراضي.

ساعدت جائحة (COVID-19) على تسارع النمو الاقتصادي الرقمي، فأصبح العمل عن بُعد والتسوق عبر الإنترنت والرعاية الطبية عن بُعد والترفيه الرقمي أموراً أساسية خلال فترات حظر التجوال والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.

لماذا الاقتصاد الرقمي هام؟

من الهام أن يفهم أصحاب الأعمال الراحة التي يشعر بها المستهلكون عندما تقدِّم العلامة خدماتها وتواصلها ومعلوماتها عبر الإنترنت بشكل كامل، فالشركات التي تستفيد من قوة الاقتصاد الرقمي تقدِّم هذه الراحة للعملاء المحتملين والعملاء الحاليين، لذلك فإنَّها أكثر عرضة لتحقيق النمو والنجاح.

مع التواصل الأكبر مع الجمهور العام، وجمع البيانات الكبيرة، والوسائل الإضافية لتحقيق أهداف المبيعات والتسويق، أثبت الاقتصاد الرقمي أنَّه أمر أساسي، وقد قدَّم هذا التحول أيضاً:

  • وسائل أسهل للشركات للتفاعل مع المستهلكين.
  • ضغطاً على الشركات لابتكار منتجات وخدمات جديدة.
  • إجراءات توفير الوقت والكفاءة لخدمة العملاء والتفاعل والمبيعات.
  • مع نسج الاقتصاد الرقمي لنفسه في حياة المستهلكين، فقد أثَّر في تقنيات واستراتيجيات وخدمات ومبيعات وعمليات معظم الشركات.

    قياس تأثير الاقتصاد الرقمي:

    قامت إدارة التحليل الاقتصادي الأمريكية (BEA) بحساب تقديرات بشأن كيف يتناسب الاقتصاد الرقمي مع الاقتصاد الفيدرالي، ووفقاً لتقديرات (BEA)، نمت القيمة الحقيقية للاقتصاد الرقمي بمعدل سنوي متوسط ​​قدره 9.9% من عام 1998 إلى 2017.

    تزعم هذه التقديرات أيضاً أنَّ الاقتصاد الرقمي كان يمثل نحو 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1997 الذي ارتفع إلى 6.9% في عام 2017، وتُظهِر هذه الاتجاهات الصاعدة نمو وتوسُّع المبيعات والخدمات عبر الإنترنت.

    تأثير الاقتصاد الرقمي في مواقع التجارة الإلكترونية:

    مع الاقتصاد الرقمي المتنامي، ازدهرت التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية في عدد من الصناعات، ومع توفُّر الإنترنت على نطاق واسع، أصبح قناة شائعة تعتمد عليها الشركات لتسويق علامتها التجارية، وتوفير المعلومات، والمشاركة في المعاملات.

    تُعَدُّ خدمات التجارة الإلكترونية التي توفِّر البرمجيات أو خدمات أخرى عبر منصة التجارة الرقمية وسيلة شائعة تجذب بها مستهلكين؛ إذ إنَّ نموذج البرمجيات مثل خدمة (SaaS) قد كان ميزة للشركات تتجاوز فيه الأنظمة التقليدية وتستمتع بالكفاءة والتوفير المرتبطين بالتكنولوجيا الحديثة.

    كان على مواقع التجارة الإلكترونية أن تتميز من بين الشركات المنافسة على جذب انتباه المستهلكين عبر الإنترنت، فقد ابتكرت الشركات التجارية الرقمية إجراءات ومنتجات مميزة لجذب هؤلاء المستهلكين.

    شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

    استراتيجيات وعمليات الأعمال:

    مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، اضطرت الشركات إلى تطوير استراتيجيات وعمليات جديدة تتبنى الطريقة التي يجري بها المستهلكون البحث، والتفاعل مع الشركات، وشراء السلع والخدمات، وقد دفعت الشركات التجارية الرقمية إلى تحسين خدماتها وضمان توفير ما يبحث عنه المستهلكون بالضبط.

    الشركات التقليدية التي لم تفكر في تأسيس وجود لها على الإنترنت سابقاً، تجد نفسها الآن تعتنق استراتيجيات وعمليات رقمية عبر التوسع في الاقتصاد الرقمي، ونظراً لتغيُّر طرائق التسوق والبحث عن المعلومات من قِبل المستهلكين، اضطرت هذه الشركات إلى تغيير طريقة تفاعلها مع هؤلاء المستهلكين، ولتصبح أكثر حباً للرقمية، قد تحتاج الشركات إلى التركيز على:

    1. أنظمة الدفع:

    يجب على الشركات اعتماد أنظمة الدفع الرقمية التي تركز على راحة العميل، ومع الفواتير الدورية، تتم فوترة خدمات العملاء المستمرة بانتظام؛ إذ يسهل الاقتصاد الرقمي على هؤلاء العملاء استلام منتجاتهم، وطلب المساعدة، ودفع فواتير الاشتراك الشهري، كما تسهِّل الفوترة التلقائية وخيارات الدفع المختلفة على العملاء شراء السلع والخدمات عبر الإنترنت.

    2. حملات التسويق:

    كان الإعلان على اللافتات كافياً لكسب التسويق للشركات في الماضي، لكن في الاقتصاد الرقمي، يجب على هذه الشركات التركيز على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي وحملات البريد الإلكتروني وغيرها من استراتيجيات التسويق عبر الإنترنت للوصول إلى العملاء حيثما كانوا.

