6 عوامل تسبب الاحتراق الوظيفي

6 عوامل تسبب الاحتراق الوظيفي
(اخر تعديل 2024-04-18 05:56:14 )
بواسطة

لا تُغطي المناهج الدراسية تقنيات التعامل مع الحالات والضغوطات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد في المستقبل مثل الاحتراق الوظيفي، وقد كشفت إحدى استطلاعات مؤسسة "غالوب" (Gallup) أنَّ 76% من الموظفين يتعرضون للاحتراق الوظيفي على الأقل في "بعض الأحيان"، و28% منهم في "أغلب الأحيان" أو "دائماً"، وكشفت إحدى دراسات "جامعة ستانفورد" (Stanford University) في عام 2016 أنَّ نفقات الرعاية الصحية الناجمة عن الاحتراق الوظيفي بلغت حوالي 190$ ملياراً، ما يعادل نسبة 8% من إجمالي نفقات الرعاية الصحية، كما أنَّه تسبب في وفاة 120000 موظفاً.

يرافق الاحتراق الوظيفي الفرد طوال فترة عمله تحت مسميات مختلفة مثل "الوهن العصبي" (Neurasthenia)، و"السوداوية" (Melancholia)، و"الانهيارات العصبية" (Nervous breakdowns)، و"أزمة منتصف العمر" (Midlife crises).

تكمن المشكلة في أنَّ الاحتراق الوظيفي ليس مسألة شخصية، وإنَّما هو مرتبط ببيئة المؤسسة إلى حدٍّ بعيد، وهذا يعني عدو توفر خطوات أو تغييرات تساعد الفرد على التخلص من مشكلة الاحتراق الوظيفي، ويفيد الباحثون بأنَّ "الاحتراق الوظيفي ليس مشكلة شخصية في الأفراد بحد ذاتهم، وإنَّما هو يتعلق بالبيئة الاجتماعية التي يعملون فيها"، وهذا يعني أنَّ المشكلة لا تتعلق بك شخصياً، وإنَّما هي ناجمة عن بيئة المؤسسة التي تعمل فيها، ولقد وضحتْ التقارير بما لا يحتمل اللبس أنَّ الموظف بحد ذاته غير مسؤول عن هذه المشكلة، وتم تعريف الاحتراق الوظيفي على أنَّه مشكلة تنجم عن عدم توافق الفرد مع بيئة العمل.

تكون الاستقالة؛ هي الحل الوحيد المتوفر للتخلص من مشكلة الاحتراق الوظيفي في العديد من الحالات، ولكن لا يجب اللجوء إليها قبل النظر في كافة الخيارات والحلول الممكنة.

يجب أن تدرس وضعك الوظيفي وتتأكد فيما إذا كنت تستطيع تسويته، سواء بطريقة تغيير أسلوب عملك، أم طلب مساعدة المشرف، وعندها يمكنك أن تحدد مصدر الخلل وكيفية التعامل معه، أو تتخذ قرارك بتقديم طلب الاستقالة إذا كان غير قابل للحل، ولكن عليك في البداية أن تفهم حالة الاحتراق الوظيفي والمشكلات المصاحبة لها.

يقدم المقال معلومات شاملة عن حالة الاحتراق الوظيفي من مجموعة متنوعة من المصادر: كتاب "حقيقة الاحتراق الوظيفي" (The Truth About Burnout)، "دليل هارفارد بزنس ريفيو للتغلب على الاحتراق الوظيفي" (The Harvard Business Review Guide to Beating Burnout)، وكتب "التخلص من الاحتراق الوظيفي" (The End of Burnout)، "كيف تتخلص من الاحتراق الوظيفي" (Banishing Burnout).

طبيعة الاحتراق الوظيفي:

يركز معظم الأفراد على جانب الإرهاق المرافق للاحتراق الوظيفي، ويعتقد الموظف عندها أنَّه يحتاج إلى تقليل عدد ساعات العمل حتى تتحسن حالته النفسية، وهذا الافتراض خاطئ تماماً؛ لأنَّ الاحتراق الوظيفي لا ينجم عن الإفراط في العمل وحسب، ولا يمكن علاجه بالإجازات والرحلات الترفيهية.

يتكون الاحتراق الوظيفي من 3 أبعاد متداخلة مع بعضها: الإرهاق، والتشاؤم، وضعف الفاعلية.

يعبِّر الإرهاق عن حالة تعب جسدي، وعاطفي، ومعرفي، ومن ثم يشعر الموظف بالتعب على كافة المستويات، وينجز معظم عمله بدافع السخط بدلاً من الشغف والإلهام.

