تعريف الإحسان لغةً واصطلاحاً

تعريف الإحسان لغةً واصطلاحاً
(اخر تعديل 2023-09-20 06:00:15 )
بواسطة

تعريف الإحسان لغة:

يعود أصل كلمة الإحسان إلى كلمة "حَسُنَ" وهي ضد كلمة الإساءة أو نقيض كلمة "قَبُحَ"، على سبيل المثال نقول في اللغة العربية: "رجلٌ مُحسِنٌ"؛ أي هذا الرجل كثيرُ الخير.

في حديثٍ مشهور للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فأجاب: (أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)، هنا المقصود بالإحسان هو الإخلاص لله تعالى وأن يكون المسلم مؤمناً إيماناً خالصاً به ويشعر بمراقبة الله في كل حين حتى إن أراد الصلاة صلَّى بخشوع وحضور تام.

قال "ابن فارس" عن (الحُسْنُ): الحاء والسين والنون أصلٌ واحد؛ فالحُسْنُ ضد "القبح"، ويقال عن الرجل حَسَنٌ والمرأة حَسْناء أو حُسَّانَةٌ وجمعه مَحاسِنٌ وضده المساوئ.

أصل "الإحسان" لغةً مصدرٌ من "أحسن"، ويتعدى بنفسه أو بأحد غيره على سبيل المثال إن قلت: "أحسنتَ في هذا العمل"، هذا يعني أنَّك أتقنت هذا الشيء، أما إن قلت: "أحسِن إلى فلان"؛ أي "أوصل إليه النفع".

تعريف الإحسان اصطلاحاً:

مصطلح الإحسان يعني أن يعبد المؤمن ربه عز وجل؛ إذ تكون عبادته لا يتخللها الشرود أو التململ.

أضاف بعض العلماء بأنَّ الإحسان هو جميع الأعمال والعبادات التي تقرب المؤمن من ربه؛ لكنَّها من النوافل التي لم يفرضها الله على المسلم؛ لأنَّ التزام المسلم بالنوافل هو نوع من أنواع الإحسان.

من ثَمَّ نرى أنَّ تعريف الإحسان لغة واصطلاحاً متشابهين إلى درجة ما، وقال راغب في ذلك: الإحسان يقال على وجهين: أحدهما الإنعام إلى الآخرين مثلاً: أحسِن إلى فلان.

الوجه الآخر: إحسان في الفعل عند تعلم شيء حسن أو القيام بعمل صالح.

قال ابن عربي: الإحسان مأخوذ من الحُسْن؛ أي كل ما مُدِح فعله.

لقد عرَّف الإمام القرطبي الإحسان بأنَّه: "إتقان العبادة، ومراعاة أدائها أداء صحيحاً، ومراقبة الحق فيها، واستحضار عظمته وجلاله في حالة الشروع وحالة الاستمرار.

تعريف الإحسان في الإسلام:

عرَّف الإسلام الإحسان على أنَّه أعلى مراتب الإيمان وشعور المؤمن بمراقبة الله تعالى له في جميع تصرفاته، فإنْ أحس العبد بذلك ووصل إلى تلك الدرجة من الإحسان، فقد ارتقى إلى منزلة عالية ورفيعة.

الإحسان بين العبد وربه هو إتقان العبد للعمل الذي كلَّفه الله به وهو أن يكون صحيحاً ونقياً، إضافة إلى متابعة سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم التي قد بينت أنَّ الإحسان مرتبتين إحداهما أعلى من الأخرى.

ما هي أنواع الإحسان؟

بعد أن تعرفنا إلى معنى الإحسان لغة واصطلاحاً وفي الإسلام، لا بُدَّ أن تعلم بأنَّ للإحسان ثلاثة أنواع اثنين منهما يتعلقان بعبادة الله سبحانه وتعالى، أما الثالث فيتعلق بالقيام بحقوق المخلوقات:

1. إحسان متعلق بعبادة الله:

يتحقق فيه عبادة الله بسبب الخوف من غضبه؛ باجتناب الأمور التي نهى عنها، والإقبال على طاعته، والالتزام بأوامره، والقيام بما يرضيه.

2. إحسان متعلق بعبادة الله شوقاً:

هذا النوع من الإحسان يكون أعلى رتبة من الأول؛ لأنَّه يتعلق فقط بالشوق لله تعالى وحب عبادته؛ أي الأنس بقرب الله من قلب المؤمن.

يتحقق هذا النوع من الإحسان عندما يصل المؤمن إلى درجة يصبح فيها على درجة عالية من الشوق لربه وعبادته على أكمل وجه لما يشعر به من لذة بمناجاة الله والقرب منه.

3. الإحسان بأداء جميع حقوق الخلق:

هذا النوع من الإحسان يتحقق تحديداً من خلال الإحسان للوالدين مثلاً أو صلة الرحم أو القيام بالإحسان في إكرام الضيوف أو الإحسان في مساعدة الفقراء والمحتاجين، وقد يضاف إلى هذا النوع من الإحسان الرفق بالحيوانات وإطعامها وحمايتها.

لقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي في طريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الكي كان قد بلغ بي فنزل للبئر فملأ خفه وأمسك بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً، فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر".

