ما هو التشريح النفسي؟

ما هو التشريح النفسي؟
(اخر تعديل 2024-04-12 06:14:14 )
بواسطة

سنلقي نظرة على كيفية إجراء التشريح النفسي والمعلومات التي يمكن الحصول عليها منه، ونتناول أهمية هذه العملية في فهم حالات الانتحار ودورها في الوقاية والتحقيق، وسنتعمق في الفوائد التي يمكن أن يوفرها هذا الأسلوب في تشخيص الحالات النفسية وكشف الحقائق المخفية، مع التركيز على كيف يمكن أن يسهم في تحسين مفهومنا للتحديات النفسية التي قد تكون وراء الأحداث المأساوية.

ما هو التشريح النفسي؟

اخترع إدوين شنايدمان مصطلح التشريح النفسي، وكان أول من وصف هذا الإجراء بأنَّه "تحقيق شامل ذو أثر رجعي دقيق في نية الشخص المتوفى".

ببساطة، التشريح النفسي هو عملية تحديد ما إذا كان الشخص المتوفى قد توفي نتيجة لانتحار أم لا، وهذه العملية غالباً ما تكون الأداة الأكثر فاعلية لتقديم الإجابات والمعلومات الضرورية عند وقوع حادثة انتحار لتقييم سبب الوفاة إن كان نتيجة اضطراب نفسي أم حادث أم جريمة.

من خلال تحليل السجلات الطبية وإجراء الأبحاث والتحدث مع العائلة والأصدقاء، يحاول النفساني الشرعي تفسير سبب وقوع الانتحار.

من المألوف أن يسمع النفسانيون والأطباء النفسيون العاملون في الرعاية الصحية النفسية مرضاهم يتحدثون عن الانتحار أو يشعرون بأفكار انتحارية، فقد يعبرون أيضاً عن مشاعر تشير إلى اضطراب اكتئابي، ومع ذلك، إذا قام المريض فعلاً بتنفيذ خطته للانتحار، قد يُطلب إجراء تشريح نفسي.

لماذا يُجرى التشريح النفسي؟

الهدف الرئيسي من إجراء التشريح النفسي هو الوصول إلى تحديد نهائي بأنَّ الشخص قد توفي بسبب انتحار وتوفير شهادة وفاة.

إحصائياً، يتعين إصدار شهادة تشريح شرعي عند 5 و20٪ من الوفيات، وهذا يعني أنَّه يتعين إجراء تشريح نظراً لعدم وضوح سبب الوفاة، ويُطلق على هذه الوفيات اسم "الوفيات الغامضة"، وتشمل بعض هذه الوفيات الوفيات المرتبطة بالمخدرات؛ لأنَّه من الضروري تحديد ما إذا كانت الوفاة قد حدثت عن عمد أم بطريق الصدفة.

يُجرى التشريح النفسي لعدة أسباب، بينما يكون الهدف الأول والرئيس التأكد من أنَّ سبب الوفاة هو الانتحار، ويمكن أيضاً استخدامه لجمع بيانات مفيدة لأغراض الوقاية من الانتحار أو لمساعدة الأطباء النفسيين على فهم أفضل للسلوك الانتحاري والمخاطر.

تشمل الأسباب الأقل شيوعاً لإجراء التشريح النفسي التحقق مما إذا كان أحد الممارسين أو الأخصائيين النفسيين مسؤولاً بأي شكل من الأشكال، على سبيل المثال، إذا حدث انتحار لشخص كان يتعامل مع أخصائي صحة نفسية، سيُطلب إجراء تشريح نفسي لتحديد ما إذا كان ثمة إهمال من جانب الأخصائي، وفي مثل هذه الحالات، سيتمركز التشريح أساساً على جمع البيانات بشكل أساسي عن جودة ومستوى العلاج الذي تلقاه المريض قبل الانتحار.

يكون التشريح النفسي أيضاً مفيداً في كل من الحالات الآتية:

  • القضايا الجنائية.
  • مطالبات التأمين.
  • الوصايا المتنازع عليها أو قضايا الميراث.
  • قضايا تعويض العمال.
  • قضايا المسؤولية عن المنتجات.

