عيش الحياة دون التأثر في آراء الآخرين

عيش الحياة دون التأثر في آراء الآخرين
(اخر تعديل 2024-04-19 06:21:15 )
بواسطة

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدون "دوغلاس كارترايت" (Douglas Cartwright)، ويُحدِّثنا فيه عن عيش حياتنا كما يناسبنا.

يقول الشاعر الإنجليزي "جون دون" (John Donne): "موت أي شخص يعدُّ خسارة بالنسبة إلينا جميعاً"، ولكنَّ المصير الأسوأ من الموت هو الموت من الداخل وأنت على قيد الحياة، وهذا ما يحدث عندما تسمم نموك وتطورك من خلال السماح للآخرين بالتقليل من شأنك وتهميشك ومنعك من أن تكون الأفضل، لذا يجب أن تعلم أنَّ العيش في خوف من آراء الآخرين هو أمر سيئ.

هل آراء الآخرين هامة فعلاً؟

نعم أنت تعيش، ولكنَّك تعيش حياة مريعة ومخيفة، وهذه ليست طريقة للعيش، فإذا كنت محظوظاً بما فيه الكفاية للحصول على لحظة من الوضوح، فستدرك أنَّ ملايين الأشخاص لا يعيشون بهذه الطريقة؛ وإنَّما يعيشون حياة سعيدة ومستقرة، وعندها يمكنك البدء في التشكيك في وضعك الحالي ومن هنا تبدأ التغييرات، ومع تقدمك في العمر وزيادة حكمتك، ستدرك عدم أهمية آراء الآخرين بشأن قيمتك، ولكنَّ الحيلة تكمن في إدراك ذلك في سن مبكرة واستثمار وقتك، وربما تكون الرغبة في إرضاء الآخرين بدلاً من عيش الحياة التي نريدها قد قضت على كثير من الأحلام وما تزال تعوق ملايين الناس.

لقد مررت في بعض الظروف الصعبة والسيئة في الحياة ظروف دفعت بعض الناس إلى الانتحار، ولكنَّها لم تكن بهذا السوء بالنسبة إلي أبداً؛ لأنَّني ما زلت هنا وأنا سعيد، وإذا كان يوجد شيء واحد تعلَّمته في الحياة؛ فهو أنَّني سعيد، لذا عش حياتك، ولا تكن أحمقاً؛ لأنَّك إذا لم تعش حياتك كما تريد، فإنَّك ستعيشها كما يريد الآخرون.

أهم معيار من معايير التميز:

إنَّ أهم شيء لتصبح شخصاً عظيماً؛ هو الاهتمام بنفسك وبآرائك أولاً، والتوقف عن الاهتمام بما يعتقده الآخرون عنك، وقد يبدو الأمر أنانياً ومتعجرفاً بصورة لا تُصدَّق، لذا اسمحوا لي أن أشرح ذلك لكم:

يجب أن تكون الشخص الذي يعبر عن وجهة نظره، ويتسامى فوق رفض الآخرين له، وإذا كنت تريد فعلاً مساعدة شخص آخر ليحصل على الحكمة والرؤية، فستحتاج إلى القيام بأمور قد لا يحبها أو لا يفهمها، لذا نأمل أن يتفهم الآخرون ذلك لاحقاً، ولكن حتى لو لم يفعلوا ذلك، فأنت بحاجة إلى أن تعرف أنَّك فعلت الأمور الصحيحة.

إنَّ الاهتمام المُبالغ فيه بما يعتقده الآخرون عنَّا؛ هو أمر مُثبط للعظمة في حد ذاتها؛ أنا لا أقول إنَّنا لا يجب أن نهتم بآراء الآخرين أبداً، فأنا أعتقد أنَّه من الجيد كسب محبة جميع الأشخاص من حولنا في عالم فوضوي، ومع ذلك فإنَّ منح الآخرين الأحقية في التشكيك في قيمتنا؛ يعني أنَّنا سنعيش إلى الأبد ونحن بحاجة إلى موافقتهم، وبينما ننتظر ابتسامة أو إيماءة منهم، سيستمرون في عيش حياتهم، فهل سيجعلك هذا الأمر تشعر بالغضب لدرجة أنَّك ترغب في تغيير هذا الآن؟

بخلاف حقيقة أنَّنا أشخاص اجتماعيون، وأنَّ مستوى معيناً من الموافقة ضروريٌّ للتعايش، إلا أنَّ الحقيقة الصريحة، هي أنَّك لا تتقبل نفسك؛ لذلك تبحث عن قبول الآخرين لك.

