أهمية الامتنان في الحياة

أهمية الامتنان في الحياة
(اخر تعديل 2024-03-09 04:42:14 )
بواسطة

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "ستيف هوغتون بورنيت" (Steve Houghton-Burnett)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية الامتنان في حياتنا.

على ضوء ما سبق، تساءلت عمَّا يدفعُنا إلى الشعور بالامتنان وعن فوائد الشعور بالتقدير والامتنان للنِعَم والأشياء في حياتنا، ولعلَّ الإجابة البسيطة والصريحة لكل تلك التساؤلات هي أنَّ الامتنان بصورة عامة لا يوفِّر أية فوائد مميَّزة يمكن قياسها على الإطلاق، باستثناء الشعور بسعادة طفيفة تكاد لا تُذكر.

إذاً إن كان شعورك بالامتنان بصورة عامة لنصيبك وقسمتك في هذه الحياة غير مُجدٍ، فتوجد وسائل أكثر فاعلية ونجاحاً للشعور بالامتنان، لكن يجب أن تواصل قراءة هذا المقال لتفهم تلك الطرائق والوسائل بدقة.

يقول الفيلسوف الروماني "شيشرون" (Cicero): "الامتنان ليس أعظم الفضائل؛ بل أبو الفضائل"، وربما تتفق معه إن صدقت بعضَ الدراسات التي أُجريَت في السنوات 15 الماضية تقريباً.

الجدير بالذكر أنَّ سبب عدم وجود أبحاث كثيرة عن الامتنان هو أنَّه حتى أواخر 1990 لم تُجرَ إلا أبحاث قليلة عنه؛ وذلك لأنَّ علماء النفس فضَّلوا التركيز على دراسة العقول المضطربة حتى ذلك الحين، وقد تغير كل ذلك حين ابتكر عالِم النفس الأمريكي "مارتن سيليغمان" (Martin Seligman) عبارتَي (علم النفس الإيجابي) و(السعادة الحقيقية).

خمس فوائد رئيسة لتطبيق الامتنان وممارسته بصورة فاعلة:

توجد خمس فوائد رئيسة لتطبيق الامتنان وممارسته بصورة فاعلة وفقاً لأستاذ علم النفس "روبرت إيمونز" (Robert Emmons) وهو من الأوائل عالمياً في مجال بحوث الامتنان:

1. ارتفاع مستوى سعادة المرء:

يمكن لممارسة الامتنان وتطبيقه في حياتنا بصورة فاعلة أن تزيد من مستويات السعادة نحو 25%.

2. المحافظة على سعادة دائمة:

يمكن أن تؤدي ممارسة الامتنان بفاعلية ونشاط على مدى ثلاثة أسابيع إلى دوام السعادة مدة تزيد على 6 أشهر.

شاهد بالفديو: 5 طرق للعيش بحالة من الامتنان كل يوم

3. تقليل الاهتمام بالجوانب المادية:

يُولي الأشخاص الممتنون اهتماماً أقل للأمور المادية؛ فمن غير المُرجَّح أن يحكموا على نجاحاتهم أو نجاحات الآخرين بناءً على الممتلكات التي يجمِّعونها، كما أنَّهم أقلُّ شعوراً بالغيرة من الآخرين.

4. تعزيز السلوك الاجتماعي الإيجابي:

يزيد الشعور بالامتنان بفاعلية ونشاط من قدرتك على تفهُّم الآخرين والتعاطف معهم ورؤية الأمور من وجهة نظرهم؛ إذ يُعرَف الأشخاص الممتنون بأنَّهم أكثر كرماً وسخاءً وحباً للمساعدة وفعل الخير في محيطهم الاجتماعي.

5. تحسين الصحة:

أظهرت أبحاث العالم "إيمونز" أنَّ تعزيز مشاعر الامتنان وتنمية القدرة على ممارستها بفاعلية قد يكون له فوائد صحية أخرى، مثل تحسين جودة النوم والقدرة على النوم بعمق لمدة أطول، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة تركيز الإنسان وتحسين حياته.

حين يُدرك الناس وجودَ هذه الفوائد للامتنان، فمن الطبيعي أن يكون سؤالهم الآتي المُباشَر عن كيفية ممارسته بفاعلية في حياتهم، وربما من أبسط الطرائق لفعل ذلك هو الاحتفاظ بسجل أو دفتر يوميات خاصٍّ بالأشياء التي تشعر بالامتنان لأجلها.

يطلب "إيمونز" من الناس في سياق أبحاثه كتابةَ شيءٍ يشعرون بالامتنان لأجله، ويُوصي بتدوين تلك النِعَم أربع مراتٍ أسبوعياً لمدة لا تقلُّ عن ثلاثة أسابيع؛ إذ تظهِر أبحاثه أنَّ هذا السلوك غالباً ما يكون كافياً لإحداث فرقٍ جوهري وهام في واحدٍ من مستويات السعادة.