شاهد بالفديو: 6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية

ممارسة التشريح النفسي:

لا توجد طريقة موحدة لممارسة التشريح النفسي، وسيتم تحديد الإجراء الدقيق والخطوات بناءً على ظروف الوفاة أو الانتحار، وبشكل عام، سيتضمن الأمر جمع وتحليل أي بيانات ذات صلة بالقضية.

عادةً ما تشمل هذه البيانات السجلات الطبية، والسجلات النفسية، وسجلات الشرطة، والمعلومات البصرية من موقع الجريمة (مثل الصور)، ونتائج التشريح، وفي بعض الأحيان، قد يتم إرسال نفساني شرعي مباشرة إلى الموقع لفحص ظروف حدوث الانتحار.

فيما يأتي بعض الفئات التي قد تكون مدرجة في التشريح النفسي:

  • معلومات تحدد هوية الضحية، ومن ذلك الاسم والعمر والعنوان وغيرها من المعلومات الأساسية.
  • جميع التفاصيل المحيطة بالوفاة، ومن ذلك الطريقة أو السبب، إذا كانت متاحة.
  • مخطط تاريخي موجز، ومن ذلك الأمراض والعلاج والعلاج النفسي.
  • تاريخ الوفاة في الأسرة.
  • وصف الشخصية ونمط حياة الضحية.
  • أنماط السلوك النموذجية للضحية، خاصة في استجابتها للأحداث الإجهادية.
  • تاريخ الأحداث الإجهادية الحديثة.
  • تعاطي المواد، ومن ذلك الكحول والمخدرات.
  • العلاقات البينية للضحية.
  • معلومات عن الأحلام والهلاوس والمخاوف.
  • أي تغييرات ذات صلة قبل الوفاة من حيث العادات والهوايات والتغذية والعلاقات.
  • معلومات عن الخطط والنجاحات والترقيات.
  • معلومات عن دور الضحية في وفاتها، وتقييم النية.
  • تقييم مدى فتك الوسيلة، وهو مقياس يقيس درجة الفتك في محاولة الانتحار.
  • رد فعل المبلغين عند اكتشافهم وفاة الضحية.
  • أي ميزات خاصة وتعليقات.

عملية أداء التشريح النفسي معقدة وتتطلب كمية كبيرة من الوقت، ويتم تطبيق عدة تخصصات خلال الإجراء، ومن ذلك علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأحياء وعلم الوبائيات والأنثروبولوجيا.

أخلاقيات التشريح النفسي:

على الرغم من أنَّ التشريحات النفسية ونتائجها تقدم بيانات مفيدة تساهم في مجال البحث فيما يتعلق بالانتحار، إلا أنَّ أخلاقيات الإجراء نفسه تثير أحياناً الشكوك.

نظراً لأنَّ هذا علم غير دقيق؛ يجب مراجعة الأساليب والبروتوكولات قبل بدء التحقيق، فيمكن الاتصال بلجنة استعراض المؤسسة للتأكُّد من عدم انتهاك حقوق الفرد أو خصوصيته، وكذلك للتأكد من أداء التشريح النفسي بطريقة أخلاقية.

بخلاف التشريح العادي، يتطلب التشريح النفسي تعاوناً وحضور أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء وغيرهم من الأشخاص القريبين من الضحية، وهو ما يجعل العملية عادةً أبطأ، ومن وجهة نظر أخلاقيات البحث، يُعد غير أخلاقياً التشاور مع الأفراد المذكورين في أثناء فترة الحزن.

هذا هو السبب في أن يُجرى التشريح النفسي عادة بعد انتهاء التشريح الجسدي، باستثناء الحالات التي يكون فيها من الضروري تحديد السبب الدقيق للوفاة وما إذا كانت الوفاة نتيجة انتحار متعمد أم صدفة.