    3. البيانات الكبيرة:

    مع مزيد من التفاعل عبر الإنترنت، تمتلك الشركات الفرصة لجمع بيانات كبيرة عن عملائها وأنماط شرائهم وتفاعلهم، ومن خلال هذه البيانات، يمكن للشركات تحسين عملياتها والفهم الأفضل للمنتجات والخدمات التي يبحث عنها عملاؤها، وتوفير تجربة عملاء محسَّنة بناءً على ما تعرفه.

    4. التعلم الآلي:

    يتم استخدام البيانات الكبيرة بشكل فعال من خلال التعلم الآلي، وباستخدام خوارزميات وعمليات تحليل البيانات المجمعة آلياً، تحصل الشركات على معرفة عن كيفية تعديل عملياتها الحالية لجذب مزيد من العملاء والحفاظ على رضى العملاء الحاليين.

    5. الذكاء الاصطناعي:

    روبوتات الدردشة، ومنصات التجارة الإلكترونية التفاعلية، وأشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي هي أمور حاسمة في الاقتصاد الرقمي المتنامي؛ إذ تضمن هذه التطورات أن يجد الزوار والمتسوقون عبر الإنترنت ما يبحثون عنه ويحصلون على الخدمة التي يتوقعونها حتى دون تفاعل بشري.

    يستمر الاقتصاد الرقمي في النمو، ويعتمد بقاء الأعمال على استعدادها لاعتناق هذا الفضاء عبر تحليل خطط التسويق والعمليات والإجراءات لتلبية المستهلكين عبر الإنترنت وتوفير المعلومات والتجارب التي توقعوها.

    شاهد بالفديو: كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟

    تأثير الاقتصاد الرقمي في الأعمال والمجتمع:

    عندما نلقي نظرة على الأرقام والتأثيرات، يمكننا القول إنَّ الاقتصاد الرقمي هو ثورة بكل معنى الكلمة، وقد أحدث تغييرات واسعة النطاق في عالم الأعمال والمجتمع عموماً، فظهور التجارة الإلكترونية وحدها مثال جيد، ويُقدَّر أنَّ مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية ستتجاوز 6.3 تريليون دولار في نهاية عام 2023.

    تظهر رؤية أكثر إثارة إلى جانب التجارة الإلكترونية عندما ننظر إلى ظهور نماذج الأعمال الرقمية التي تهيمن، وفي بعض الأحيان تستبدل نماذج الأعمال التقليدية، فالجميع يحبون تطبيق "أوبر" مثلاً الذي قلب صناعة التاكسي رأساً على عقب دون حتى أن يمتلك سيارة واحدة، أو نيتفليكس الذي أصبحت ثورة على صناعة الترفيه بخدماتها للبث وأزالت تقريباً العملاق "بلوكباستر" مع جميع متاجره.

    إضافة إلى هذه الحالات القياسية للاضطرابات الرقمية، يوجد شيء واحد مؤكد؛ وهو أنَّ هذه الشركات تتفوق في استخدام التكنولوجيات الرقمية لتقديم قيمة إضافية ومميزة لعملائها وتحقيق شمولية غير مسبوقة بسبب قابلية النمو التشغيلية للمنصات والبيئات الرقمية التي بنتها.

    كما ذُكِر آنفاً، فقد تغيَّرنا نحن العملاء أيضاً كثيراً، وتطورت تجربة العملاء مع ظهور التجارب متعددة القنوات، ونتحدث اليوم عن "اقتصاد الانتباه"؛ إذ يتنافس المعلنون والشركات وتطبيقات الهاتف للحصول على وقت المستهلك على الشاشة (بوصفه مورداً محدوداً)؛ لذا يتطور مزيد من نماذج الأعمال المتعلقة بالجمع بين التفاعلات عبر الإنترنت وغيرها.

    اليوم، يمكن للعميل اكتشاف منتج على صفحة وسائل التواصل الاجتماعي لعلامة تجارية، وشراؤه من موقع التجارة الإلكترونية، ثم استلامه في متجر البيع بالتجزئة، وربطه بتطبيقاته، ومشاركة تجربته مع أصدقائه، وكل ذلك دون فقدان لحظة.

    مع جميع تقنيات جذب الانتباه هذه، تضطر الشركات إلى استخدام التكنولوجيات الرقمية، سواء لدفع الكفاءات التشغيلية أم تقديم خدمات أفضل أم تقديم منتجات أكثر "جذباً للانتباه" أم تحسين خدمة العملاء، لكن أيضاً نحن مضطرون للتكيف مع هذا.

    تسيطر الخوارزميات على حياتنا العاطفية، وبفضل الخيارات الأفضل، لا نرغب في التواصل الشخصي بعد الآن، ومن الممكن أن نختار شريك حياتنا الرومانسي بوصفه منتجاً على أمازون يوماً ما.

    مع ذلك، كان الانتقال إلى الاقتصاد الرقمي غير سلس للجميع، فقد تعرضت بعض الصناعات التقليدية لاضطراب كبير بسبب عدم تكيفها، وكان تسارع التكنولوجيا أحياناً سريعاً جداً للتكيف في الوقت المناسب، كما نعلم كيف حالت الأمور منذ فترة طويلة بالنسبة إلى "كوداك"، فالآن، تخيل كيف لشركة ما أن تنهار عندما يصير لمواقع مثل (Threads) من (Meta) أو (ChatGPT) من (OpenAI) أكثر من 100 مليون مستخدم في بضعة أيام أو أسابيع فقط.

    في الختام:

    في ختام هذا المقال، نجد أنَّه بصرف النظر عن كيفية نظرنا إلى تأثير التكنولوجيا في الأعمال والمجتمع وأنفسنا، إلا أنَّه في عالم الاقتصاد الرقمي، التكيف والابتكار أمران حاسمان للبقاء والنجاح.