يعني التشاؤم؛ فقدان الشغف والرغبة بالعمل والنفور منه، وتحوُّل موقف الفرد تجاه الوظيفة من المتعة إلى السخط، وينجم التشاؤم عن رغبة الفرد بالتخلص من شعور السخط تجاه عمله، وقد كشفت الدراسات أنَّ الفرد الذي يحب عمله يكون أكثر عرضة للإصابة بالاحتراق الوظيفي.

تبرز حالة ضعف الفاعلية عندما يشعر الموظف بالإرهاق في أثناء العمل على المهام، وبالنتيجة يفقد ثقته بقدرته على إنجاز أي عمل، وتبدأ بعد ذلك مشاعر الخزي والعجز والتوتر بالسيطرة على حالته النفسية؛ إذ يحفز التوتر استجابة "الكر أو الفر" (fight-or-flight)، ولكنَّ المصاب بالاحتراق الوظيفي إنسان منهك ومرهق وعاجز عن إبداء أي رد فعل، لهذا السبب لا يحرك ساكناً ويبقى عالقاً في مشكلته.

اكتشف عالم النفس "هيربرت فرويدينبرغر" (Herbert Freudenberger) في عام 1974 أنَّ المصاب بالاحتراق الوظيفي "يبدو، ويتصرف كما لو أنَّه مصاب بالاكتئاب".

لا تحل العطل والرحلات مشكلة الاحتراق الوظيفي، وإنَّما يجب عليك أن تدرس وضعك وتحدد مصدر المشكلة وتبحث عن الحل المناسب أو تستقيل من الشركة.

أسباب الاحتراق الوظيفي:

فيما يأتي 6 عوامل تسبب الاحتراق الوظيفي:

1. عبء العمل:

يعتقد معظم الأفراد أنَّ أعباء العمل؛ هي السبب الوحيد للإصابة بالاحتراق الوظيفي، ولكنَّها في الواقع إحدى العوامل الرئيسة المسببة لهذه الحالة، وتبرز مشكلة الاحتراق الوظيفي عند تراكم أعباء العمل وعجز الفرد عن إيجاد بعض الوقت للحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة خلال أيام الدوام، وفي هذه الحالة، يجب عليك أن تحدد سبب عدم انسجامك في مكان العمل، وتختار الحلول التي تناسبك، ويمكن أن تشمل الحلول ترتيب الأولويات، أو تفويضَ المهام وتنظيمها، أو وضعَ خطة وجدول للعمل، أو التخلصَ من نزعة المثالية، أو رفضَ الالتزام بالمهام الإضافية عندما تكون مشغولاً.

ربما أنت بحاجة لتلقي المساعدة من أجل التغلب على مشكلات الإنتاجية والتنظيم والدافع، أو للتحدث مع مديرك في العمل إذا كان بوسعه حل المشكلة، وقد تكون المشكلة مؤقتة، أو ربما هذه طبيعة وظيفتك وهي لا تناسبك.

شاهد بالفديو: ارشادات لتجنب التوتر الناجم عن العمل

2. الصلاحيات:

من الطبيعي أن تتأزمَ نفسيتك عندما لا تسمح لك سياسة الشركة بمشاركة أفكارك، أو عندما تكون محاسَباً عن أمور لا تقع ضمن نطاق صلاحياتك؛ إذ يحب الدماغ البشري السيطرة، لهذا السبب يعاني الفرد من التوتر والقلق عند غيابها.

يجب تحديد سبب عدم توافقك مع الشركة في هذه الحالة، وربما أنت منزعج من تدخل المدير المتواصل وتحكُّمه في كافة تفاصيل عملك، لذا يمكنك في هذه الحالة أن تتحدث إلى المشرف وتطلب منه منحك بعض الصلاحيات وزيادة المرونة في التعامل، أو ربما أنت تعمل في بيئة فوضوية تتعارض مع ميلك للتنظيم والتخطيط، وفي هذه الحالة لا يسعك إلَّا أن تقدم استقالتك وتبحث عن شركة تناسبك.

3. المكافأة:

لا تتعلق المكافأة بمسألة المال وحسب، وإنَّما بحصول الموظف على التقدير والعرفان الذي يستحقه، وتبرز مشكلة عدم توافق الموظف مع مكان العمل عندما يعمل بجد دون أن يحظى بالتقدير والمكافأة التي يستحقها، وقد يفقد شغفه مع مرور الوقت ويصبح موقفه سلبياً تجاه العمل.