في البداية، اعتمدَت أبحاثه الكثيرة على مشاعر السعادة والسلامة والعافية التي قيست ذاتياً من قبل الأشخاص والإبلاغ عنها بعد ذلك؛ فإن شَعرَ الناس بإحساس أفضل بعد ممارسة الامتنان، سارعوا لإخبار الباحثين بذلك.

تحوَّل في المدة الأخيرة تركيز "إيمونز" إلى قياس البيانات الموضوعية لدى الأشخاص، مثل مستوى الكورتيزول في الدم ومستويات التوتر والقلق وكذلك تغيُّر مُعدَّل ضربات القلب لديهم.

يوجد باحثٌ آخر في مجال الامتنان هو عالِم النفس الأمريكي "ريتشارد ديفيدسون" (Richard Davidson) الذي قضى وقته في مراقبة أنماط النشاط الدماغي لدى الإنسان، وتؤيد أبحاثُه ادعاءاتِ "سيليغمان" و"إيمونز"؛ فهي تُظهِر كيفية تفعيل الدماغ البشري أو تنشيطه عن طريق الممارسة الفاعلة للامتنان وتطبيقه بنشاط في حياتنا، وخاصةً الفصُّ الجبهي منه؛ حيث تكمن مراكز السعادة والفرح.

لقد ظننتُ أنَّه من الرائع أن أُجري تجربةً خاصة بي؛ فقد احتفظت بدفتر يوميات خاصٍّ بأشيائي التي أشعر بالامتنان لأجلها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأستطيع أن أقول فعلاً إنَّني أشعر شعوراً قاطعاً ودون أدنى شك بسعادة أكبر نتيجة ذلك، ناهيك عن أنَّني أصبحت أكثر تفاؤلاً وتبسماً؛ وحتى أكون أكثر دقة، ما عُدتُ أنظر إلى نصف الكأس المملوء ولا إلى النصف الفارغ؛ بل صرت أشعر بالامتنان لامتلاكي الكأس في المقام الأول.

بعضُ النصائح الخاصة لمَنْ قد يهتم بالاحتفاظ بدفتر يوميات خاصٍّ بالأشياء التي يشعر بالامتنان لأجلها في حياته:

1. صِف شعورك بالامتنان وصفاً دقيقاً لا عاماً:

إنَّني أشعر بسعادة الآن لأنَّني بُتُّ أعرف سبب شعوري بالامتنان؛ فعلى سبيل المثال أفضِّل القولَ إنَّني ممتن للطريقة التي جعلَتْني بها أشعة الشمس أشعر بالدفء اليوم بعد أن توقعت أن يكون الجوُّ بارداً، بدلاً من القول إنَّ الطقس كان مشمساً اليوم فحسب.

2. اشعر بالامتنان تجاه الناس لا الماديات:

فالشعور بالامتنان لتفاني زوجتك في خدمة العائلة يجلب لك قدراً من السعادة أكبر من تلك التي يجلبها الشعور بالامتنان لشرائك سيارة جديدة.

3. سجِّلْ الأمور التي تشعر بالامتنان لأجلها لغاية محددة:

فقد سجلت يومياتي لسنواتٍ عدة مضَت؛ لكنَّ الاحتفاظ بدفتر يوميات لتسجيل النِعَم في حياتي يعني أنَّني يجب أن أبحث تحديداً عن أشياء أشعر بالامتنان لامتلاكها أو وجودها في حياتي، كما يجب عليَّ أن أتأكد من سبب امتناني لها.

4. استخدمْ أسلوب المقارنة حين تشعر بعدم وجود نِعَمٍ إضافية لكتابتها:

فعلى سبيل المثال أنظرُ إلى أحد جوانب حياتي وأتساءل كم سيكون ذلك الجانب أقلَّ سعادةً لولا وجود شخصٍ مُعيَّن في حياتي.

5. استمتعْ بالمفاجآت واستذكرْها دوماً:

وحاولْ تسجيل أحداث حياتك التي كانت غير مُتوقَّعة أو مُفاجِئة كونَها تميل لإثارة مشاعر الامتنان وتقويتها وإيصالها إلى مستويات أعلى، نتيجة الارتباط العاطفي اللطيف الذي تولِّده.

6. لا تجعل لديك هوساً بالامتنان وسجِّل الأشياء الجديرة بالذكر فقط:

تُعَدُّ النصيحة الأخيرة هامة جداً؛ فعند بداية تدويني للأشياء التي أشعر بالامتنان لأجلها، وجدتُ أنَّني سرعان ما أصبحتُ مهووساً بإيجاد الإيجابيات في كل شيءٍ حولي حرفياً، لدرجة أنَّني كتبتُ ذات يوم بأنَّني تعرضتُ لإصابةٍ في كاحلي؛ لكنَّني ممتن لأنَّني أستطيع الشعور بالألم فيه وبأنَّني لستُ مشلولاً.

في الختام:

إذاً دوِّنْ الأشياء التي تشعر بالامتنان لها حقاً؛ إذ تُظهر أبحاث "إيمونز" أنَّه من الأفضل تسجيل خمسة أشياء محدَّدة بدقة وذات معنى أسبوعياً، بدلاً من تدوين 30 أمراً عاماً.