أركان الإحسان:

للإحسان منزلة دينية عليا لا يصل المؤمن إلى هذه الدرجة حتى يكون مؤمناً بحق، وقال رسول الله في ذلك: "إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء"، أما بالنسبة إلى عدد أركان الإحسان فقد تبين أنَّه مراتب وهي:

  • مرتبة المشاهدة: هي أن يتحقق الإيمان في قلب المسلم حتى لا يرى فيه غير الله تعالى، فلا يخطو خطوة واحدة دون أن يكون الله تعالى بين عينيه وفي قلبه.
  • مرتبة المراقبة: أن يكون المؤمن مُخلِصاً إخلاصاً كاملاً لله؛ وذلك بذكره والشعور بوجوده وقربه، فلا يعمل عملاً إلا ويخلص به ويجعل فيه نية إرضاء الله تعالى.
  • الخوف والرهبة: الإحسان بسبب الخوف من غضب الله تعالى.

صور الإحسان وأشكاله:

الإحسان منهج لحياة المؤمن والصراط المستقيم الذي يجب اتباعه؛ إذ يظهر فيه سوء أخلاقه أو رقيها، ومن صور الإحسان نذكر ما يأتي:

  • الإحسان في أداء العبادات: المؤمن لا يؤدي أية عبادة، سواء صلاة أم زكاة أم صيام أم حتى قراءة القرآن إلا ويستحضر الله في قلبه، فيكمل بذلك أركان وشروط عبادته.
  • الإحسان في المعاملة مع الآخرين: حثنا النبي الكريم على أن نُحسِنَ التعامل مع جميع الناس وأهمهم الوالدان؛ وذلك بأن نُحسِن إليهما ونؤدي واجباتنا تجاههما على أكمل وجه.
  • الإحسان في العمل: أن يُحسِن المؤمن في عمله ويجعل رزقه حلالاً ويتجنب الرزق الحرام لعلمه أنَّ المال الحرام لا يدوم لصاحبه وليس فيه بركة.
  • الإحسان في رد التحية: لا ترد التحية بمثلها؛ بل بأفضل وأحسن منها، وألا تَمُدَّ يدك لمصافحة الناس إلا بقلب سليم وليس بإكراه أو إجبار، ويجب على المرء أن تعلو وجهه ابتسامة محبة يعكس فيها الفرح والسعادة.

ماهي فوائد الإحسان؟

فوائد الإحسان عديدة فهو يُعمِّر البلاد وينشر البركة في العمر والمال والأهل، وكذلك هو من وسائل الرقي في المجتمع وتقدمه:

  • إنَّ الإحسان وسيلة لإزالة ما في النفوس من الكدر وسوء الفهم أو سوء الظن، ووسيلة لتقليل العداوات والفتن والكره، وأيضاً سبب من أسباب تقليل الصراع، قال تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". (سورة فصلت: الآية 34).
  • الإحسان طريقة من طرائق الحصول على جنات عدن، فقال سبحانه وتعالى: "لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ". (سورة يونس الآية 26).
  • الإحسان طريق لرحمة الله سبحانه وتعالى كما يفتح الطريق إلى محبة الله، كما أنَّه من أسباب إحسان الله تعالى أيضاً لعباده، فقال الله تعالى: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ". (سورة الرحمن: الآية 60).
  • تستطيع من خلال الإحسان إتقان العبادة وتحسينها وإكمالها؛ فالمؤمن التقي يخشع في صلاته وعبادته ويطمئن فيها.
  • الإحساس الدائم بمراقبة الله تعالى والخوف والحياء منه؛ وذلك يقودنا إلى فعل الواجبات بحب وخشوع، مثل الصلاة والزكاة وبر الوالدين وحُسْنُ الخلق وترك المحرمات مثل الكذب والسرقة والغش والغيبة.

شاهد بالفيديو:فوائد فعل الخير على الفرد والمجتمع

آيات قرآنية عن الإحسان:

إليك الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإحسان:

  • "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء: 183)، والتي تحث على إحسان التعامل مع الآخرين وعدم التعدي على حقوقهم.
  • "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" (البقرة: 237)، والتي تدعو إلى إظهار الشكر والإحسان لمن قدم لنا فضلاً أو خدمة.
  • "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة: 195)، والتي تحث على التعامل بالإحسان مع الآخرين، وتؤكد أنَّ الله يحب المحسنين.
  • "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" (البقرة: 83)، والتي تحث على التحدث بالكلمات الطيبة والحسنة وعدم الإساءة إلى الآخرين.
  • "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13)، والتي تؤكد أنَّ الله خلق الناس متعددي الأديان والأعراق والجنسيات للتعارف والتعاون، وأنَّ الأكرم عند الله هو الأتقى والأحسن في التعامل مع الآخرين.

في الختام:

إنَّ الإحسان قيمة إسلامية رئيسة هامة في الإسلام؛ إذ يدعو المسلمون إلى تحقيقه في حياتهم اليومية، ويمكن تحقيق الإحسان من خلال التعاطف والعطاء والتسامح والعفو وغيرها من الخصائص الإيجابية التي تجعل الإنسان يتميز بحُسْن الخلق والرفقة الحسنة، ويمكن للمسلمين أن يساهموا في بناء المجتمعات القوية والمتكافئة، وتحقيق السعادة النفسية والروحية والاجتماعية من خلال تطبيق أركان الإحسان.