تقتضي الخطوة الأولى للتعامل مع هذه المشكلة أن تتأكد من أنَّك تستفيد من المكافآت والمزايا التي تقدمها الشركة؛ إذ بيَّنت الدراسات الإحصائية أنَّ 54% من الأمريكيين يأخذون فقط نصف مستحقاتهم من الإجازات، و23% فقط من الموظفين يأخذون كامل الإجازات التي تحق لهم، وبلغ عدد الإجازات غير المستخدمة والمنتهية الصلاحية حوالي 236 مليون يوم في عام 2019، لذا يجب أن تتحقق من المزايا التي تقدمها الشركة وتتأكد من أنَّك تستفيد منها، كما يجب أن تحدد الإجراءات اللازمة حتى تشعر بأنَّك تحظى بالتقدير الذي تستحقه، وربما أنت تحتاج إلى مزيد من المهام الممتعة، أو الجديدة، أو تعتقد أنَّك تستحق مزيداً من التقدير.

يمكنك أن تحسم قرارك بطريقة المطالبة بعقد اجتماع مع المدير لمناقشة مسألة التعويضات، وفي حال رفض المدير طلبك بالحصول على ترقية أو علاوة، عندئذٍ يُستحسَن أن تفكر بالاستقالة.

4. الإنصاف:

تبرز المشكلة عندما تسيطر المحسوبيات، والتحيزات، وعدم النزاهة، والاحترام على بيئة المؤسسة، ولا بد أنَّك تقاطع أي شخص لا يعاملك بإنصاف واحترام في حياتك الشخصية؛ إذ يصعب عليك أن تعالج الوضع في مثل هذه الظروف، ويتمنى الجميع أن تسود العدالة في كافة ميادين الحياة، لكنَّ الواقع مختلف وغير مثالي ولا مكان للعدالة المطلقة فيه، ولا يمكن حل هذه المشكلة بالنزاع وإنَّما بالتفاوض.

تنص القاعدة الأولى في التفاوض وفقاً "لديباك مالهوترا" (Deepak Malhotra) الأستاذ في "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School): "يجب أن تكسب قبول واستحسان الطرف الآخر".

تساعدك هذه الطريقة على الحصول على النتائج التي تريدها، وفي حال باءت جهودك بالفشل، عندئذٍ يجب أن تفكر بالاستقالة؛ لأنَّ التعرض للظلم في مكان العمل يتسبب بأذية نفسية بالغة.

5. العلاقات الاجتماعية:

في حال لم يكن لديك أصدقاء أو زملاء تحترمهم وتحبهم في المؤسسة، فهذا يعني أنَّك تواجه مشكلة في الجانب الاجتماعي.

تشير الأبحاث إلى أنَّ الموظف الذي يكوِّن 3 صداقات في مكان العمل يعيش حياة سعيدة، وهذا يعني أنَّ تأثير العلاقات الطيِّبة في العمل لا يقتصر على الجانب المهني وحسب، وإنَّما ينعكس على جودة حياة الفرد برمتها.

اكتشف الباحث السابق "شون آشور" (Shawn Achor) أنَّ بناء العلاقات الاجتماعية في أثناء الظروف الصعبة يزيد من قدرة الفرد على التعامل مع الإجهاد الوظيفي، وتكمن المشكلة في أنَّ معظم الأفراد يهملون علاقاتهم الاجتماعية في أوقات الأزمات، ومن ثم عليك أن تكتشف سبب المشكلة، وربما أنت تحتاج إلى بذل مزيد من المجهود في علاقاتك الاجتماعية مع زملائك في العمل؛ إذ تحسِّن العلاقات الاجتماعية الطيِّبة من حالتك النفسية وإنتاجيتك على حدٍّ سواء، وتزداد احتمالات نجاح فريق العمل عندما يسود الود والتعاون فيما بينهم.

تحظى علاقة الموظف مع المدير بأهمية بالغة، فإذا كنت لا تتفق مع مديرك، عندئذٍ يجب أن تعمل على إيجاد حل للمشكلة حتى لا تضطر للانتقال إلى قسم آخر أو تقديم استقالتك، وتنطبق نفس الحلول على زملاء العمل السامِّين.

يقول الأستاذ في جامعة "ستانفورد" (Stanford) "بوب سوتون" (Bob Sutton) عن زملاء العمل السامِّين: "يستحيل أن يتغير زملاء العمل السامِّون ويصبحوا طيِّبين مثلك؛ بل إنَّك ستتغير وتصبح مثلهم"؛ لهذا السبب يجب عليك أن تستقيل وتنتقل من هذه البيئة قبل أن تتأثر بزملائك وتصبح سامَّاً مثلهم.