قضية أخرى هامة يجب أن تلاحظ هي أنَّ التشريح النفسي يقوم أساساً بتشخيص الشخص بمرض نفسي بطريقة رجعية، فتشير النتائج الأخيرة لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أنَّ ما يصل إلى 54% من ضحايا الانتحار لم يكونوا يعانون من سجل أو تشخيص سابق لمرض نفسي.

هل يتم إجراء التشريح النفسي في كل حالة؟

لا، هذه أداة تحقيقية ولكنَّها لا تستخدم كثيراً إذا كنت تعتقد ذلك، ففي حالات الوفاة التي يكون سبب وطبيعة الوفاة واضحين، ليس هناك فائدة من إجراء التشريح النفسي، فتُستخدم هذه الأداة في حالات معينة إن لم تُعرَف الحقيقة وراء الوفاة بعد؛ إنَّها أداة هامة جداً لفريق التحقيق، تساعدهم على إيضاح مجريات القضية.

تُجرى التشريحات النفسية في معظم الحالات عندما يكون الحال النفسي للشخص المتوفى عاملاً هاماً، فنعلم جميعاً أنَّ وفاة سوشانت سينغ راجبوت تم تصنيفها على أنَّها "انتحار تحت تأثير الاكتئاب" وأنَّه كان يعاني من اضطراب ثنائي القطب، ولكن تظل الطبقات تكشف عن نفسها، وهذا يثير الشكوك عما إذا كانت حالة انتحار أم جريمة قتل.

أدَّى ذلك إلى إجراء تحقيق من قبل الهيئة الجنائية الهندية في القضية، فلا أحد يعرف الحالة النفسية الفعلية له، فقد كان يعيش وحده ولم يكن على اتصال مع كثير من الأشخاص لبضعة أشهر؛ لذا يُعد التشريح النفسي ضرورياً في هذه الحالة.

فوائد التشريح النفسي:

  • أثبت التشريح النفسي فاعليته وفائدته للجماهير من خلال أسلوبه النظامي في فهم الظروف النفسية والسياقية التي سبقت الانتحار.
  • كان ذا فائدة في التحقيقات الحكومية في حالات الانتحار العامة الكبيرة وفي السياقات القانونية.
  • يؤدي دوراً هاماً في الوقاية من الانتحار، والتدخل في حالات الأزمات، والبحث فيما يتعلق بالانتحار، ويساعد على منع مثل هذه الحوادث غير المرغوب فيها ويثبت أنَّه مفيد للفاحصين الشرعيين وللسلطة القضائية أيضاً.

التأثيرات النفسية:

تم العثور على انتشار عالٍ للاضطرابات النفسية في دراسات التشريح النفسي للأشخاص الذين انتحروا، فقد أظهرت الدراسات أنَّ حوالي 90% من الذين يقدمون على الانتحار يعانون من واحد أو أكثر من الاضطرابات النفسية، ويعد الاكتئاب الأكثر شيوعاً في غالبية الحالات، ومن ثم ثبتت أنَّ هذه النتيجة تكون مفيدة في تحديد وعلاج مثل هذه الحالات في أقرب وقت لمنع الانتحار.

في الختام:

في ختام هذا المقال عن التشريح النفسي، ندرك الآن دوره الحيوي في كشف الأسرار النفسية وراء حالات الانتحار، وهذه الطريقة العلمية تسلط الضوء على الظروف الشخصية والنفسية التي قد تكون وراء قرارات فاجعة.

يظهر التشريح النفسي بوصفه لغة الروح والعقل، ومفتاحاً لفهم عميق للأحداث القاتمة، وبفضل قدرته على تحديد العوامل المسببة وتقديم نقاط الضعف النفسية، يعزز التشريح النفسي دوره في تحسين الوقاية من الانتحار وتوجيه الرعاية النفسية؛ ببساطة، يتيح لنا التشريح النفسي فرصة فريدة لفتح أبواب الفهم والمساهمة في بناء مستقبل يكون أكثر رعاية وتوعية تجاه الصحة النفسية.