يوجد مثل يقول: "أعمق رغبة لدى الإنسان هي أن يكون موضع تقدير"، وهذا الأمر صحيح، ولكن ما لم تقدر نفسك، فستبقى دائماً أسير آراء الآخرين، ومع ذلك لا نعتقد أنَّه يمكننا تقبُّل أنفسنا، وذلك لأنَّنا أعمينا أنفسنا عن قدراتنا الخاصة، وتقبلنا القيود التي فرضها الآخرون علينا، وإنَّها حقيقة محزنة، ولكن لا يمكن إنكار أنَّ عقولنا تميل إلى تعزيز ما نؤمن به حالياً ويتطلب الأمر الشجاعة للتشكيك في آراء الآخرين فينا، ولأنَّنا نرغب في الحصول على آراء الآخرين عنَّا، فإنَّنا نمنحهم أسباباً بانتقاد قيمتنا، وهذا إعدام للروح وحماقة من الدرجة الأولى.

ما الذي يمنح إنساناً آخر الحق في الحكم على قيمتنا؟ أليسوا مثلنا؟ ألم يولدوا مثلنا؟

فهم الحقيقة:

عندما تفهم وتستوعب كل ما سبق، وترى أنَّنا نحكم على أنفسنا في الغالب من خلال تسميات ليس لها أي أهمية، فإنَّنا نتحرر من رغباتنا في أن نكون جيدين في نظر الآخرين.

هل يعرف الآخرون أسرارنا أو أحلامنا وتطلعاتنا؟ وهل يعرفون الأمور الجيدة التي فعلناها في الخفاء؟ أو هل يعرفون أفراحنا وأحزاننا واليأس الذي شعرنا به والوحدة في جوف الليل؟ إذاً كيف يمكنهم فهم التجارب التي مررنا بها ثم يصدرون أحكاماً منطقيةً عننا؟ أو هل يمكنك معرفة كل هذه الأمور عنهم؟

أعتقد أنَّ الفيلسوف "كونفوشيوس" (Confucius) قال: "إنَّ معرفة أنَّك لا تعرف شيئاً هو بداية الحكمة"، إذاً لقد حان الوقت للتعامل مع ما يعرفه الناس حقاً ويمكنهم فعله بقليل من التواضع، وإنَّهم لا يعرفونك ومن ثم أنت لا تعرف إلا ما رأيته وسمعته عنهم.

بعد عدة سنوات وصلت إلى مرحلة عدم الاهتمام بما يعتقده الآخرون بشأن قيمتي في أعينهم؛ لذلك لا أقولها باستخفاف عندما أشير إلى ضرورة القيام بذلك.

هناك قول للمساعدة الذاتية: "ما تركز عليه يتطور وينمو"، وفي نفس الوقت ما تسمح به يتطور في عقلك أيضاً، وفي اللحظة التي أدركت فيها أنَّني يمكنني الإيمان بقيمتي الخاصة، كانت اللحظة التي بدأت فيها حقاً في تقييم نفسي، وعندما قدرت نفسي كان من السَّهل عليَ تقدير الآخرين، وعندما يمكنني تقدير الآخرين، سيكون من السهل التغاضي عن سلوكهم؛ لأنَّه توجد أمور أكثر أهميةً يجب التفكير فيها، وهي مساعدتهم على إدراك قيمتهم.

ستدرك بعد ذلك أنَّك تتساوى في القيمة مع أي شخص، ولا يتعلق الأمر بالوضع الاقتصادي أو المظهر، لذا إذا كنت أنا أو أنت أو أيٌّ كان سيفعل أي شيء ذي قيمة في هذا العالم، فنحن بحاجة لأن نرى أنفسنا على قدم المساواة مع الآخرين في القيمة.

في الختام:

أعلم أنَّ الطريقة الحالية التي يسير بها المجتمع تشجعنا على تقدير أنفسنا وفق بعض التصنيفات، مثل الجمال والمال والوظيفة، ولكن كل هذا لا معنى له، وسيؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة.

عندما تدع الآخرين يقلِّلون من شأنك وقيمتك، فإنَّك تُلحِق الضرر ليس بنفسك وإنَّما بجميع الناس، لذا لا تفعل ذلك وفكر في القيام بأمور جيدة، فإنَّ النمو والسعي إلى العظمة هي أمور طبيعية، لذا كن كما تريد، وفي أثناء سعيك ستكون أكثر سعادةً وشخصاً أفضل في كل شيء، والمفارقة؛ هي أنَّه من أجل القيام بأي شيء ذي قيمة للآخرين، يجب عليك التوقف عن الاهتمام برأيهم بك إذا فعلت أموراً لا يحبونها.