شاهد بالفديو: 7 علامات للاحتراق المهني

6. القيم:

تؤثر قيم الشركة في الحالة النفسية للموظف، ومع ذلك يهمل معظم الأفراد هذا العامل، وتبرز المشكلة عندما لا يكون الموظف مقتنعاً بقيم الشركة وأهدافها، وقد تكمن المشكلة في المشروع الذي تعمل عليه أو زملائك الذين تعمل معهم، أو ربما أنت غير راضٍ عن منتجات الشركة في حال كنت تعمل في مؤسسة تبغ على سبيل المثال، لذا يجب عليك أن تستقيل وتبحث عن وظيفة جديدة إذا لم تكن راضياً عن أهداف المؤسسة ومنتجاتها، لأنَّ هذا الوضع لا يمكن أن يتغير على الإطلاق، وأنت غير مضطر لإجهاد نفسيتك في العمل ضد قناعاتك الشخصية.

في الختام:

يتكون الاحتراق الوظيفي من 3 عوامل وهي الإرهاق، والتشاؤم، وضعف الفاعلية، وتتشابه أعراض الاحتراق الوظيفي مع أعراض الاكتئاب، وينجم الاحتراق الوظيفي عن عدم توافق الموظف مع بيئة المؤسسة، لذا يجب أن تعالج مشكلة عدم التوافق التي تواجهها في المؤسسة، وفي حال باءت جهودك بالفشل، عندئذٍ يجب أن تفكر جدياً بطلب الاستقالة.

فيما يأتي تلخيص في أسباب الاحتراق الوظيفي الواردة في المقال:

1. عبء العمل:

يجب أن تتحقق من مصدر مشكلة الاحتراق الوظيفي في هذه الحالة، وقد تكمن المشكلة في ضعف إنتاجيتك أو في أعباء العمل المجهدة التي تفرضها المؤسسة على العاملين فيها.

2. الصلاحيات:

هل تشعر بأنَّك تعمل وفق أهواء الإدارة وليس لك رأي في المؤسسة؟ يجب أن تبذل ما بوسعك للتفاوض مع الإدارة لكي تحصل على مزيد من الصلاحيات وتشارك أفكارك.

3. المكافأة:

تشمل المكافأة العائد المادي والمعنوي؛ أي الشعور بالتقدير والعرفان على الجهد الذي تبذله في العمل، لذا عليك أن تحدد احتياجاتك وتطالب بها إذا كانت منطقية ومقبولة.

4. الإنصاف:

قد ينصفك الآخرون بدافع المحبة، ولكن لا وجود للأخلاقيات المهنية والحق على أرض الواقع.

5. العلاقات الاجتماعية:

يُستحسَن أن تستقيل من المؤسسة عندما لا تكون على وفاق مع زملائك أو مديرك في العمل.

6. القيم:

لا مجال للتفاوض في هذه الحالة، فأنت تعمل في مكان لا يناسبك ولا يتوافق مع قناعاتك وقيمك الشخصية؛ لهذا السبب عليك أن تستقيل وتبحث عن وظيفة تناسبك، ولكن ماذا تفعل إذا باءت جهودك بالفشل ولم تفلح التغييرات التي أجريتها لكنَّك لا تستطيع أن تستقيل؟

تُبيِّن الأبحاث أنَّ العمل من المنزل يمكن أن يحل المشكلة في هذه الحالة إذا كان خياراً متاحاً؛ إذ أجرى الباحث في جامعة "ستانفورد" "نيكولاس بلوم" (Nicholas Bloom) دراسة قارن فيها بين الموظف العامل في مقر الشركة ونظيره الذي يعمل من المنزل، وبينت نتائج الدراسة تناقصاً في معدلات الإرهاق الناجم عن العمل، وعدد الإجازات المرضية، وتزايد مستوى الرضى وتحسن الأداء لدى الموظفين العاملين من المنزل.

يساهم العمل من المنزل في حل مشكلة الصلاحيات والعلاقات الاجتماعية، لهذا السبب يُنصَح باللجوء إليه إذا كان خياراً متاحاً، ولا داعي للتوتر في حال باءت جميع جهودك بالفشل وقررتَ البحث عن وظيفة جديدة، فأنت تعاني من حالة احتراق وظيفي وهذا أسوأ ما يمكن أن يحصل معك، ولقد وضَّح الباحثون أسباب المشكلة بكلمات لا تحمل الالتباس: لست أنت سبب المشكلة؛ بل إنَّ الأمر يتعلق بعدم توافقك مع بيئة الشركة، لذا يمكنك أن تحصل على فرصِ عمل تناسبك أكثر إذا بحثت في السوق، فقد تحرز النجاح وتتميز في وظيفتك الجديدة وتحقق جميع أحلامك وأهدافك، وفي حال باءت جميع جهودك بالفشل وعجزتَ عن حل مشكلة الاحتراق الوظيفي، عندئذ يجب أن تستقيل وتبحث عن وظيفة جديدة في مكان يناسبك؛ حتى تنجح وتزدهر وتعيش حياة سعيدة وهانئة.